خارج المتاهة / محمد عتيق*   أم دول الإقليم  تُحدِّد لنا المسار والمصير ؟

خارج المتاهة / محمد عتيق*   أم دول الإقليم  تُحدِّد لنا المسار والمصير ؟

*خارج المتاهة / محمد عتيق*
  أم دول الإقليم 
تُحدِّد لنا المسار والمصير ؟
————————————
  *يمضي علينا العمر 
والحلم الجميل ،
ما زال في صمتٍ يقاومُ كلَّ أحزان الرحيل* 

  المنعطف الذي دخَلَتْه ثورة ديسمبر أصبحت له وجوه متعددة عدَدَ قواها المتشرذمة داخلها ، تعدَّدَت المداخل وللخروج منها بابٌ واحد ..
     الانقسام في ساحة الثورة حَدَثَ مبكراً قبل بدء المرحلة الانتقالية ، ولكنه تناسل وتحول إلى فتنةٍ بين قوى الثورة .. حتى لو كنا نؤيد بعض المواقف والشعارات هنا وهناك بين أطراف العملية الثورية فإن ذلك التأييد لن يمنعنا من وصف المواقف والشعارات ككل بأنها خاطئة ومؤذية ، تضُرّ الوطنَ كثيراً وتجعل الجميع ، وبالنتيجة ، مع المجرمين في حق السودان ..

   يتكالب الأعداء من الداخل والخارج ويحاصرون الثورةَ والوطن ، يتوحدون جميعاً خلف تحالف البرهان/حميدتي ، ومن خلف هذا التحالف كُلٌّ يذهب إلى مقصده : هذا إلى الذهب وذاك إلى الموانئ والشواطئ وثالثٌ إلى الموارد الطبيعية (حيوانات ومنتجات زراعية) ، وآخر يبحث عن الاستثمار…. وهكذا .. تحالف البرهان/حميدتي يريد السلطة حصانةً ووقاية ، يريد ألاتِّكاء على الخارج الإقليمي والدولي ، الخارج الذي له - بالمقابل - أن يفعل بالوطن ما يريد : نهب ، استحواذ ، تقسيم ، تدمير ….الخ . الخ .. يكون له قاعدةً تعوضه عن قاعدة الشعب الرافض له .. يتبادلا المنافع ..
  وقوى الثورة التي يقع عليها عبء مواجهة هذا الواقع بعيدةٌ كل البعد عن دورها هذا التاريخي .. هي أكثر من ٣ أقسام بمواقف عديدة "مُعلنة وخفية" ، الشعارات الجيدة منها لمجرد التزَيُّنِ والاستهلاك مثل " بناء أوسع جبهة لقوى الثورة من أجل إسقاط الانقلاب " ، وهو في حقيقته باب المخرج الوحيد المشار إليه أعلاه… 
هي أكثر من ٣ أقسام:
- قسمٌ احتكر تنظيم "قحت" بعد أن (زَحْلَقَ) بقية التنظيمات المناضلة والمشاركة في تأسيسه ..
- قسمٌ آخر : هو هؤلاء المُبعدون وقد ابتدعوا فعاليات ولخصوا مطالبهم في "العودة إلى منصة التأسيس" أي أن يعود كل المؤسسين إلى مؤتمرٍ يُعيدُ تأسيس قحت على أسس أكثر عمليةً وشمولاً وشفافية، وعندما شعروا أن الحركات المسلحة وحلفاءهم - وقد امتطوا معهم هذا الشعار ومهروا المواثيق - يريدون استدراجهم إلى الاعتصام بالقصر الجمهوري (وقد اشتهر باعتصام الموز)  ابتعدوا عنهم .. ومن المواقف المحزنة هنا أنَّ طرفاً من الأطراف التي اختطفت قوى الحرية والتغيير بإسم المجلس المركزي يتخذ عَبْرَ زعيمه موقفاً ضد أحد الأطراف التي تنادي بالعودة إلى منصة التأسيس ، يطلق عليه من "اكلشيهات" القرون الغابرة صفات مثل : المنحرف ، المتساقط ، العميل….الخ ، ويدفعه دفعاً أن يكون من قوى (إعتصام الموز) !! لن أذهب كثيراً في تفسير ذلك - فليس هذا وقته - ولكن سأكتفي بأن هذا الطرف "المتساقط" على رأسه أحد أطهر المناضلين في الساحة نزاهةً ومبدئيةً وشجاعة ، وليس هنالك من له مأخذ عليه في أي جانب من الجوانب ..
- وقسمٌ يرى في نفسه أنه  "التقدمي ، الديمقراطي ، الاشتراكي" الوحيد ، ورغم أن له رؤى ومواقف صحيحة إلّا أنه إذا ظلّ مع الآخرين كان سيكون لتلك الرؤى والمواقف تأثير أكبر يجعل منه عنصراً قيادياً مُهمّاً في إطار قوى الثورة .. بمقدراته -الحقيقية والمُتَوَهّمَة - يستطيع الارتقاء بآخرين بدلاً عن الاكتفاء بنعت الجميع بأنهم (قوى الهبوط الناعم) !! ويمضي في تقسيم المُقَسَّمْ.. 
- أمّا شعلة الثورة ، سيفها البتار ونشيدها العذب "لجان المقاومة" ؛ فهي ما زالت في إتقادها وستظل ، غير أنّ خللاً قد أصابها ، خللٌ سيتم تجاوزه ، وهو قادم من أن بها كوادر من أحزاب مختلفة ، "وذلك حق ومفيدٌ جداً في إثراء وتجويد تجربة لجان المقاومة" ، غير أن بعض قيادات اللجان من هؤلاء الأعضاء الحزبيين غَلَّبُوا رؤى أحزابهم على المواقف المفترضة لتنسيقيات اللجان التي يناضلون في صفوفها ..
فمثلاً ، لا حصراً ، عندما دعت قوى الحرية والتغيير لمسيرات شعبية تحت شعار (السودان الوطن الواحد) ضد النعرات والحروب القَبَلية التي بدأ الانقلابيون في تأجيجها ، وأن تكون نقطة التجمع لها هي محطة باشدار في الديوم ..هذه فكرة  ممتازة ، لتنسيقيات الديوم رفض المشاركة فيها ولكن الذي كنا نتوقعه أن تعلن رفضها ولكنها ستستقبل المظاهرة في نقطة تجمعها (في حِمَاها) بمنطقة باشدار وتوفر لها الحماية والتأمين وكل المستلزمات ، خندقنا واحد ضد عدو مشترك ، : هذا هو الموقف الوطني المسؤول والسوداني المبدع وضمناً تضيع الفرصة على النظام الساقط ، بحلفائه ومليشياتهم ، من استغلال حالة الرفض والعداء المعلن ليعتدوا على رفاقهم في المعركة المقدسة  - إثارةً للفتنة بين قوى الثورة - ولَمَا تمكن أحدٌ منهم من (تهكير) موقعهم الالكتروني والتحدث باسمهم ..
 
