خارج المتاهة/ محمد عتيق *بين يدي العام الخامس للثورة ؛* *هل لها أن تخطو إلى الأمام ؟*
خارج المتاهة/ محمد عتيق
*بين يدي العام الخامس للثورة ؛*
*هل لها أن تخطو إلى الأمام ؟*
_______________________________
على تخوم العام الخامس لثورة ديسمبر المجيدة يجدر بنا جميعاً أن نَتَرَفَّق بأنفسنا وبوطننا ، أن ننظر إلى الحياة وإلى المستقبل بهدوءٍ وجدِّيّة ؛ ننظر إلى الحياة بما يُعَمِّق فينا أنه لا خلود لأحدٍ فيها ولا دوام ، كلنا راحلون بأكفانٍ (لا جيوب لها) إلى عالمٍ لا نعرف عنه كثير شيء إذ لم يَعُد إلينا أحد الراحلين ليروي لنا ماذا هناك !! وأسباب الرحيل لا يمكن الإمساك بها لتفاديها ، ولا علاقة لعُمْرِ أيٍّ منَّا بلحظة رحيله : سيان من هو فوق الثمانين ومن هو دون الثلاثين ، ونستوي كلنا : فقراء واغنياء ...وننظر إلى المستقبل بمعنى مستقبل ألأبناء والوطن إذ أن الأهداف التي نسعى لها - أهداف ثورة ديسمبر - لن ينعم بها أحدٌ منا مهما طال به العمر ، بمعنى أنه لا أحد سيشهد ثمرات تلك الأهداف عند تَحَقُّقِهًا ، ليبقى جوهر الأخلاق هو أننا نسعى ونشقى خلف أهدافٍ عميقةٍ ليسعد بها ابناؤنا في الأجيال القادمة وتزدهر بها اوطاننا وتشمخ بين الأمم..
إذن ، لا معنى لِلَّهث خلف مغريات الحياة وأسباب الجاه فيها ، كلها ستزول في لحظة رحيل كل فرد ، الرحيل الذي (كما أسلفت) لا يعرف كنهه وزمانه أحد ، لا علامات له ولا حتى لسنوات العمر أثر... فإذا كان الباقي (وكما هو معروف) هو عمل الإنسان وعطاءه أثراً ، ومن جملة الأعمال التي تنحت الإسم عميقاً في سفر الخلود ألسعى الحثيث في خدمة أهدافٍ وأفكارٍ لن يرى المرءُ ثمارها وإنما لينعم بها غيره من أبناء الأجيال القادمة ولينعم الوطن ..
لا نكرر جزافاً أن الثورة السودانية الجارية الآن ثورةٌ ضخمةٌ سيكون لها موقعها البارز بين الثورات العظيمة في التاريخ ، ليس جزافاً ، فمن جوانب عَظَمَتِها :
* أن وقودها الأساسي هو شباب البلاد من الجنسين ، صحيح أنهم استندوا على موروثٍ من نضال آبائهم في مواجهة النظام الساقط بالخروج في وجهه والصمود في معتقلاته وأمام أدوات القتل والتعذيب التي مارسها أو أحدَثَها ، الإستناد الذي لم يَلْغِ أنهم وقودها الذي لم ولن ينضب إذ هم - وفوق كل شيء - إنما يريدون معرفة وسبر أغوار السؤال : لماذا ومن أين جاء الاسلامويون ، تتار هذا العصر ؟ لأنهم لم يأتونا من كوكب آخر وإنما من مجتمعنا ، من بيننا خرجوا ، الخروج الذي عَبَّرَ عن تجارب معيبة في مسيرتنا تَخَلَّلَتْها أخطاء جسيمة ..
** وهي ثورةٌ تستهدف تأسيساً عصرياً وحقيقياً للسودان ، أو قُل إعادة تأسيس تكون بنوده مشروعاً وطنياً يوليه الجميع وجوههم ونواياهم ..
*** ولأنها ثورة من مهامها مواجهة الاستباحة السافرة للوطن من كل دول الجوار والاقليم في كل شيء ، وتواجه اطماعاً عالمية بعضها تستهدف تقسيم البلاد إلى دويلات لأسباب اقتصادية وأخرى عقائدية/سياسية منها ما يتعلق بالكيان الصهيوني المزروع في فلسطين ..
