الأستاذ الدكتور سعيد يقطين في حوار الفكر والثقافة

الأستاذ الدكتور سعيد يقطين في حوار الفكر والثقافة (*)إزدواج الهويات في الوطن العربي يمكن معالجته بالهوية السردية (*)كلما إرتقي وعينا السردي إرتقينا إلي فهم ذواتنا في علاقتها بالذوات الأخري (*)الصراع العربي الإسرائيلي ، هو العنصر الأساسي في معضلة الوجود العربي الحديث بعد الإستعمار حوار محمد نجيب محمد علي - عامر محمد أحمد

الأستاذ الدكتور سعيد يقطين في حوار الفكر والثقافة

الأستاذ الدكتور سعيد يقطين في حوار الفكر والثقافة  

(*)إزدواج الهويات في الوطن العربي يمكن معالجته بالهوية السردية
(*)كلما إرتقي وعينا السردي إرتقينا إلي فهم ذواتنا في علاقتها بالذوات الأخري
(*)الصراع العربي الإسرائيلي ، هو العنصر الأساسي في معضلة الوجود العربي الحديث بعد الإستعمار
حوار محمد نجيب محمد علي - عامر محمد أحمد

 

يعتبر الأستاذ الدكتور سعيد يقطين أحد أبرز المفكرين العرب الذين سكبوا عصارة جهدهم من أجل قراءة تستوعب الحاضر والماضي وتستشرق المستقبل سرديا ، بإعتبار أن الهوية الإنسانية ترتبط بالقول لترتقي إلي مراقي أعلي إنسانيا . إلتقيناه إبان  فعاليات جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي محكما ومقدما لورقة علمية بعنوان ( الأنا ، الآخر ،السرد ) من أجل سرديات للهوية ،وحاورناه  وكان لافتا للنظر معالجته لقضية الهوية بشكل إستثار إنتباه جمهور المثقفين .. وهو  في كتاباته الأخري عرف  بتحليله الذكي والعميق للنصوص الروائية العربية ، خاصة تلك التي إعتمدت علي التراث العربي وتحليل الخطاب السردي .

 

 

 

(*) ذكرت يا دكتور أنك بصدد مشروع كتاب عن الطيب صالح ، هل من قراءة مختلفة ؟
(_) نعم ، هو هذا الكتاب جاء وليد طرح مسألة الهوية أنا والآخر في السرد العربي والإفريقي ،وظهر من خلال البحث في هذا الموضوع ،ومحاولة التفكير فيه ،وإتخاذ موسم الهجرة إلي الشمال نموذجا لذلك ،ظهر لي أن هذا الموضوع يمكن أن يقدم لنا قراءة جديدة لرواية الطيب صالح من جهة ،ومن جهة ثانية هذه القراءة الجديدة نحاول فيها طرح مسألة الأنا والآخر برؤية مختلفة عن الطريقة التي إشتغل بها الدارسون العرب في معالجتهم لمسألة الهوية والإختلاف والآخر وما شاكل ذلك من القضايا

(*) في ورقتك التي قدمتها تحدثت عن سرديات جديدة للهوية من خلال الأنا والآخر .. ماذا تعني؟

(_) عندما نعود إلي مختلف كتابات العربية سنجد أنها تتعامل مع الهوية من زاوية المحتوي ، أو من زاوية المضمون ، وتقدم لنا طريقة نمطية في التمييز بين الأنا وبين الآخر ، وهذا الوجه هوفقط مظهر بسيط من المظاهر التي يمكن أن تتخذها الأنا مع الآخر في السرد ، هذا ما عملت علي تقديمه بتمييزي بين الهوية الشخصية وبين الهوية السردية ، الهوية الشخصية بإنتمائها إلي فضاء ما ، بإنتمائها إلي ثقافة ما ،عندما تشتغل سرديا فهي ستوظف الآليات التي يقدمها لنا العمل السردي كيفما كان جنسه وكيفما كان نوعه وكيفما كان فضاء إنتمائه ، ، لذلك كل الذين يسردون عن ذواتهم سواء كانت هذه الذات فرضية أو جماعية فهم يسردون من منظور ما ، هذا المنظور هو الذي يتحقق بواسطة اللغة وبتحققه بواسطة اللغة يبين لنا عندما نقوم بتحليل جديد لهذه العلاقة بين الأنا واللغة ، بين الأنا والسرد أننا سننظر إلي ذات مختلفة عن الذات التي ظل الكاتب العربي يتعامل معها وهو ينظر لها فقط كتيمة فيها أنا عربية لها هوية والآخر الغربي له هوية أخري مختلفة ، وبذلك تضيع السردية الخصوصية التي نعول عليها كثيرا في تقديم هذه الهوية وفعلها

