تجليات الخيانة في المجموعة القصصية  "الظلال الخفية "

تجليات الخيانة في المجموعة القصصية  "الظلال الخفية " للقاص بوعزة الفرحان إدريس زايدي.... المغرب          قد يتحقق للقارئ نوع من الارتباك، وهو ما يتأكد بالضرورة مع كتاب، بحكم مادته التي هي اللغة بما تحيل عليه من أفكار في عالم جديد من الخيالات. إنها مغامرة الكشف يركبها القارئ بحذر، حتى لا يضيع ممشاه وهو يجوب عوالم الكاتب السردية. والسرد بالقدر الذي هو من صميم حياة الإنسان ووجوده، فهو في الكتابة قبس يتشظى ليحدث التواءاته بفعل عقدة الكتابة والقراءة غير المضمونتين المسار.

تجليات الخيانة في المجموعة القصصية  

تجليات الخيانة في المجموعة القصصية  "الظلال الخفية "
للقاص بوعزة الفرحان


إدريس زايدي.... المغرب 

        قد يتحقق للقارئ نوع من الارتباك، وهو ما يتأكد بالضرورة مع كتاب، بحكم مادته التي هي اللغة بما تحيل عليه من أفكار في عالم جديد من الخيالات. إنها مغامرة الكشف يركبها القارئ بحذر، حتى لا يضيع ممشاه وهو يجوب عوالم الكاتب السردية. والسرد بالقدر الذي هو من صميم حياة الإنسان ووجوده، فهو في الكتابة قبس يتشظى ليحدث التواءاته بفعل عقدة الكتابة والقراءة غير المضمونتين المسار.
     فالقاص بوعزة الفرحان يشتغل على شخوصه، وهو يدرك العقدة التي تربط بين الشخصية والمتلقي. بحيث تقوم الإرسالية على العلامة اللسانية التي تتحدد بدال ومدلول ضمن شبكة العلاقات والمسارات الدلالية، التي تدل على الشخصية " فبناء الشخصية ليس عملية اعتباطية خاضعة لمزاج المبدع ومزاج المتلقي بل عملية واعية تخضع لمجموعة من القيود والإرغامات...ذلك أن عملية الإبداع في ذاتها محكومة بمجموعة من المعايير الفنية والمثبتة في سجل النوع الأدبي، كما تؤول كتسنين ثقافي. فبناء الشخصية لا يتم إلا داخل عالم الممكنات التي يحيل عليها النص الفني ..."
     إنها لعبة الكتابة إذن، لا يحدها ضبط متاريس اللغة التي تنفلت من فعل الكتابة نفسه. ما دامت الكتابة السردية تحكمها طقوس السرد المتنوعة . فكيف تشكلت عوالم السرد القصصي عند القاص بوعزة الفرحان؟ تلك العوالم المتعددة في أضمومة قصصية تضم واحدا وعشرين نصا. وأول ما يطالعنا عناوينها التي لا تخلو كلها من إحالة على حياة الألم والبؤس. وهو سؤال مبدئي تقدمه أول قراءة العناوين كنصوص موازية . 
       وعليه ستكون دراستنا للمتن السردي في المجموعة، بناء على المشترك في المعنى والمرجع، بحجة أن القاص تحكمه رؤية للعالم تؤطر نصوصه تحت عنوان " الظلال الخفية"، وهو عمل ناتج عن تأمل صاحبنا في نصوصه قبل أن يمنحها اسما وعنوانا تفرضه لعبة العلاقات بين الشخوص وبنية الأحداث. ويكون للفظ (الخفية) نفس معنى (الظلال) لما توحيان به من حجُبٍ وظلمة، فجاء الوصف توكيدا لعالم غير مرئي، منه سيستمد القاص عوالمه التي سيكون التخييل عماد الكشف عنها. حتى غدا اللفظ استدعاء لضده، والكتابة استدعاء للمحو، والسخرية عمق لظاهر العين. والموت واقع يغطي الأشياء والقيم ومجمل السلوكيات الإنسانية ... كلها مفارقات تشكل عوالم القاص بوعزة الفرحان، يجهر بها لغة المفاجأة والغرابة والصدمة، مما يعطي النصوص بعدا دراميا قويا ومكثفا.
     ففي هذه المداخلة سنحصر مجموعة من العناصر التي تشكل عوالم القاص بوعزة الفرحان في كتابه القصصي " الظلال الخفية". 
  وحتى لا يكون العنوان مطية مطلع القراءة، نبادر القول بالملاحظات التالية عن النصوص المبثوثة في الكتاب، قد تنطبق بعضها على نص وتنطبق أخرى على نص آخر. ومنها :
تحول النص القصصي إلى رمز حكائي كلي عند نهية القراءة
