الناقد والروائي والقاص صلاح سر الختم

الناقد والروائي والقاص صلاح سر الختم - الكتابة رغبة غير قابلة للإشباع مطلقا - ما زال الشعر هو المهيمن علي الساحة الثقافية - أمير تاج السر أحد أهم كتاب الرواية العرب حاليا حوار – محمد نجيب محمد علي رغم أن الدكتور صلاح سر الختم ظل يعمل بالقضاء ووصل إلى قاض بمحكمة الإستئناف العليا إلا أن الكاتبة

الناقد والروائي والقاص صلاح سر الختم

الناقد والروائي والقاص صلاح سر الختم


- الكتابة رغبة غير قابلة للإشباع مطلقا

- ما زال الشعر هو المهيمن علي الساحة الثقافية

- أمير تاج السر أحد أهم كتاب الرواية العرب حاليا

حوار – محمد نجيب محمد علي

 


رغم أن الدكتور صلاح سر الختم ظل يعمل بالقضاء ووصل إلى قاض بمحكمة الإستئناف العليا  إلا أن الكاتبة في الرواية والقصة والنقد تشكل مشروعه الإنساني للحياة . بدأ بكتابة الشعر وإنتقل للسرد ،  يقول " بدأت الكتابة باكرا منذ الرابعة عشر من عمرى وصرت حكاءً متأثرا بقصص وحكاوي جدتاى  اللتان كانتا مجيدتان لفن السرد بشكل مدهش وممتع" صدرت له روايتان " الرمال يا فاطمة " و" عيون التماسيح " و" عروس النيل " ، وفي مجال النقد أصدر  " الينابيع السحرية ومسرات الخيال في اعمال أمير تاج السر"و" صهيل الأوراق سياحة في اعمال عيسي الحلو" و" فن الرسم بالكلمات) في فن القصة القصيرة جدا." إلتقيته  في حوار حول تجربته وقضايا الراهن الثقافي

-  لماذا تكتب ولماذا التعدد في أجناس الكتابة ؟
هذا سؤال صعب جدا ياطالما سألته لنفسي،  وتوقفت كثيرا عند الإجابة ، فكل مرة تكون هناك إجابة وكل مرة تبدو الإجابة مخاتلة وناقصة،أشعر كثيرا بالحاجة إلى الكتابة فأكتب مثل طفل صغير يعيد تشكيل الأشياء بقلمه ،أو بكوم من الرمال أو قطعة طين أو صلصال او حتى علبة ألوان وورق أبيض، الكتابة هى تعبير مكثف عن الرغبة في البوح والخشية منه فى آن واحد، هى تعبير مكثف عن رغبتنا في التواصل  وفي فهم العالم ، لكنها رغبة غير قابلة للإشباع مطلقاً. التعدد في أجناس الكتابة خيار نقدى للكاتب أكثر من أي شئ آخر، يستهوينى النقد كثيرا فأنا أدرك جيدا جوع الكاتب حين يكتب ويفرغ من الكتابة ويدفع بمنجزه السردى إلى قارئ مجهول ،الى ملامسة أثر ما كتبه على الآخرين، النقد هو المرآة العاكسة لرد الفعل ، للصدى، للتفاعل بين المتخيل وبين القارئ ،وكل قارئ ناقد وليس كل ناقد قارئ ولكل منتوج إبداعى،أحيانا أجد نفسي سابحا في بحر الرواية الصاخب  وهكذا،ليس الأمر خياراً كما يبدو ، بل هو حالة مسيطرة على المبدع.شخصيا اتنقل بين الأجناس كمن يتنقل في غرف بيته، في كل غرفة رائحة وذكرى خاصة وعبق خاص.

 

 

- أنت تكتب نقدا في الرواية ، وتقدم عملا تطبيقيا في الرواية كما حدث في روايتك " عيون التماسيح " هل كتبت الرواية من باب التطبيق النقدي أم لأنك أصلا مهتم بكتابة الرواية ؟!