(*) الوطن العربي يعاني من إزدواج في الهويات كيف يمكن معالجة ذلك  ؟

(_) هذا هو المشكل الذي أسعي لمعالجته من خلال ما أسميته بالهوية السردية ، لأنه سيظهر لنا أن التمسك بهوية ما ، هو ينبع من قلق وجودي ما ، وغالبا ما يتخذ هذا القلق الوجودي بعدا سياسيا ، ولكن عندما نحاول تحليل هذه الهوية ونتخذ هذا البعد سنري أنها في الحقيقة تخلق هوية مفتعلة ، صحيح مبرراتها موجودة ولكنها موجودة لدي كل الأطراف أي لدي الأنا والآخر وهما يتبادلان المواقع ، فعندما لا يكون هناك سمو للإرتقاء بالأنا إلي المستوي الأعلي سيظل دائما الأنا ينظر إلي نفسه أنه متفوق علي الآخر أو أن الآخر هو دون الأنا الآخر

(*)ما يحدث الآن في العالم العربي من ثورات وتحولات ألا تري أنه يمكن أن يأتي بسرد جديد ؟

(_) إذا تم الإرتقاء بالوعي بالذات إلي مستوي أعلي يمكن هذا  أن يؤدي إلي سرد جديد ، ولكن عندما تظل الرؤية السائدة للهوية هي القائمة العكس سأري أن هذا السرد سيكرس للتفريق بين الذوات وليس التقريب بينها ، ولذلك في رأيي كلما إرتقي وعينا السردي إرتقينا إلي فهم ذواتنا في علاقتها بالذوات الأخري

(*) لك دراسة حول الرواية والتراث تناولت فيها الغيطاني وواسيني وأمين معلوف ، إلي أي مدي إستفاد الروائيين العرب من التراث ؟

(_) الرواية العربية بعد هزيمة 67 حاولت فعلا أن تبدأ في طائلة التراث العربي ، لماذا ؟ ، لأن جزءا كبيرا جدا من هذا التراث يحضر فيه الجانب السردي ، ولا شك أن الكاتب الروائي عندما يفكر في الكتابة يكون عنده مخزون سردي ، وجزء أساسي من هذا المخزون السردي يرتبط بالثقافة الشعبية .. بالمرويات الحكائية التي تلقاها من الأم ، والتي تلقاها من الساحة العمومية وكل ذلك دفعه وهو واع بعمله السردي الرجوع إلي المتون القديمة ،وبالتالي حاول من خلالها أن يتفاعل مع السرد العربي القديم ليقدم لنا تجربة روائية متميزة ،وفي كتابي( الرواية والتراث ) حاولت أن أعالج هذه العلاقة من خلال إتخاذ الروائي لنص سردي عربي قديم ومحاولته تقديم نص روائي جديد باستثمار ذلك النص وإعادة كتابنه أو كتابة نص جديد مستثمرا النص السردي العربي القديم

(*) مفهوم الهوية الآن يبدو أكثر تعقيدا مما كان عليه في عصر النهضة ؟
(_) في العصر الذي أسميته بعصر النهضة كان هنالك طموح آخر ، ما هو هذا الطموح ؟ طموح تشكيل الدولة الوطنية أو الدولة القومية أو الدولة الإسلامية التي تتسع لمختلف الحساسيات لمختلف الأطياف ، لكن هذا المشروع لم يتحقق ، الآن فشل هذا المشروع والتطور الذي عرفه الصراع العربي الإسرائيلي ، والذي أعتبره العنصر الأساسي في معضلة الوجود العربي الحديث بعد الإستعمار ، لأنه فعلا تسمية تصفية الإستعمار ، ولكن القضية الفلسطينية بتبعاتها جعلت كل الدول العربية بشكل أو بآخر أنها لا تزال في مرحلة الحصول علي الأستقلال أو الوحدة التي هي دائما مشروعا ،وبالتالي عدم تحقق هذا المشروع صار يتخذ زريعة لحرمان المواطن العربي من حقوقه الوجودية والسياسية واللغوية ، والثقافية ، هذا التغليب أدي مع تطوره إلي أن هذا الموضوع غير قابل للإنجاز، ولكن القضية التي بقينا نؤجلها هي من نحن ؟ الأشياء البسيطة للمواطن العربي لم تتحقق   وهذا أدي إلي ظهور مشاريع جديدة
(*) وكيف تري الحل ؟
() علينا أن نحقق هويتنا الخاصة من أجل _ علي الأقل تصير لنا شروط  وجودية مختلفة غير الشروط التي هيمنت علي الدولة الوطنية أو الدولة القومية
(*) وكيف يمكن إعادة صوغ مشكلة الهوية العربية من خلال السرد ؟
(_) هي قضية ينبغي أن تربط بالوعي السردي الذي يملكه الكاتب ، معني ذلك أن ينظر السارد إلي هذا المجتمع بتنوعه وإختلافه وسيجد أن معاناة المواطن في الوطن العربي ، في أي قطر عربي هي مشكلة حصوله علي أن يكون مواطنا بغض النظر عن عرقه أو لغته وهذا هو المشكل الذي لن يتحقق داخل الدولة العربية كيف ما كان نوعها

 

 

 


