الروائية السودانية شامة ميرغني 

الروائية السودانية شامة ميرغني  - المرأة الساردة أكثر تعبيرا عن واقعها  - عندما أكتب لا أغضب  حوار _ محمد نجيب محمد علي  شامة ميرغني صوت نسائي سردي سوداني ، ظهرت في الساحة في السنوات الأخيرة ، تميزت بالنضج والوضوح في كتاباتها ، كما يعدها النقاد واحدة من أبرز الكاتبات السودانيات في الساحة حاليا ، وقد سبق لها الفوز بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي التي يرعاها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي

الروائية السودانية شامة ميرغني 

الروائية السودانية شامة ميرغني 

- المرأة الساردة أكثر تعبيرا عن واقعها 


- عندما أكتب لا أغضب 

حوار _ محمد نجيب محمد علي 

 

 

 

 

شامة ميرغني صوت نسائي سردي سوداني ، ظهرت في الساحة في السنوات الأخيرة ، تميزت بالنضج والوضوح في كتاباتها ، كما يعدها النقاد واحدة من أبرز الكاتبات السودانيات في الساحة حاليا ، وقد سبق لها الفوز بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي التي يرعاها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي عن روايتها " زمن الموانع " وقد تناول سودانيون وعرب أعمالها بالقراءة وأبانوا جماليات السرد والحكي في كتاباتها ، وتميزت بالكتابة الواقعية والواقعية السحرية وقد أصدرت مجموعة من الروايات " حجر الدم " و" الملاك الضرير " .إلتقيتها وكان هذا الحوار 

 

 

 

 

- يختلف تعريف الكتابة بين كاتب وآخر ، ما الكتابة ؟ 

الكتابة إبحار في الماضي والحاضر وإستشراف المستقبل . الكتابة عندي عنوان الإنسان للآخر . بهذه الكتابة عرفتك وعرفتني وعرفني القاريء ، وبهذه الكتابة أستطيع أن ألون العالم كما أراه لا كما يراه الآخرون ، والكتابة رئة أستنشق بها عبير الفرح ، وأداوي بها جراحاتي وبها أطرد الغضب . أنا لا أغضب عندما أكتب . 

- فازت روايتك " زمن الموانع " بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي التي ينظمها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي ، وتعلقت هذه الرواية بمشكلة الجنوب قبل إنفصاله ، هل ساهمت الكتابة برؤيتها في فهم الأزمة ؟ 

" زمن الموانع " كانت حلما بترجيح الوحدة ، وكان سردها يقينا ثابتا بأن لا إختلاف بين الجنوب والشمال ، وأن الأزمة أزمة مرتبطة بعدم معرفة الآخر وثقافاته لكلا الطرفين مما ساهم في فجوة غريقة ، هذه الفجوة إرتبطت بعوامل سياسية تجنت علي كل الفئات ، لا أحب الحديث في السياسة إلا أن أزمة الجنوب وبمعرفتي بجغرافية الجنوب الذي عشت فيه فترة من حياتي مع أسرتي ، جعلتني أري أن هذا الإنسان الجنوبي الطيب يحتاج فقط للتواصل معه ، ومعرفته ، وإحترام خصوصيته ، إلا أننا كلنا كنا في زمن موانع وحواجز ، وكنت أتمني بكتابة " زمن الموانع " أن يحقق السرد وقراءة الواقع الثقافي والإجتماعي وحكاوي مجتمع الجنوب ، أن يساهم كل ذلك في ترسيخ مفهوم الوحدة . 

 

 

 

 

- لماذا كان الفشل ؟ 

لا أسميه فشلا ، بل أسميه إنحدارا كاملا عن الجغرافيا والأمكنة والأزمنة وما يجمع بين أهل الجنوب والشمال ، كان علينا أن ننتصر للسودان وأن لا يجنح أهل الجنوب وأهل الشمال لخيار الإنفصال ، ولكن الإنفصال السياسي لا يعني أن العلاقة الإجتماعية والثقافية بين الشمال والجنوب ستنقطع 