لا ..بالتاكيد كتابة الرواية عمل مختلف عن التطبيق النقدى بالرغم  من أنها تتضمن بالضرورة تطبيقا نقديا واختيارات نقدية ، لكنها شئ مختلف تماما، عندما أكتب الرواية أستسلم تماما لعالمها، أحاول بقدر الإمكان ان أخلع ثوب الناقد وعقليته المسيطرة وأسلم قيادى للشخوص والوقائع وذلك الثراء اللامحدود الذى لايحتاج أجنحة للتحليق في سمائه ،أومعرفة بالسباحة والغوص للتنقل في بحاره، الروائي والشاعر طائران طليقان  بينما الناقد مثقل بكثير من القيود، يشبه الناقد طائرة والروائى والشاعر طائرين ولن أعدد الفوارق، هنا.صراحة إهتمامى بالنقد يرجع إلى تأثري كثيرا بتجربة القاص والمفكر والناقد السودانى جمال عبد لملك إبن خلدون والقاص والناقد عيسي الحلو ، كلاهما عانى من غياب النقد في الساحة الادبية في زمانهما، فانبريا ليمارسا النقد جنبا الى جنب مع كتابة القصة  ليكونا شمعتين تحترقا لاضاءة طريق المبدعين في مجال السرد، بالطبع كان ذلك خصما على منتوجهما القصصي والسردي ولكنهما قدما خدمات جليلة للأدب السودانى.

 


 
-  في رأيك لماذا إنحسرت كتابة الشعر الآن ؟

الشعر ذلك المصباح  المنير لا أظنه منحسراً، غياب أصوات  شعريةعظيمة مثل محمود درويش / امل دنقل/ نزار قبانى/ الفيتورى/ صلاح عبد الصبور/ البياتى/ بدر شاكر السياب وغيرهم كان مؤثرا جدا على سطوة الشعر وعلى تسيده الساحة الثقافية في خلال حقب ماضية منذ الستينات ، هذا اعطى انطباعا بتراجع سطوة الشعر ، ولكنه إنطباع مخادع، مازال الشعر هو المهيمن في تقديري  والدليل على ذلك الشعرية الطاغية في الرواية المعاصرة في نماذج كثيرة، هناك أصوات جديدة  جيدة كثيرة في أكثر من بلد عربي ولكن ماغاب هو المنابر الثقافية الكبيرة التى كانت تقدم الشعراء والشعر . الشعر حى يتنفس تحت الرماد ويلمع تحت التراب تبراً لايهزمه  غياب المنابر وقسوة الواقع السياسي والثقافي الراهن .الشعر لازال يمشي في الشوارع لكنه غريب الوجه وليس غريب اللسان.

 

 

6/ هنالك نقد حاد للرواية السودانية التي تكتب الآن وتشارك في المسابقات ؟
هو نقد انطباعى كسول ، لايتعدى الطنطنة في المنابر شفاهة، لكن المنتوج النقدى المكتوب الجاد قليل جدا ،ومعدوم وغير مواكب للمنتوج الإبداعى لكتاب الرواية في السودان ، يتحدثون سخرية عن انفجار روائي في إشارة إلى كثرة الروايات، لكنهم لا يتفضلون بقراءة رواية من تلك المتفجرات القابعة في الأرفف والأرصفة، ولايكتبون عن تلك المتفجرات سلبا أو إيجابا، للأسف في السودان لايتم الاحتفاء بكاتب إلا إذا تم الإحتفاء به خارجياً. هذا شئ محزن ، مع ذلك ليس الأمر بهذه القتامة ، المشاركة في المسابقات طالما بقيت مشاركة يقوم بها الكاتب فهى مشاركة غير قابلة لا للطعن فيها ولا للاحتفاء بها، ذلك أن المشكلة في ثقافة المسابقات وتنظيمها وليس في النصوص ، المسابقة الردئية تنتج نصوصا أردأ وفائزين شاحبين سرعان مايغيبوا في الزحام ،والعكس تماما بالنسبة للمسابقات المحكمة والرفيعة المستوى. وأردأ المسابقات هى التى تنظم على أساس تزكية المشارك لنصه ونفسه ، فمسابقات الأدب ليست معاينة لتعيين أديب أو قاص على عرش زائف.