(*) هل تري أن الذات الجماعية هي البديل الأمثل ؟
(_) هذه الذات الجماعية ما الذي يجمعها ،سابقا كان الإعتماد علي الأيدلوجيا ، هذه الأيدلوجيا أيا كان نوعها ، قد تكون قومية ، قد تكون دينية ،قد تكون عرقية ، ولكن هذه الأيدلوجيا عندما لا تحقق للمواطن أنسانيته لا يكون أمامه إلا أن يتبرأمنها ،بذلك مقولة الوطن للجميع هذه هي التي يمكن أن تحدد هذه الهوية الجماعية ومعناها أننا متساوون كأفراد في خدمة القضية التي تهمنا جميعا ،وأن نعيش في وطن كريم ، هذه أعتبرها الوطنية التي يمكن أن تمثل الوطن الجمعي نسبة لتحقيق الأنا الجماعي الخاص المبني علي الدين أو المبني علي العرق أو اللغة سيكون أيدلوجيا عامة ، ولكن عندما تتأسس الدولة سيظهر التمايز وسيعود السؤال من جديد عن الأنا داخل هذه التركيبة التي تتحد فيها هويتي ، وسيطرح المواطن السؤال مرة ثانية بأنه داخل أي مجتمع داخل أي دولة لابد أن يحصل التمايز بين أطرافها ، تتحدد العلاقات بين الأفراد علي مواثيق متساوية تضمن للجميع حقوقهم

(*) وكيف الوصول للمواطنة يا دكتور ؟
(_) عندما يأخذ مثلا الكاتب شخصيات تنتمي للعالم السفلي فقراء مهمشون ذكورا وإناثا ويتحدث لنا عن حياتهم اليومية ، فإننا هنا سنبحث عن المواطن كيف تتحقق حياته في المحيط الذي يعيش فيه ،وسنلاحظ أن المعاناة مشتركة بين الناس ،أيا كانت أصولهم التاريخية أو الإثنية .. لماذا ؟ لأن وسط الحياة اليومية ستظهر لنا الحياة الحقيقية أو الأنا الحقيقية أو الهوية الحقيقية ودرجة تحقق هذه الأنا داخل المجتمع لذلك فالرواية أو الهوية السردية هي التي يمكن أن تتجسد من خلالها الهوية الحقيقية للأفراد والجماعات

(*) نلاحظ إستغلاب المناهج الغربية في تحليل الخطاب الروائي لدي سعيد يقطين ؟
(_) أنا لا أري أن هناك أن نتحدث عن ما هو غربي وما هو غير غربي ، لأن المناهج حين تتصل بالعلوم ،فهذه العلوم تصبح قابلة لأن نوظفها علي أي ظاهرة كيفما كان نوعها ،والأدب العربي بإعتباره تعبيرا يتم بواسطة لغة هو قابل لأن نستثمر فيه هذه الإنجازات المنهجية المتطورة ، لأنه لا يمكننا أن نقول أن بعض المناهج تصلح لتحليل نصوص ما في حين أن مناهج أخري تصلح لنصوص مختلفة . النص العربي يمكن أن نشتغل فيه بمناهج تبلورت في الغرب ،ولكن نحن لا نأخذ هذه المناهج كما هي بل إننا نحاول أن نتمثلها ونستوعبها جيدا ونشتغل بها علي النص العربي
 
(*) كيف تنظر إلي ما أثير من جدل في مهرجان الطيب صالح حول تقدم الرواية وتراجع الشعر ،أعني ماذا عن جدلية الشعر والرواية ؟
(_) أنا أعتبر هذه المسألة مسألة داخلة في إطار نظرية الأجناس الأدبية ،والأجناس قابلة للتطور ، قابلة للتراجع بحسب الدور الذي يمكن أن تقوم به داخل المجتمع ، والشعر عندما كان يقال أنه ديوان العرب فكان ذلك يتم في إطار مجتمع يعتمد علي الوسيط الشفاهي ، وهذا لا يعني أن الإنسان في المرحلة الشفاهية لم يكن يمارس السرد ، ولكن ظهور أنواع سردية قابلة لفرض ظهورها سيتم مع ظهور طباعة ، لذلك فالمسألة في حد ذاتها مسألة تبادل المواقع بين الأجناس بحسب الدور الذي تقوم به داخل المجتمع

(*) أخيرا يادكتور ماهو تقييمك لفعاليات جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي ؟

(_) تقييمي لها إيجابي ،أري أولا أنها تقليد سنوي ونحن في حاجة إلي تقاليد ثقافية ، وأن الموضوعات التي تطرح فيها مهمة ،بالإضافةإلي الجائزة وهي نوع من المكا فأة بالنسبة للمبدع ونوع من التشجيع له ، لذلك فأنا أعتبر أن هذه تظاهرة مهمة جدا ، والآن بدأت تكتسب قيمتها علي ا لمستوي العربي والإفريقي وخير دليل علي ذلك هو تنافس كتاب من أقطار كثيرة ومختلفة