دراسة المجموعة القصصية لغة الأرض..

دراسة المجموعة القصصية لغة الأرض.. بين يدي القارئ المجموعة القصصية "لغة الأرض "للقاص العراقي علي حسين عبيد، الفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي- الدورة التاسعة العام 2019م. وكانت لجنة تحكيم القصة القصيرة لهذه الدورة مكونة من الأساتذة، الدكتور فهد حسين من الشقيقة مملكة البحرين والدكتور بشير عباس والأستاذ القاص محمد الفكي عبدالرحيم.

دراسة المجموعة القصصية لغة الأرض..

دراسة المجموعة القصصية لغة الأرض..

الخرطوم -كليك توبرس- عامر محمد أحمد 

ين يدي القارئ المجموعة القصصية "لغة الأرض "للقاص العراقي علي حسين عبيد، الفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي- الدورة التاسعة العام 2019م. وكانت لجنة تحكيم القصة القصيرة لهذه الدورة مكونة من الأساتذة، الدكتور فهد حسين من الشقيقة مملكة البحرين والدكتور بشير عباس والأستاذ القاص محمد الفكي عبدالرحيم.
تتعدد مفاتيح قراءة، قصص علي حسين عبيد، فى "لغة الأرض " إذ تميزت بسردية واقعية، ومفارقة لاتخلو من ذكاء الكتابة، وخيال خصبة ذاكرته. وقد أولت الذاكرة الجماعية للمجتمع المتخيل، عناية خاصة فى اللغة، الفكرة، والسردية التى تقرأ من ورائها تفكير عميقة قراءته.  طال الزمن، بالقصة القصيرة، فى مطاردة الحياة،و تعقيدات العصر، فدخلت فى بيات طويلة أيامه، فقد تقدمت الرواية الصفوف، وكانت القصة فى عصور السرعة، الأقرب للتعبير عن أزمنة التكنولوجيا. غاب النص "المثقف "عن ساحة القصص القصيرة - والنص المثقف يعرفه الكاتب "علي حسين يوسف " بأنه "النص الذى يستشعر هموم الإنسانية ولايتنافى مع مبادئها " ونصوص "علي حسين عبيد" مثقفة بامتياز الكتابة التى تستمد من الواقع، أحلامه، فرحه، حزنه، خوف المستقبل، سطوة السلطة، البحث عن الحرية.
تحتوى المجموعة القصصية "لغة الأرض " على خمسة عشرة قصة، تبدأ من قصة "أنين متوارث"وتنتهي بنص "قيامة الجثة "ومابين هذا الأنين المتوارث، وقيامة الجثة، تظهر، مدن البارود، أزيز الذباب، رجل يعد نفسه للرحيل، النافذة، منحوتة العشق، فصام، خطايا الآباء، أورام ليست حميدة، مشاهد من سيرة الألم، لغة الأرض، بساتين ملغمة.  إذا نظر القارئ إلى عناوين المجموعة القصصية، يجد رمزية عالية، وخطاب سردي يتميز بالغموض أحيانا وأخرى بالوضوح الشديد.  والرمزية التى أعنيها تكاد تلامس، تعريف الكاتبة الأمريكية " أنا بليكان"- الرمزية  دراسة تقويمية " " لقد اقترب بودلير أكثر إلى تقنية الاتصال الفعلي غير المباشر فى الشعر، فى نثره النقدي، فهو يجملنا إلى تعريف جديد للشعر : "تصبح القصيدة لغزا" لا يمكن أن تشعر بإحساس الفهم المنتظر،  وتظل الرسالة بالغة الغموض كما هى بالغة الإشارة،  تماما كما فى الأحلام " والقاص علي حسين عببد فى لغة الأرض لم يترك سلطة سياسية أو مجتمعية إلا وضعها بمهارة فائقة تحت التشريح من سلطة الأب وعناد الابن،  من سلطة الدولة واحتكار العنف ليس من أجل إيقاف  القتل وإنما ممارسته.  وقصص مجموعة "لغة الأرض "تحمل إشارة بالغة الغموض وفى قصته " مدن البارود " تجد سطوة الخوف، المسيطر على الجميع وانتشار الفوضى "هيا تجمعوا فى هذا المكان، كان بوضع غير مستقر، عيناه ترمشان بخفة، ينز منهما قلق مكبوت، لاحظت عتلة أمان السلاح مفتوحة، رفع الرشاش قليلا إلى الأعلى وضغط على الزناد، فانطلقت "رشقات" رصاص متلاحقة، ثمة نار تلهب رؤوسنا "
ولغة الأرض محفزة للخلاص من أوجاع إنسانية كثيرة، تتجسد فى قصة "أنين متوارث" عن امرأة تعاني آلام المخاض فى صحراء "أخذني صديقي جانبا، وأخبرني بكلمات لم يرد بعضها فى بالي، ليس سهلا أن تلد امرأة فى هذا المكان الصحراوي، الذى يفتقر لكل شئ، لاطبيب، لا أجهزة توليد، لا أدوية، من أي نوع كان، ثم لاتوجد"قابلة"لها خبرة فى التولبد" كانت هذه الصورة القصصية، مرعبة لمخاض امرأة،  تبدأ أمومة فى صحراء،  وفى مقامات التأويل قد، تقرأ مخاض شعوب تبحث فى صحراء الحياة، عن مستقبل وكما تحلم الأم بخروج وليدها سليما،  دون طبيب،  أجهزة توليد وقابلة لها خبرة فى التوليد. فان الشعوب تنظر إلى المستقبل أيضا وتعلم المعوقات على أمل كبير بتحقيق الأحلام دون كلفة كبيرة.