- هل إستطالعت الكتابة الأنثوية التعبير عن مكنونات الأنثي ؟ 

ربما إستطاعت أن تعبر في عصرنا هذا بانفتاحه وتكنلوجيته وقريته الواحدة عن ذات المرأة مما أتيح لها داخل المجتمعات بأن تقرأ وتتعلم وتدخل الجامعات وتتخصص تماما مثل شقيقها الرجل ، وهذه زاوية نظر يجب أن نصطحبها في العلاقة بين الرجل والمرأة في النظر إلي تطور المجتمعات ، وأن تطور مسألة الرجل قد ساهمت في تبوء المرأة جزء من ما تستحق ، وهذا لا يعني أن المرأة قد إكتملت حاجاتها ، فهي مازالت تعاني في بعض المناطق في عالمنا العربي وفي السودان بالنظر إلي المرأة في العمل والكتابة وقيادة كثير من الإدارات . لقد حاولت أن أقرأ واقع المرأة فإذا قلت أنني أكتب بواقعية عن واقع معاش فإن ما بهذه الروايات من خيال يتوازي مع الواقع ، ويجعله جزءا من منظومة متكاملة ثقافية وإجتماعية تحتاج فيها المرأة أن تعبر عن نفسها دون وصاية .

 

 

 

 

- يقال أن الذات الساردة الأنثوية الأقدر تعبيرا عن المرأة ؟ 

لا أحب مثل هذه التصنيفات ، إلا أن المرأة تخلت كثيرا عن موقعها في التعبير عن نفسها وكان الرجل كثيرا ما يعبر عنها دون أن يفهمها . أعتقد بمثل ما الرجل متيقن بأنه الأكثر تعبيرا عن نفسه كذلك المرأة هي الأكثر تعبيرا عن نفسها ، والأكثر تماسكا في سرد حكاويها ، ولا تنسي أن الهدهدة الأولي للطفل من أمه وهي إمرأة ساردة ومغنية لهذا الطفل . 

- في كتاباتك هنالك إهتمام بشيء من الواقعية السحرية ، كيف يمزج الكاتب بين الواقع والأساطير ؟ 

الأساطير خيال إمتزج بالواقع في حقب معينة ، ووتناولها الناس بشيء من الإضافات ، والرواية مزج بين الواقع والخيال ، وقد يكون الواقع أغرب من الخيال ، وفي السودان واقعية سحرية ولا أقول ذلك من باب الإضافة لما نراه في العالم وظهر في كتابات امريكا اللاتينية , ما ينقصنا هو الجرأة ، هنالك في امريكا اللاتينية وفي آدابها مع الواقعية السحرية ليست لهم قيود أخلاقية أو غيرها ، ولكنمجتمعاتنا المحافظة لا تزال في كثير من الأشياء لا تتوافق معها ، نجد ألا تسامح . أنظر إلي ما وجدته في بداياتها موسم الهجرة إلي الشمال ، الآن الأجيال الصاعدة في الكتابة في السودان أراها الأكثر خروجا عن المألوف . 

- ماقلته عن الأجيال الصاعدة يجعلنا نسأل عن المسكوت عنه في الكتابة ؟ 

أنا لاأحب الكتابة المكشوفة عن الغرف المغلقة ، وإبرازها بأنها هي المعبر عن المجتمع وعلاقة الرجل بالمرأة . أنظر لهذه العلاقة الخاصة نظرة أكثر موضوعية ، ولكن التوظيف الفني الذي لا يرتبط بخدش الحياة أنا معه ، وخصوصا أن هنالك كثير من المشكلات الإجتماعية يجب التعبير عنها ، والقول فيها سردا لأنها لا تتوافق مع الحياة الحديثة مثل ختان الإناث والذي عالجته في إحدي رواياتي وتقبله البعض ولم يتقبله آخرون .

- لقد عشت   سنوات طويلة  خارج السودان كأستاذة في المملكة العربية السعودية . ماذا عن تجربة الهجرة وتأثيرها علي الكاتب ؟ 
الإغتراب ولد بداخلي حنين للوطن ، فكانت الكتابة نوعا من أنواع التواصل الوجداني ، ولم تختلف تجربتي عن كثير من الروائيات السودانيات اللائي يكتبن خارج حدود السودان . الجغرافيا حاضرة في العقل والوجدان ، وإنسان السودان حاضر . قد أكون وجدت وقتا أكبر للكتابة والإضطلاع ، وأنت تعلم أن المجتمع السوداني المنفتح بعاداته الإجتماعية الجميلة يأخذ كثيرا من وقت الإنسان إلا أن الغربة تعطيك هذا الوقت كفائض للتعامل معه في القراءة والكتابة والتأمل . 

