هل الموت قنطرة عبور؟؟
هل الموت قنطرة عبور؟؟ سونيا الفرجاني.. تونس جلست وحدي بعد انتهائي من الكتاب الأول "المائت"، كان لابد أن أجلس وحدي. رسمت حائطا، لا أعرف لماذا فعلت هذا ولماذا كان الجدار سميكا بحيث كنت أضغط على القلم مرات متتالية ليصير داكنا وأكثر كثاف.قلّما رسمت، فأنا لا أجيد هذا الفن العسير ولا أحسن استعمال أدواته الرقيقة. الريشة لا تتحرك بخفّة بين أناملي ولا قلم الرصاص.
هل الموت قنطرة عبور؟؟
سونيا الفرجاني.. تونس
جلست وحدي بعد انتهائي من الكتاب الأول "المائت"، كان لابد أن أجلس وحدي.
رسمت حائطا،
لا أعرف لماذا فعلت هذا ولماذا كان الجدار سميكا بحيث كنت أضغط على القلم مرات متتالية ليصير داكنا وأكثر كثاف.قلّما رسمت، فأنا لا أجيد هذا الفن العسير ولا أحسن استعمال أدواته الرقيقة.
الريشة لا تتحرك بخفّة بين أناملي ولا قلم الرصاص.
خلال أيّام قليلة ،لم تتجاوز الأربع،أنهيت العيش مع الكتاب الثاني،
لم أجلس،
وقفت أمام النافذة المطلّة على" عشّ" النخيل كما نسميه هنا ، أمام النافذة أم خلفها لا أعرف كيف أحدّد الاتجاه حسب زاويتي أو زاوية الخارج.
لكني وقفت طويلا وبكيت بصوت خافت.
هل كان ذلك مؤازرة للموت أم غضبا منه؟أم نقمة على صاحب صناعته في هاتين الروايتين؟
كتبت للطفي الشابي :أيها المتوحش،لماذا قتلتها؟
لماااذا؟؟
وماذا كنت تريد؟
سأقتلك يا لطفي في رواية سأكتبها بعد سنّ السبعين.
روايتك أثقلت مفاصلي وكسرت عظامي،قويّة البناء ومتينة الأعمدة.
أيها الشيطان أنت يا لطفي،
لماذا قلت أن المرأة شيطان .؟
قتلت فاتن ويتّمت هاني؟؟
هل بكيت حين انتهيت؟
أنت متوحش في الكتابة ،وفي تقمّص الدور .
فاتن هي أنا في هذا العالم ،
روايتك ذبحتني من وريدي إلى وريد أمي.
أنا أتخبط الآن تحت قدمي روايتك،أراها واقفة في الغرفة بيدين وساقين،روايتك صارت عملاقا في الغرفة،عملاق يتربّص بي .
كأنك جمعت صراخا فضيعا لا تتحمّله آذان الآلهات
جمّعته في صدر العملاق ،
عملاق بيدين وساقين ،ويلي من صراخها الذي قطع آذان الالهات .
اتصلت بمنيا فوجدتها تكابد حالة تشبهني الآن.
إني أرتعد تحت الشجرة الكبيرة في نصّ المائت".
بين لن نعبر الجسر معا ,والمائت ،كنت أحمل البئر وأحلم بالحديقة على قول زاهر الغافري.
روايتان مهمتان للطفي الشابي تكتظان بالموت رغم اختلاف النهاية وارتجاف السير بين ضفّتي أنين.
لن أقيّم العملين كما يمكن أن يفعل ناقد أو دارس أدب أو باحث أكاديميّ،
سأتحرك في مناخات الفقد والفقدان وتشابه تدجين الموت داخل نصّين كثيفين يشبهان النهايات المليئة بالبالونات وأصوات الشماريخ.
هل الموت قنطرة ضرورية للعبور؟
حفلة للأصوات أم حفنة للأموات توزّع على مهل.؟
هل الموت في كتابات لطفي الشابي الروائي التونسي ،موت عربي؟
هل هو تحيّل الإنسان على حيلة الأزمنة المتراصّة المتشابهة المتشابكة؟
بين الحياة التي تبدو هادئة والموت الضروري الذي يبدو طبيعيا،كان حاجز خفيف،خفيف بدرجة تنافس فيه الكاتب مع اللغة في مبارزة رشيقة صوّرت لنا صراعه المرير معها وصولا إلى الموت المشتهى أو المبتغى أو الموت العبور.
هل كان لطفي الشابي الشاعر يشيّد الموت في كتابيه الروائيين ؟أم ينشده لطقوس بشرية أزلية تعددت فيها الميتات وانتهت إلى موت مشتبه؟أم هو يبني أعمدة الخيانة ليقصفها بأغمدة الموت؟؟
حين بدأت الدخول إلى معالم "المائت" ،و"لن نعبر الجسر معا"، كنت خائفة ،وحملت في يدي عصا غليظة كان اشتراها زوجي ذات صباح من سوق تقليدية ،فقط ليزين بها مدخل البيت.
تتبّعت حركات الأبطال والبطلات بحيرة وحذر، والعصا في يدي ،
هل يتسلل الابطال للبيت؟
رجال الروايتين مصابون بالّطفح ونساؤها مصابات بالصّفح.
لن أضربهم ،لكني سأحذر من لطفي ،
لن أضرم فيهم النار ،لكن الكاتب أضرمها داخلي.
يخطو الكاتب على جسور كثيرة كأنه خبر قسنطينة ،وتعلّق بمقاسات العلوّ والانخفاض فيها فصار خفيفا.
سار على حباله بخفّة وحذر وكتب السقوط والموت بهدوء وحنكة ،
كتب حياة جميلة طالها الإخفاق وأسقطتها الأنفاق وغطّتها أصناف من أدخنة الإحتراق .
كلّ شيء كان يحترق
حتّى القارئ الخائف.
هل تلك هي الحياة الكبيرة التي نتخفّى فيها ونخفيها ونخافها؟
يكتب لطفي الموت المعلن والمبطّن والمؤجّل ،بشغف التقصّي وحنكة التصوير الدقيق،كمن يجوب مقبرة الأحياء ليصنع لهم فيها مكننة الموت المتسلسلة ،إنه موت تصنعه الرأس مالية أو يصنعه العمل المتسلسل في مصنع عصري. travaille a la chaine
من أجل إفراغ الحياة من زيفها وصبّها في زيف العالم.
لعل السالبيْن يتحوّلان موجبا
هل الموت موجب أم سالب؟
لا أعرف لماذا أكتب هذه الفوضى عن المائت ولن نعبر الجسر معا،لماذا كل هذه الحركة المطبقة داخلي؟
كتابان عابران لغابات الروح،متقمّصان دورا تونسيا ملفوفا بالثورة منتوفا من شجرة الإنسان العملاقة.
يبحث الكاتب عن وجوهه كمن يبحث عن قط صغير في حقل قمح طويل،
كأنه يصنع مزمارا في كل حواراته الباطنية والصاخبة،قال الشاعر الفرنسي كريستيان بوبان في نص ترجمه الشاعر الجزائري أحمد عبد الكريم:"الشاعر يحدث بعض الثقوب في عظم اللغة ليصنع نايا "
هل فعل بنا لطفي الشابي كل هذا في عظم اللغة وفي عظامنا كقراء يرتعدون من صوت المزامير؟
ليس لطفي الشابي كاتبا رحيما ،لم يكن يبكي حين أحدث كل ذلك الموت
هل بكى حين قتلهم؟
لماذا قتلتهم أيها الروائي ؟
لأنك مصرّ أن تعبر الجسر وحدك وأنت مائت؟؟؟