السرد المتوحش في رواية نورس باشا لهاجر قويدري

السرد المتوحش في رواية نورس باشا لهاجر قويدري - محمد نجيب محمد علي ترسم هذه الرواية خطوط طول وعرض تاريخ ملحمي لحقبة مهمة في تاريخ الوطن العربي’

السرد المتوحش في رواية نورس باشا لهاجر قويدري

السرد المتوحش في رواية نورس باشا لهاجر قويدري

- محمد نجيب محمد علي

 

 

ترسم هذه الرواية خطوط طول وعرض تاريخ ملحمي لحقبة مهمة في تاريخ الوطن العربي’ امتدت زهاء خمسمئة عام’ ابتدأت بخطاب اعادة عصر الخلافة الراشدة وانتهت (بالتتريك) وبعدسة الصحفي والمصور البارع ’تفصل هاجر قويدري هذا التاريخ’ وتتكيء علي اريكة تاريخ اجتماعي غني بالتفاصيل’ ماكر’ وساخر’ وخبيث’ ويقول الفيلسوف الفرنسي( فولتير)( يبدو لي أنه لم ينظرالي التاريخ الا باعتباره عملية تجميع لتسلسل الأحداث فلم يكتب من موقع المواطنة ولا من موقع العادات والتقاليد والخرافات’ ففي كل ما قرأت لم أجد سوي تاريخ الملوك’ وأنا كلي رغبة لقراءة تاريخ الناس كل الناس)

موقع الخرافة وداء السحر
 
تستخدم قويدري ’أدوات صغيرة تعمل كمفاتيح سرد لجذب القاريء الي اهمية (الحدث- السرد) والمفتاح الأول لتفكيك الرواية- الوثيقة ’هو اجبار(الأم) لبطلة الحكاية (الضاوية) الذهاب معها الي الأراضي الزراعية وأستخدامها قسوة (مستعجل) من أجل دفن دم حيض (الضاوية) في سبعة حفر كي لا تنجب ثانية فقد تعدد أزواجها بعد وفاة زوجها الاول والأسطورة تعود الي لغة الارقام بعدد( الحفر) وأختيار حدا يفصل بين مساحة زراعية وأخري’ وحتي يضيع (الأثر- السحر)
وصراخ الأم( هيا أسرعي أمامنا ست حفر ) يتسق مع قهر (الضاوية) وايمانها بأن ما قامت به الأم سيتحقق (أدرك جيدا أن ما قامت به أمي فعل مشين وأنني سأدفع ثمنه لاحقا))
استلهام الأسطورة- الخرافة في مفتتح الرواية تعطي مؤشر دالا علي عمق المأساة في بناء الرواية’ وان العام( 1800م) يمثل بداية التضعضع وغياب العقل بفعل سيطرة الخرافة وارتباط التاريخ الشخصي للراوية (الضاوية) بالتاريخ الرسمي للامبراطورية العثمانية وهو عام سبقته باعوام قوات (نابليون) بالوصول الي مصر وتوجيه أول رسالة استعمارية مباشرة للحكم العثماني  وهذا تاريخ تحف به العواصف والأنواء وتحط علي رمال صفحته الأيام تذكارا مأساويا ويطل علي شارع تاريخه الضيق هذا بداية الأنفصال بين المركز (الأمبراطورية العثمانية) والهامش (العالم العربي)  وتتشابك خيوط السرد في( نورس باشا) مع منعرجات التاريخ المأساوي الشخصي لبقية شخوص الرواية (الباشا) الزوج مات بالطاعون  (ابراهيم ابن الضاوية) مات بالسقوط من حصان  (العقونة) ابنة الخالة تعرضت للاغتصاب وأنجبت سفاحا (ابراهيم الجديد) كوتنيوس  (عثمان )الخادم المالطي تم أسره وبيعه واغتصابه وفارق الرجولة الي الأبد وتحول الي( عبد مخصي) لم يفارقه حلم العودة وظل معه في صحوه وغيبوبته ولم يجد حيلة سوي سرقة سيدته (الضاوية) التي استأمنته علي بيتها ونفسها وكانت تقاسمه الغرفة عند شرابهم (الخمر) معا ومع اكتشافها السرقة ولحاقها بالسفينة المتجهة الي مالطا وتعرفها عليه بواسطة (آمر الأمن) ولكنها تتعاطف معه وتتركه يذهب لوطن لم يفارقه لحظة رغم عودته اليه محطما فاقدا للرجولة
وتتجلي حميمية وشاعرية سرد (قويدري) وهي تراه متخفيا وتتنازعها المشاعر بين مالها المنهوب وشوق (كوتنيوس) لوطنه فتنتصر لانسانيتها وتتركه يذهب بمالها وهي التي لا تملك غيره وتكمن أهمية هذا السرد التاريخي المفجع والمأساوي في تدوينه لحياة مهمش فاقد للرجولة  جراء ما تعرض له من اختطاف واغتصاب ومع ذلك يحلم بالوطن ويتحقق حلمه

سرد متوحش
 
يقول الروائي ابراهيم اسحق في تقديمه للرواية ولابد من كلمة عن عنوان الرواية وهو (نورس باشا) الذي يحمل مجازا ثرا فالراوية البطلة تمنت ان تكون (نورسا )يحلق في الأعالي هربا من عالمها المأساوي أما (باشا) فأنها تحيل القاريء الي عالم (الباشوات) الذي ارتبطت به البطلة حيث تزوجت مرتين من (باشا) في المرة الأولي ومن (باشكاتب) في المرة الثانية وهكذا ارتبطت الراوية بالسلطة والقوة ولكن الراوية لا تريد أن تكون جزءا من القهر بل تريد ان تهرب وتحلق بجناحي (نورس) في الافاق بعيدا
بكاء (الضاوية) الراوية المكتوم وأمها تأمرها بحفر سبعة حفر حتي لا تنجب ثانية يتحول الي مأساة وهي تحاول فك السحر بعد زواجها من الباشكاتب الحنون والمحب لها والباحث عن الذرية وتتداخل خيوط التاريخ والأقدار ترسم (للضاوية) الذهاب الي يهودية تقيم في (الدزارية) كي تفك سحرها وهذه اليهودية تعرضت للاضطهاد عقب سقوط الأندلس وهي التي أهلها في كنف المسلمين وأخرجت بغياب شمسهم في الأندلس وأيضا لم تجد ملاذا امنا سوي ارض( الجزائر) وبحماية الدولة العثمانية ونبوءة اليهودية للبطلة بأن لا ذرية لها من (الباشكاتب) وأن ابن من غير صلبها هو من سيرعاها ( هناك صبي ليس من صلبك هو من سيرعاك وهو من سيدفنك) وخروج ابن سفاح (العقونة) وغموض مصير (الباشكاتب)( اخبرني بأنه سيتأخر لكن ليس بهذا الشكل) هذا الغموض والمصير المأساوي (للباشكاتب) بعدم معرفته حيا او ميتا يعتبر اشارة الي أمل بعيد بالخلاص من المأساة وان اتكأت (قويدري) علي الأسطورة والخرافة الا انها تنظر الي المستقبل بعيتي الخوف والترقب. الجدير بالذكر أن رواية نورس باشا سبق أن فازت في مسابقة الطيب صالح العالمية للرواية