-  ما رأيك في المنصات الروائية العربية ( كتارا ، جائزة نجيب محفوظ ، البوكر ، جائزتي الطيب صالح )؟
في تقديري حتى الآن أفضل هذه المنصات هى كتارا والبوكر جائزة كتارا للرواية العربية،. قدمت ا في دورتها الاولي (2015) خمسة أصوات روائية متميزة ،على راسهم أمير تاج السر برواية "366" والمصرى ابراهيم عبد المجيد برواية "اداجيو "ومنيرة سوار برواية" جارية "وناصرة السعدون برواية "دوامة الرحيل" وواسينى الاعرج برواية "مملكة الفراشة". وقدمت خمسة اصوات أخرى في فئة الروايات غير المنشورة.وفي الدورة الثانية قدمت الجائزة أصواتا أخرى. وأعتقد انها أضافه ثرة للمشهد الروائي العربي. وجائزة البوكر يتجلي إنجازها في الأصوات التى أبرزتها   سواء فائزين أو منافسين برغم أنها لاتزال غير قادرة على متابعة كل المنتوج الإبداعى  ولاتزال تشكو مما تشكو منه الجوائز الأدبية العربية. جائزتى الطيب صالح في تقديري لهما إيجابيات كثيرة أقلها هذا الحراك السنوي المستقر ممارسة ، ولكن لم تحقق أيا منهما الإضافة المطلوبة ولم تبرزا تقاليدا مقبولة للوسط الأدبي ،ولم تفتحا حوارا حول التجربتين وتقييمهما ، بل ظل الباب موصدا في وجه التطوير والتقييم.جائزة نجيب محفوظ تقدم وجها آخرا تظهر  فيه سيطرة الناشرين على الجائزة ، علما بان تزكية العمل وترشيحه من جهة خلاف الكاتب نفسه شئ محمود ولكن للناشر دوما أهداف أخري.

 

 

- أين الربيع العربي من الإنتفاضة الروائية التي تمثل تيارا متمردا شابا ؟
وأين هو هذا الربيع العربي المزعوم؟ في رواية الحفيدة الأميركية للعراقية انعام كجة ملامسة لهذا السؤال روائيا ،بشكل رائع ، تلك رواية تتحدث عن الهوية المتبدلة والهوية المستلبة في عالم يتهدم , تلك رواية تصف الربيع العربي كما هو في أرض الواقع لا الشعار.

- لماذا وقعت خياراتك النقدية للروائيين أمير تاج السر وعيسي الحلو لكتابة مؤلفين عنهما ؟

الحقيقة أن مشروعى النقدى هو مشروع يحاول تغطية معظم إن لم يكن  كل المنتوج الإبداعى السردي السودانى ، لكن اخترت البداية بالكتابة عن مشروعى أميرتاج السر وعيسي الحلو لاسباب كثيرة ، بالنسبة لعيسي الحلو من الصعب على كاتب أن يكتب عن فنون السرد في السودان دون أن يتحدث عن بصمة هذا المفكر  والكاتب الضخم الذي خرج من جبته كثير من كتاب القصة والنقاد،هى تجربة ممتدة اكثر من خمسين عاما كتب فيها الحلو القصة والرواية ومارس النقد والكتابة الصحفية الراتبة بلا انقطاع تاركا بصمة شخصية في كل المنتوج الإبداعى السردى خلال نصف قرن.ولم يجد الرجل حظه من الكتابة عن أدبه وعن دوره وعن تجربته الخلاقة ، فكان الإختيار  محاولة خجولة لمقاربة هذه التجربة, أمير تاج السر حكاية سودانية لجيل آخر جيل الثمانينات (نقصد أدبيا حيث كانت أول رواية له ( كرمكول) في نهاية الثمانينات) ثم واصل عقد أبداعه التدفق حتى بات على قمة كتاب الرواية في السودان من حيث الانتاج  وهو أنتاج نوعى متميز جعله يتربع على عرش الرواية ليس سودانيا فحسب بل هو واحد من أهم كتاب الرواية العرب حاليا، أمير تاج السر تجربة غنية وثرية وهو قصة أرادة إبداعية قوية شقت طريقها بسرعة الصاروخ نحو القمة. تجربة أمير تاج السر تستحق التوقف عندها. في الطريق كتابين عن تجربتى عبد العزيز بركة ساكن ومنصور الصويم  فهما صوتان مهمان في عالم السرد السودانى.