    هذا مجرد مثل ، فالواقع يقول أن معركتنا المقدسة ليست فقط ضد قوى النظام الساقط وحلفائه من القوى الأمنية والمليشيات المسلحة وإنما هي معركة - فوق ذلك - ضد سلوكٍ وأخلاقٍ أفرزه النظام الساقط ثقافةً ممعنةً في التخلف تسود مجتمعنا في كل زواياه … هذه الثقافة البائسة ألقت بظلالها حتى على قوى الديمقراطية والتقدم وعلى سلوك أغلب قياداتها ؛ من هنا يمكننا تحديد أسباب هذا التشرذم ألذي اقتربنا فيه من أن تكون الخلافات والنزاعات بين قوى الثورة هي الأساس وبينها وبين العدو التاريخي هو الفرع !! ، والّا ، فلماذا يعلن كل طرف  أنه يسعى لبناءٍ تتوحد فيه قوى الثورة ، تحت مسميات برّاقةٍ ومختلفة ، ( ولا نرى طحينا ) ؟

قوى الثورة جيدة وأصيلة ، فلماذا لا تتعاون على طريق النهوض بالوطن الذبيح ..هي وقفةٌ شجاعة مع النفس وتغليب مصلحة الشعب والوطن وتَخَيُّل المصير ...
أم سنبقى نعاجاً تأتينا دول الإقليم ؛ تحدد لنا المسار والمصير ولها المصالح  والامتيازات ، ونردد الختام مع فاروق جويدة :

*من يأخذ الأيامَ 
والعمر الطويل
لتعود شمسُ مدينتي
يا شمسُ ، فارِسُكِ القديم ، 
ما زال يبكي عمره
         بعد الرحيل*
  31.07.2022