أغلب قصص "علي حسين عبيد" فى مجموعة "لغة الأرض " تميزت بانسيابية  ولغة  سردية  بسيطة دون تعقيدات، إلا إنها فى خطابها كانت غامضة، بها إشارات عديدة تتم عن ثقافة عالية، ومقدرات فى الكتابة القصصية.  والكاتب "حسن غريب " فى دراسة بعنوان - التقنيات الفنية والجمالية المتطورة فى القصة القصيرة - يؤكد على الآتي : أما لحظة الأزمة، فهى اللحظة التى بتكاتف فيها التوتر،  وينطوي عليها الاكتشاف،  وهى نابعة من اتساق التصميم،  وهو يقود بالضرورة إلى دراسة الملامح التى تمثل العناصر الأساسية للقصة، فترتيب هذه العناصر لابد من منطلق، يربط الأحداث ببعضها البعض فى سياق يستجيب لجملة الإشارات التى يطلقها الكاتب فى القصة "
تنضح كثير من معالم خطاب قصصي متميز، فى مجموعة "لغة الأرض " إذ يتجلى خطاب الحكمة،  الأبوية.  وفى قصة " رجل يعد نفسه للرحيل " نجد الحكمة والابن والأب ومآسي العناد والتربية الخطأ '" رأيت أبا مجد ينتبذ مكانا قصيا، جالسا القرفصاء، رأسه يتدلى بين ركبتيه، ناظرا فى وجه الأرض، كتفاه يهتزان بحركة آلية منتظمة -  كنت أفكر بطريقة ما كي أخبره برحيل إبنه خاصة أننا بدأنا نقترب من زريبتنا"
والقصة تحكي عن"مجد" وعناده، ذهابه إلى مزرعه بعيدة، "تجاوزنا منتصف الليل،  الظلام يدهم الصحراء، أمجد لم يعد إلينا، القلق يطوق الجميع،  أبوه يبكي بصمت -فكرت أنا أن الذهاب مشيا إلى المزرعة البعيدة، ينطوي على مغامرة - طريق الصحراء ليس آمنا، فى الليل هنالك حيوانات مفترسة،  تظهر الذئاب هنا أحيانا - تفرقنا عن بعضنا مسافات متباعدة،  صحراء رملية لايحدها شئ سوى أفق السماء، حرارة الشمس  تتصاعد -لم تعثر على شئ، لكنني أشعر أن أمجد بخبر.  - شعت فرحة مفاجئة فى عينيه الكليلتين ووجهه المغضن- الإنسان قلما يتعظ ويتعلم من أخطائه، الكبار والصغار.
- منذ متى تلازمه نوبات العناد؟
-منذ أن ولدته أمه.
- كان عليك أن تربيه على مصاعب الحياة
- لم يكن الأمر بيدي،  أمه علمته على الدلال وكبر العناد معه. "
علاقة الأب والأبناء،  دلال الأمهات،  شراكة التربية التى تفشل حينما يطغى الشريك على شريكه بالإهمال، رفض الأبناء خبرة الآباء فى شؤون الحياة، عناد المراهقة والدلال الذى يصيب الأفراد والمجتمعات بالخراب.
برع الكاتب "علي حسين عبيد" فى رسم صورة معبرة عن الإنسان، ومايحيط به من كتاب الطبيعة والسلطة والمجتمع.  توفرت للقاص مهارات عديدة صقلتها المعرفة والخبرة، بدروب كتابة القصة القصيرة، واللغة الحكاية، قصيرة الجملة،  مع مقدرة كبيرة فى الربط بين النص وسياقه الاجتماعي والجمالي ،  ومعرفة بالنفس البشرية و تعقيدات الحياة.  لاتكتمل جماليات الكتابة إلا بمعرفة الناس ومكنون ثقافتهم ومعرفة خصائص اللغة وكيفية استخدامها.  خلت مجموعة "لغة الأرض " من الحشو الذى يحول السرد إلى مجال كتابة مقالات بنفس القصة دون قصة حقيقية.
استدعت هذه المجموعة القصصية،  الكتابة الواقعية، فى غير إفراط وإظهار الواقع المعروف كما هو، إلا أن المتخيل السردي كان ممتازا فى استقصاء المجتمعات الإنسانية دون تحديد مجتمعات محددة رغم إشارات الأمكنة فى هذه المجموعة القصصية.  تعيد مثل هذه المجموعة القصصية، إلى القصة القصيرة الثقة من جديد فى إظهارها جماليات كثيرا ماتحجبها سطوة السرديات الروائية. وفى عصر السرعة ستعود القصة القصيرة إلى موقع الصدارة فى الكتابة الإبداعية.
القاص والروائي علي حسين عببد كاتب يستحق الاحتفاء والاحترام. إذ  لايزال صاحب رواية طقوس التسامي، المبدع الكبير وهو يعطي بسخاء فى دنيا الإبداع.