-  ماذا عن الرؤية الروائية لكل من الكاتبين أميرتاج السر  وعيسي الحلو  ؟

عيسي الحلو وأمير تاج السر يلتقيان في إهتمامهما المشترك بالعالم الداخلي للشخوص ،في علاقته مع العالم الخارجى والعسف المكثف الذي يمارسه عليهم ، الأبطال عندهما أشخاص عاديون لكن عوالمهم  الداخلية ثرية ثراء مدهشا وقدرتهم على التحمل لاحدود لها،الكاتب غير موجود، هو مختبئ بين السطور في مكان ما، لاتشعر بوجوده مطلقا، لكن السرد سرد محكم لا ترهل فيه ولا تفاصيل زائدة  وثمة روح ساخرة . أمير في بداياته كان السرد فيه شئ من الشاعرية لكنه سرعان ما خلص سرده من الشاعرية وإعتمد لغة روائية صارمة لاتهويم شعري فيها.عيسي الحلو بقي وفيا  لإتجاه وجودى واضح في رؤيته الروائية ومفرداته نفسها تأثرت بذلك.
-  ألا تعتقد ـأنهما إتجاهان متعارضان وعلي  هذا لماذا بني إختيارك لكل منهما ؟
ليس هناك تعارض ، لكن إختلاف المؤثرات على تجربة كل منهما والزمن الذي عاش فيه كل منهما هو الذي يوحى بوجود تعارض ،شخصيا يبدو لى أمير تاج السر في أعماله الروائية واقفا على بعد المسافة نفسها من الشخوص ، بينما يبدو الحلو متورطا عاطفيا على نحو ما مع شخوصه، لا أعرف ماذا يعنى ذلك، لكن هذا ما يبدو لى عند مقاربة نصوصهما.

 

 

-  هل كتابك عن القاصة الرائدة  فاطمة السنوسي بسبب ريادتها ، أم لإهتمامك الخاص بكتابة القصة القصيرة جدا إذ أنت أحد كتابها؟

فاطمة السنوسي رائدة من رواد القصة القصيرة جدا عربياً ،وهى رائدة هذا الجنس الأدبي الحديث في السودان منفردة في مطلع الثمانينات علما أن القصة القصيرة جدا يؤرخ لها بكتاب ناتالى ساروت في السبعينات الذي ترجم في السبعينات. إهتمامى بها جاء بسبب هذه الريادة وكونها لم تلق حظها من الكتابة عن نصوصها فكانت البداية بجمع تلك النصوص وهى مهمة إنبري لها المهتمين بالقصة القصيرة جدا في السودان، وكان لي نصيب في ذلك، ولا أدعى لنفسي سبقا ولا إنفرادا ، لكننى قمت  لأول مرة بمقاربة تلك النصوص نقديا وتحليلها بغرض التأكيد على أنها قصص قصيرة جدا ،وتثبيت ريادة فاطمة السنوسي  في هذا المجال ،وهذا الجهد نشرته الآن ضمن كتابي عن فن القصة القصيرة جدا. وهذا واجب النقاد في التعريف بالأدب السودانى ورموزه.

-  من هم الروائيين الذين يلفتون إنتباهك الان في الساحة علي المستوي السوداني والعربي ؟
: أمير تاج السر ومنصور الصويم عبد العزيز بركة ساكن  وحمور زيادة وليلي ابو العلاء  وآن الصافي. عربيا ابراهيم نصر الله , الكويتي سعود السنعوسي