- الروائي السوداني الكبيرعيسي الحلو يري أن الكاتب في السودان والعالم العربي يولد صدفة ؟ 

هذه الصدفة لا تعني بأي حال من الأحوال أن هذا الكاتب ليس له الإستعداد الفطري للكتابة ، فأنا ولدت صدفة ووجدت وقتا كافيا للتعبير عن نفسي ، فكتبت شعرا وقصة وشاركت في كثير من الدورات إلا أن مشاركتي في مستلقة الطيب صالح للإبداع الروائي التي ينظمها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي كانت الإختبار الأول لإمكانية أن أصبح كاتبة، كما كان الفوز دافعا لأن أستمر في هذه الكتابة . لا أود أن أقلل من صدقية مقولة أستاذنا الكبير عيسي الحلو أنا أؤمن بأن الصدفة خير من ألف ميعاد . 

- كيف نظر النقد إلي أعمالك الأدبية ؟ 

أعتقد أن نظرته كانت منصفة ، فالذين تحدثوا عن بعض الخلل في روايتي الأولي ساهم ذلك في معالجتي لهذه الإختلالات ، وأنا لا أري بأن ما أكتبه هو الكمال ، ولكنه تعبير أمثل عن ما أحسه وعن نظرتي للحياة والمجتمع . تختلف الأزمنة والأمكنة والرؤية إلا أن سؤال النقد هو الأساس في تطوير الكاتب ومن يرفض النقد يرفض التطور ويرفض أن يجد موقعه في دنيا الكتابة . 

- هل نحن نعيش زمن الإنفجار الروائي ؟ 

أول ما سمعت هذه المقولة كانت في مؤتمر عن الرواية وقال بها الأستاذ الناقد مجذوب عيدروس . أري أن هذا الإنفجار مرتبط بالتعقيدات الكبيرة التي يعيشها المجتمع ، أصبحنا أكثر دقة في الحديث عن الجزيئات الصغيرة كي يفهم الناس هذه الحياة المعقدة المرتبكة والمربكة لذلك أري بأن مقولة الإنفجار الروائي حقيقة ، قد يكون الشعر تنازل عن موقعه عمدا لإختبار السراد ،إلا أنني أتوقع أن الرواية بما فيها من تداخلات للقصة والشعر والتشكيل والموسيقي ستكون هي الأقدر في الفترة القادمة أن تسود وتقود كل الفنون . 

-هذا يقود إلي سؤال هل استطاعت  الرواية أن تعبر حقيقة عن كل الفنون ؟ 

الرواية تتميز بأنها تحمل بداخلها كل عناصر الأدب ، وتتيح للكاتب تصوير كل شخصياته دون تقييد بقافية أو وزن وهنا سلطانة النثر ، الرواية مرآة العصر ، والرواية العربية تعكس ما يدور في هذا العصر من إشكالات وتقلبات سلبا وإيجابا ، والأحداث المتسارعة والمتلاحقة وسرعة إيقاع الزمن وكثرة ما يمكن سرده . 

-تدور كتاباتك عن ذات البئة التي كتب عنها الطيب صالح والآن علي الرفاعي ؟ 

الإنسان إبن بيئته ، وكاتبنا العالمي الطيب صالح هو القدوة والمثال لكل الكتاب في كل المعمورة ، كما أنني مهتمة جدا بتجربة الأستاذ علي الرفاعي . قد يكون للبيئة صوتها الداخلي للإنسان ولكن يختلف الشكل والمضمون من كاتب وآخر ، وأنا أري أنني من هذه البيئة وهي بيئة غنية ثقافية وإجتماعية وفيها كثير من الحكي والأساطير الحية ، لذلك تجدني رغم تنقلي في كثير من البيئات جنوبا ووسطا في السودان والآن في مهجري تجدني أنحاز لهذه البيئة . 

- شهدت الرواية الخليجية النسوية تطورا كبيرا تعبيرا عن هذه المجتمعات وتطورها ، وأنت عشت  في الخليج . كيف تنظرين إلي الكتابة الأنثوية الخليجية ؟ 

بلا شك السرد الأنثوي الخليجي شهد تطورا مذهلا في العقدين الأخيرين ، وظهرت أسماء نسائية تبوأت مكانا كبيرا جدا عند القراء علي مستوي الوطن العربي ، وأسماء لا معة أقرأ لها ومعجبة بكتاباتها منها رجاء عالم وبدرية البشر وأميمة الخميس ، وأعتقد أن هناك أصوات أخري في الساحة قد لا أكون مضطلعة عليها إلا أن لها بصمتها الواضحة وفي السنوات القادمة كل ما تطورت هذه المجتمعات وانفتحت علي الثقافات قإنها ستزداد رسوخا في الكتابة .