اﻟﻼ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﻬﺰﻡ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ
اﻟﻼ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﻬﺰﻡ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ سيف الدين حسن بابكر “ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ” ﻫﻜﺬﺍ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻦ ﺑﻞ ﻭﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻇﻠﺖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺣﻴﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎﺀﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻭﺩﻗﺔ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ، ﻭ
اﻟﻼ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﻬﺰﻡ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ
سيف الدين حسن بابكر
“ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ”
ﻫﻜﺬﺍ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻦ ﺑﻞ ﻭﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻇﻠﺖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺣﻴﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎﺀﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻭﺩﻗﺔ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ، ﻭﺃﻫﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﻳﻨﻄﻘﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎً ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﻻ ﻳُﻄﺎﻝ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﺠﺘﻤﻊٍ ﻛﺎﻥ .
ﺇﻥ ﺃُﺳﺲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ Grammatology ﺻﻨَّﻒ ﻧُﻈﻢ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻫﻲ : ﺍﻟﻠﻔﻈﻲ Logographic ﻭﻣﻘﻄﻌﻲ Syllabic ﻭﺷﻜﻞ ﺃﺑﺠﺪﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺼﻮﺗﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳُﻌﺮﻑ ﺑﺎﻟﻔﻮﻧﻴﻤﺎﺕ .
ﻻ ﺟﺪﺍﻝ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻫﻲ ﺃﻡ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﺃﺏ ﺷﺮﻋﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺍﻷﺩﺍﺓ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻟﻨﻘﻞ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺇﻳﺼﺎﻟﻬﺎ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻳﺸﻜﻞ ﺗﻌﺮﻳﻔﺎً ﻣﻬﻤﺎً ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻠﻐﺔ . ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﺳﻪ ﺑﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﻭﻣﺎ ﻳﺮﻣﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭ .
ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﻋﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﺪﺍﻭﻟﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎﺫﺍ ﻟﻮ ﺃﺷﺮﻧﺎ ﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ Language of the unconscious .
ﻳﺰﻋﻢ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺇﻛﺘﺸﺎﻓﻬﻢ ﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺑﻨﻴﺔ ﺗﺤﻞ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﺟﻮﻫﺮﺍً ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺴﺘﻮﺩﻉ ﻟﻠﻐﺮﺍﺋﺰ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻤﻞ ﻭﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﻤﻴﺰﺓ ﺍﻟﻜﻼﻡ . ﻓﻠﻠﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻛﻼﻣﻬﺎ . ﻭﺍﻷﺣﻼﻡ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﻻﻋﻴﺐ ﺭﻣﺰﻳﺔ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﻠﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻻﻳﺤﺘﺎﺝ ﻹﺫﻥ ﻣﻤﻨﻮﺡ ﻓﺄﻋﺮﺍﺿﻪ ﺗﺸﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻭﺗﺘﺤﺪﺙ ﻋﻨﻪ . ﻭﻫﻲ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﺩﻻﻟﺔ ﻣﻮﺻﻠﺔ ﻟﻤﺪﻟﻮﻝ ﺗﻢ ﺇﺧﻔﺎﺅﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ . ﻭﺍﻟﺠﻨﻮﻥ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻛﻼﻡ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻣﺎ – ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺗﺠﻦ – ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﺍﻹﻓﺼﺎﺡ ﻋﻦ ﻣﻜﻨﻮﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺃﻭ ﻳﻨﻄﻖ ﻋﻦ ﺫﺍﺕ ﺑﻼ ﺫﺍﺕ .
ﺇﻥ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﻫﻮ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﻧﺴﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻻﻻﺕ ﺍﻟﻤﻨﺒﻌﺜﺔ ﺃﺻﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻐﺔ ﺍﻵﺧﺮ . ﻭﺗﺼﻴﺮ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻧﺎﻃﻘﺔ ﺑﻀﻤﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻧﺘﺎﺟﺎً ﺻﻨﻊ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺃﻏﺮﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﺩﻻﻻﺕ ﺷﺘﻰ .
ﺇﻥ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺃﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺇﺫ ﻳﺘﺠﺬﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ . ﺇﻥ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮﻙ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺨﺰﻭﻥ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭﻱ .
ﻭﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻐﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺧﻼﺻﺘﻬﺎ ﻟﻐﺔ ﺍﻵﺧﺮ، ﻭﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﻻﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻫﻮ ﻟﻐﺔ ﻟﻶﺧﺮ .
ﺇﻥ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﺗﺘﺤﺪﺙ ﻭﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﻻ ﺗُﺤﺼﻰ ﻭﻻ ﺗُﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﺑﻜﻞ ﻋﻮﺍﻟﻤﻪ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﻻﻟﻴﺔ ﺍﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﺗﻼﻗﺢ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺇﺳﻘﺎﻃﺎﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺪﻥ .
ﺇﻥ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﻳﻘﻮﻡ ﺃﻭ ﻳﺆﺩﻱ ﺩﻭﺭﻩ ﺃﻭ ﻭﺍﺟﺒﻪ ﺑﻤﺜﻠﻤﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ . ﺇﻥ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﻻ ﻳﻤﺜﻞ ﺃﻭ ﻳﺸﻐﻞ ﺣﻴﺰﺍً ﻣﻌﻴﻨﺎً .
ﺇﻥ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﻂ ﻭﺗﻘﻮﻡ ﺑﻌﻤﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺗﻨﺸﻂ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﺎ ﻳﻨﺴﺎﻩ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺃﻭ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻜﺘﺎﺑﺘﻪ، ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻪ . ﻭﺗﻈﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﻋﺎﻟﻘﺔ ﻛﺄﺳﺮﺍﺭ ﻳﺼﻌﺐ ﻓﻚ ﺷﻔﺮﺗﻬﺎ ﻳﺤﺎﻛﻲ ﺳﺮﺩﺍً ﻗﺼﺼﻴﺎً ﺑﻮﻟﻴﺴﻴﺎً ﻣﻦ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﺃﺟﺎﺛﺎ ﻛﺮﺳﺘﻲ .
ﺇﻥ ﺭﻣﻮﺯ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﻤﺎً ﻫﺎﺋﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻣﺜﻞ ﺭﻣﻮﺯ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﻭﻳﺠﺎﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻓﻲ ﺃﺣﻴﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮﺓ .!
ﻭﺗﻈﻞ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﺼﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺒﻮﺡ ﺑﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻣﺘﻨﺎﺯﻋﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ، ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺼﺮﻋﻨﻲ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ :
ﺃﺑﻴﺖ ﺑﺄﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻲ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺃﺻﺎﺩﻱ ﺑﻬﺎ ﺳﺮﺑﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﺶ ﻗﺪ ﻧﺰﻋﺎ .
ﺁﻩ ﻳﺎ ﺑﻼﺩﻱ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻨﻲ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺴﻼﻡ !!