جائزة كافكا تصل متأخره الي ميلان كونديرا فهل يعقبها نوبل
جائزة كافكا تصل متأخره الي ميلان كونديرا فهل يعقبها نوبل د/ اسراء الامين الريس فاز الكاتب الفرنسى - التشيكى "ميلان كونديرا" مواليد 1929 بجائزة فرانز كافكا للآداب فى التشيك، وقيمتها 10 آلاف دولار، وكان "كونديرا" قد استعاد جنسيته التشيكية العام الماضى، بعدما قضى أربعين سنة فى المنفى.
جائزة كافكا تصل متأخره الي ميلان كونديرا فهل يعقبها نوبل
د/ اسراء الامين الريس
فاز الكاتب الفرنسى - التشيكى "ميلان كونديرا" مواليد 1929 بجائزة فرانز كافكا للآداب فى التشيك، وقيمتها 10 آلاف دولار، وكان "كونديرا" قد استعاد جنسيته التشيكية العام الماضى، بعدما قضى أربعين سنة فى المنفى.
وقال "جيلزنى فلاديمير" رئيس هيئة الجائزة، عندما أبلغ كونديرا بفوزه عبر مكالمة هاتفية قبلها الأخير بسرور وبهجة، وهذا لحبه وتقديره لكافكا، حسبما نقلت صحيفة الجارديان.
وانتقل ميلان كونديرا إلى فرنسا فى العام 1975 بعد تعرضه للتضييق من طرف النظام الشيوعى، بسبب دعمه أحداث "ربيع براج" فى تشيكوسلوفاكيا الذى قمعها الاتحاد السوفيتي، وكانت أعماله ممنوعة فى بلده الأم طيلة سنوات كما كانت حياته الخاصة تحت مراقبة الشرطة السرية الشيوعية باستمرار.
وأشهر روايه لـ كونديرا هى "كائن لا تحتمل خفته" عن امرأتين ورجلين وكلب وعن حياتهم فى فترة ربيع براغ عام 1968، تم تحويلها إلى فيلم أمريكى فى وقت لاحق، من بطولة النجم دانيال دى لويس، وعمل فى بداية مسيرته المهنية مدرساً لمادة الأدب العالمى فى كلية الأفلام، وانضم كونديرا للحزب الشيوعى فى تشيكوسلوفاكيا مرتين وطرد منه مرتين أيضاً، وانخرط كونديرا عام 1968 جنباً إلى جنب مع أدباء آخرين مثل بافيل كوهوت بما أطلق عليه اسم ربيع براغ، وهى نشاطات إصلاحية أخمدها الغزو السوفييتى للبلاد فى أغسطس من العام ذاته، فى أعقاب الغزو السوفييتى وإخماد ربيع براغ سحبت من كونديرا جميع الوظائف التى كان يشغلها ومنعت مؤلفاته من النشر وسحبت من المكتبات، فى عام 1979 سحبت الحكومة التشيكية الجنسية عن كونديرا ليصبح عام 1981 مواطناً فرنسياً يحمل الجنسية الفرنسية.
لماذا تأخرت جائزة كافكا التشيكية في الوصول إلى الروائي التشيكي –الفرنسي الكبير ميلان كونديرا؟ هذا السؤال لا بد من طرحه عقب فوز صاحب "كائن لا تحتمل خفته" بهذه الجائزة العالمية التي تمنحها مؤسسة كافكا وبلدية براغ، خصوصاً أن كونديرا هو الكاتب رقم عشرون الذي يفوز بها، وقد سبقه إليها روائيون عالميون وتشيكيون بعضهم دون مكانته، ومنهم: الأميركي فيليب روث، البريطاني هارولد بنتر، التشيكي فاتسلاف هافل، الكندية مارغرت اتود، الألماني بيتر هاندكه، الإيطالي كلوديو ماغريس، الياباني هاروكي موراكامي، الفرنسي بيار ميشون... وعلى رغم تأخرها هذا رحب كونديرا في الحادية والتسعين (مواليد 1929) بها عبر المكالمة الهاتفية التي أجراها معه رئيس هيئة الجائزة غيلزني فلاديمير، قبل أيام، ليطمئن من أن كونديرا لن يرفضها، بعد إعلان فوزه بها. ولئن كانت الجائزة التي أسست العام 2001 متواضعة في قيمتها المادية فهي ذات بعد رمزي وصدى عالمي. إنها تحمل أولاً اسم كاتب كبير شغل الساحة الأدبية العالمية وما برح يشغلها، بأدبه وشخصيته والأسئلة التي طرحها، ثم هي جائزة طليعية تتمتع بطابع مستقبلي، ولا تمنح إلا للكتّاب الذين تجمعهم بكافكا صلة معينة، أثر أو هوى أو اهتمام نظري أو نقدي.
لا يمكن طبعاً التغاضي عن مسألة "شائكة" هنا، قد توضح تأخر الجائزة في الوصول إلى كونديرا. لم تُمنح الجائزة له إلا بعدما استعاد جنسيته التشيكية العام الماضي، ما يعني عودته إلى هويته الأم وانتمائه الوطني الأول. أي إنه فاز بها بصفته تشيكياً أولاً وفرنسياً ثانياً. ومسألة الهوية تعني الكثير لكونديرا ولمؤسسة كافكا وسائر مواطنيه التشيكيين. ومعروف أن كونديرا كان متعصباً لانتمائه الفرنسي لا سيما بعد حصوله على الجنسية عام 1980، وكان لجأ إليها العام 1975 هرباً من الاضطهاد والملاحقة الاستخباراتية له وتضييق الخناق على حريته. ويذكر البعض كيف ثارت ثائرته مرة حين صنّف في فرنسا نفسها، ككاتب تشيكي فرنكوفوني بعد حصوله على الجنسية الفرنسية. ولم يكن رفضه لذاك التصنيف إلا رفضاً لفكرة المنفى و"الانشقاق"، خصوصاً بعد سقوط المعسكر الاشتراكي. كان يصر على أن يسمى كاتباً فرنسياً من أصل تشيكي وعلى الكتابة بالفرنسية، وعمد إلى نقل كتبه التشيكية إلى الفرنسية.
لا يزال اسم كونديرا يتردد كل سنة في أروقة الأكاديمية السويدية ويرد على لائحة الكتّاب المرشحين لجائزة نوبل. وحتى الآن، وقد تجاوز التسعين، لم يفز بها، وهذا ما يثير استغراب القراء والنقاد والصحافيين. فهو يستحقها حتماً، فبعض رواياته باتت تصنف ضمن "كلاسيكيات" أدب القرن العشرين، وترجمت معظم أعماله إلى نحو أربعين لغة، ووضعت عنه كتب وأبحاث في لغات شتى. علاوة على أنه يكتب بلغتين، التشيكية والفرنسية، وثقافته لا حد لها. لكنّ كونديرا الذي يعيش في عزلة باريسية حقيقية في السنوات الأخيرة، لا يبالي بمسألة الجوائز، ولا يسعى إليها، فهي التي تصل إليه، وإن لم تصل فلا همّ. فهو لا يسعى إلى "نادي نوبل للخالدين" ولا يهمه الخلود أصلاً، وفي رواية له بعنوان "الخلود" يؤكد أن الصورة التي يصنعها المرء لنفسه هي أشد خلوداً من المرء نفسه، فإذا كان الشخص فانياً، فإن صورته قد تكون مهيأة للبقاء.
وصلت جائزة كافكا إلى ميلان كونديرا أخيراً، ولعلها من أغلى الجوائز في نظره، فهي تحمل اسم مواطنه ومعلمه فرانز كافكا، الذي تأثر به وكتب عنه ومازال مفتوناً به وبعالمه وأسراره. وكتب مرة يقول:"كم أحب أن أصف جمالية كافكا، وأعلم أنني لن أتمكن من وصفها".