فما الذي يجعل قوى الثورة هكذا خنادق معزولة تتراشق بالألفاظ وتتبادل الاتهامات الغليظة حد التخوين ، بينما هم جميعاً من أسسوا من أنفسهم بالأمس قوىً للحرية والتغيير وأصدروا إعلانها الخالد في مطلع العام ٢٠١٩ لقيادة الفترة الإنتقالية ..
اختصاراً ، وبدلاً عن تبادل الاتهامات والنعوت ب"نزعة التفَرُّد" أو "الهبوط الناعم" و "التسونجية" وغيرها مما هو سائد ، لماذا لا يتفق الجميع على صياغة أهدافٍ محددةٍ تكونُ هادياً ودليلاً لقيادة المرحلة ؟.. والإتفاق الجماعي ، لكي يستند على قوة الشارع ووحدته ومشروعيته الثورية ، يجب أن ينطلق من مصالح وهموم ذلك الشارع ، هموم الشعب في يومه وغده ، مستقبل تلك القوة الناهضة من الأجيال الجديدة ؟؟ ، وبصورةٍ مباشرة :
- هل بيننا من يعترض على مسؤولية الدولة تجاه شعبها ؟
- هل بيننا من يعترض على إعادة صياغة العملية التعليمية من كافة جوانبها استثماراً أساسياً في الإنسان ؟
- هل بيننا من لا يوافق على ضرورة تفكيك التمكين الذي مارسه الاسلامويون وما نهبوه من دماء الشعب وعروق الوطن ؟
- هل بيننا من لا يوافق على ضرورة إعادة صياغة وهيكلة الأجهزة النظامية وتأسيسها على عقيدة وطنية واضحة ، وتفريغها لمهامها الدستورية المحددة في حفظ الأمن وحماية الدستور وحدود الوطن ، سنداً لأجهزة العدل والقضاء وعلى قاعدة حماية حقوق الإنسان ....إلخ..
- هل بيننا من لا يوافق على إعادة ترتيب وتأسيس السلطات العدلية لتستعيد بريقها وهيبتها واستقامتها ، وعلى إجراء التحقيقات اللازمة في كل الجرائم بما فيها ، وعلى رأسها ، جريمة فض الاعتصام وقتل المتظاهرين السلميين وجرائم الإبادة في دارفور والمنطقتين ؟ وغيرها... وغيرها ؟
عوداً على بدء ؛ المبدأ الرئيسي لبرنامجٍ يتم الإتفاق عليه هو الإيمان ب، والسعي ل تحقيق ، دولة الرعاية الاجتماعية التي توفر الطبابة والعلاج (بأحسن ما يمكن من المستويات) مجاناً للجميع ، وتوفير التعليم الجيد أيضاً للجميع مجاناً مع جعل المراحل العامة منه إجبارية..
إذا جعلنا من هذه القضايا قلباً لبرنامج وطني ثوري سنكون قد كسبنا الجولة وعَجَّلْنا بإنتصار الثورة فيها ، وقطعنا الطريق على قوى الظلام والردة من أرباب النظام الساقط ، لأنهم يملكون برنامجاً يعملون على هديه ، برنامج لإحياء نهجهم في امتصاص دماء الشعب ورحيق الوطن ، وذلك مصدر قُوَّتهم الحالية أمامنا...
ومن الطبيعي أن يظل بعض القوى على اختيارها ل "الليبرالية الجديدة" منهجاً ، والاعتراف ب"إسرائيل" طريقاً لكسب ود القوى المهيمنة على هذا العالم ، وعلى استعجال الوصول إلى مراكز السلطة والنفوذ والجاه ، (وهذا يُعيدنا إلى مطلع المقال) لنجد مواقعهم في دفاتر التاريخ ، ذلك دون أن نملأ الساحة من حولنا عويلاً واتهاماً ، مبدأ " لكم دينكم وَليَ دين" ..
علينا أن نقدم للأجيال الجديدة خبرات وتجارب مفيدة (بعيداً عن الاستهبال ، الفهلوة ، وممارسة المقالب) لتستقيم على قيادة الحركة السياسية في البلاد ، دورها التاريخي الحتمي ..
01.01.2023