مأزق ايقاع المدينة *الحسين مجلي.

مأزق ايقاع المدينة  *الحسين مجلي.

مأزق ايقاع المدينة

*الحسين مجلي..

 

أيقاع المدينة وصف قديم لأغاني تسمى بالدكاكينية لسرية الاستماع وخفاء اسم الكاتب وان كان المغني معروف بصوته او معروفة بصوتها وفي العصر الراهن تم تغبير الاسم الي أغاني (الزنق) وهي شانها من شأن الزئبق لا تستقر على حال ولا تسير وفق شاكلة واحدة علي الرغم من الاطار اللحني الواحد  المتكرر .

،  فهي تهتم   بالقضايا والظّواهر  التي تخص المجتمع  وتكون دايما مصدر نقاش مجتمعي خاص علي الرغم من كون ان مفرداتها هابطة ولا ترتقي الي تكوين مفردات شعرية منتظمة  وفي بعض الاحيان  لا تتوقف هذه المفردات عند حد معين بل تذهب سريعا الي اللحن الموسيقي الراقص لتصنع لها شكل مختلف عن المألوف  في المفردة ،واللحن، وشكل الرقص  ، فاختلاف  الثقافات في السودان قد يغير من كلماتها الا انها تلتقي في الاطر  المعرفية التي تخص المجتمع.  والدراسات الفكرية والفلسفية والاجتماعية  لهذا النمط الغنائي كثيرة الا اننا في السودان لم نخصها بشكل واضح وعلمي يخضعها  للدراسة المتعمقة في اطار الواقع السوداني ..وأبعد من ذلك نجد أن جل المهتمين بمجال الادب الشعبي في السودان لم يهتموا بدراسة مفردات اغاني الزنق والبحث عن هذا الايقاع المديني البسيط في كلماته والمعقد في القضايا التى يتناولها  والبحث فيها يكاد يكون عدم  فهذه الاغنية  متى ماقيدت  وحوصرت بضوابط ومقاييس معينة سريعا سريعا ما تتحرر من هذه القيود ،  فهي لا ترتبط  بمفردة ويصر المؤدي لها بعدم التقيد  لمفهوم محدد  تنصاع إليه هذه الاغنية.  ما يجعلها  تسيطر علي طبيعة الّسر القائم في كونها محرك الطرب الاساسي لدي المستمعين لها ، وعليه ان كانت المصطلحات تختلف باختلاف المنطقة نتيجة  المفهوم الثقافي للمنطقة الا اننا نجد ان  الاتفاق والالتفاف حول كلماتها  المتواضعة يبين الاطار المعرفي لهؤلاء المستمعين. الذين يختلفون  من بلد لآخر ومن قطر إلى آخر فهذا النمط الغنائي موجود في كل العالم. فهي اصبحت  الملزمة الاساسية للتطريب و تأبى إلا أن تظل تسير جنبا إلى جنب مع نمط الطرب الغنائي المتعود عليه  في اغاني الحقيبة ومابعدها من اغاني  التي تمتلك الفكر والشعور والإحساس المتزن،  ماجعلها تخلق  نوع من المشاركة  والتجاور بينها وبين مستمعيها نتيجة لما توفره من معاني تخصهم ومفردات بقافية توضح مايرمي اليه شاعرها المجهول ومغنيها . وبظهور  اغاني( الزنق) لابد من  لفتة ينتبه  لها الباحث   لادرك الصفة الأساسية والجوهرية التي تمتاز بها مثل هذه الاغاني.  سواء في  المنهج أو المقصد منها .  على هذا الاعتبار سنجد حقلا معرفيا يستطيع إلى حدّ كبير ومتميز أن يحقق تقاطعا معرفيا لماهية معرفة المجتمع والدخول في اغواره وسلوكه الناشئ الذي اظهر هذا النمط الغنائي.... باعتبار انها تقيم في رحابها مفاهيم  لتصورات وتحديات لوجدان مغاير عن ما عرفناه من اغاني سيطرت علي الوجدان السوداني الذي استقرت فيه اغاني الحقيبة  لفترة طويلة.... وهذا لا يعني ان الاغاني الهابطة ظهرت بظهور اغاني الزنق.  ففي الجانب الاخر للمدينة كانت هناك اغاني هابطة الا انها لا تتعدي القعدات الخاصة ولا ترتقي ان تغني ويسمها الجميع بمكبرات الصوت،  علي عكس اغاني الزنق التي وصلت الي مرحلة تقترب من دخول الاذاعات وشاشات التلفزيون .... وبالنظر الي المفردات  والاستعمالات التي  استقرت في خلفية اداءها الموسيقي ولمفرداتها التي تنجر في لحظتها والتي اظهرت  حقائق واباحة أسرار كانت مسكوت عنها  نجدنا امام بحث متعاظم يحتاج الي لتأني لكشف هذه الظاهرة كحقيقة مستقلة وموجودة دون الاستهانة بها  في حد ذاتها ، وانما يكون البحث فيها جامع كحقيقة معرفية راحت  تفرز تراكمات واوجاع  المجتمع وتعدت حدود وجدان الكثيرين  وتربعت فيه.  فهذه الاغاني التي تتحدث عن الحسد والعنوسة و اختلاس المحبوب اي مايعرف اصطلاحا (بالشلب) تبين التنازع المجتمي في شكل العلاقة بين الرجل والمراة وماوصلت اليه لتصل بمفرداتها الي مرحلة السب واللعن والشتائم بقالب غنائي لا يتماشي مع قيم المجتمع واظهارها للنعرة القبلية والفوارق الاجتماعية وابراز المال كقيمة عليا وعدم تغنيها بقيم الكرم والتسامح والشجاعة وتوقير الكبير وتعظيم دور المراة بل انها تمادت في تسليع المرأة ... الا ان الحقيقة البائنة انها اظهرت المخفي والمسكوت عنه ويظهر ذلك في شكل المغنين الذين يؤدون هذه الاغاني من كلا الطرفين فالمراة تعبر عن زنقة البوار والعنوسة والفقر  وعدم وجود فرصة في المجتمع  والشاب كذلك،  وابعد من ذلك  مقدرة اغاني الزنق في اظهار  الشاب  من الجنس الثالث الذي يصرخ بمفرادات لحنية ( غلبني كتر علي)  ( واحي يا)  ماجعل من اللحن المختلط بمفردات هابطة يحمل حمولة مشبعة بالاوجاع المجتمعية التي تترك في ساحة الرقص دون ان تجد اجابة لهذه التساؤلات... فكتل الالم التي تحبط المجتمع جعلته يقوم بتدوير نفايات هذه الاغاني ويكررها بلونية مشحونة بكل ماهو هابط. علي الرغم من ان بعض المغنين من القونات  لهم اوركسترا مكتملة تقوم بالعزف المنتظم واللحن ذو التطريب العالي الا ان هذا اللحن تشبع بمفردات تحتاج الي وقفة لمعالجتها حتي لا تتعدي الي شرخ الوجدان الأخلاقي للمجتمع ... علما بان شكل ومضمون اغنية الزنق موجود منذ القدم الا ان ظهوره بشكله الحالي يحتاج الي وقفة وتمحيص دقيق للوصول الي معرفة واسباب هذه الظاهرة...