يشكل العنوان بنيةً دلالية وعنصرا مؤسسا للدلالة الكلية للقصة.
نهاية القصة تثبيت لبنية المفارقة التي تقوم عليها النصوص القصصية.
كل البدايات استمرار لكلام سابق، حيث الدخول المباشر للسرد.
تلاحق الجمل القصيرة إيهام بالواقعية وحركية الأحداث.
تغييب أسماء الأمكنة يجعل النص فوق حدود الزمن، وذلك من أجل تعميم الرؤية.
سيطرة البعد الدرامي على الأحداث.
إن المجموعة القصصية للقاص بوعزة الفرحان، بالقدر الذي تشكل القصص فيها لوحات فنية وأدبية عميقة المعنى، بالقدر الذي تعكس رؤية الكاتب لواقع يعيشه، بحيث استطاع أن يكشف عن أبعاده الإنسانية المتنوعة. وفي تنوعها حرص على التقاط التفاصيل التي تختزنها التجربة الحياتية، في تفاعلها مع الغير. والإنسان بطبعه كائن اجتماعي، لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن هذا الآخر، حتى ولو توهم ابتعاده، لأنه يشكل الإرث المشترك بين الناس، من خلال  اللغة كوعاء حامل لهموم مشتركة  كما يقول باختين حين جعل من الغير فاعلا في ذات الفرد بقوله: "إن أي عضو من الجماعة الناطقة لا يجد أبداً كلمات من اللغة تكون محايدة، معفاة من تطلعات وتقويمات الغير، غير مسكونة بصوت الغير، وهذه الكلمة باقية فيه، إنها تتدخل في سياقه الذاتي انطلاقاً من سياق آخر، مستوعباً اهتمامات الغير، وحتى اهتمامه الخاص به يجد كلمة مسكونة مسبقاً".‏ فالشخصية عند القاص بوعزة الفرحان هنا تحمل معها غيرها، سلبا وإيجابا، فنجد حضور المرأة والرجل، الليل والنهار، الحياة والموت ،الأنا والآخر وهلم ثنائيات من الطبيعة والمجتمع بقِيمه المتنوعة... وهذا يسمح للشخصية أن تلتقط المشاهد واللقطات دفعة واحدة ، بل يكفي أن تنظر خارج ذاتها، لتخرج في شكل تعبيري وترميزي قادر على الامتداد في تأويل القارئ.
     وبفعل المشترك الثقافي المكتسب، تسلُسُ قيادة أحداث المشاهد. حتى لتغدو النصوص أبنية عارية من المعنى، بل يتجلى المعنى من خلال الكشف عن سر الظلال الخفية. تلك الظلال الموسومة بأفعال وقيم الإنسان غير العادية. ومنها الخيانة التي ارتأينا أنها تتمظهر بأساليبَ شتى في جل القصص، سواء تعلق الأمر بالخيانة الجنسية أو الاجتماعية أو السياسية وغيرها... وليست الخيانة غير اغتصاب لقيم الإنسانية التي تناهض الاستعباد والاستغلال ، مما يجعل من كرامة الإنسان مطلبا أساسا في حرية العيش والتعبير والمساواة وحقوق الأنسان الوطنية والدولية ...وكلها موضوعات تحضر في قصص بوعزة الفرحان، يصوغها بكثير من الدقة والفنية الأدبية ، نحاول الوقوف عليها من خلال موضوعة الخيانة.
      ومن الخيانة في قصص بوعزة الفرحان الخيانة بين جنسين، حيث يستحضرالقاص في شخوصه الرجل والمرأة في علاقات متنوعة منها الزواج والخيانة والعشق وبيع الأجساد والموت والانتقام والغيرة ... وهي موضوعات تعكس اهتمام القاص بالحياة اليومية للناس، يصوغها شكلا ومضمونا في قصصه، لكن يبث فيها من أدب الصدمة ما يجعل القارئ يعيد بداية القراءة والتأويل بمجرد الوقوف على فعل الخيانة، فيبحث عن كيف حدث هذا الفعل. وهذه السمة القرائية تعتبر سمة الكتابة عند القاص بوعزة الفرحان الذي يعتمد على خيبة أفق انتظار القارئ، كما تحدد في نظريات التقبل للعمل الأدبي. فالقارئ لا يتوقع أن فعل القراءة التي يمارسها هي نوع من التنويم، ولا يتوقف إلا بيقظة مفزعة، فيختلط سحر الحلم في السرد بنهاية غير متوقعة. إنها لعبة في الكتابة لا تكشف عن نفسها إلا وقد خلقت توترا في القارئ على قدر ما تعيشه الشخوص من حالة درامية، كحال المرأة التي اكتشفت خيانة زوجها مع الجارة الجديدة " صفعت خدها عدة مرات وعضت على شفتها..."  
    إن القاص بوعزة الفرحان يؤسس قصصه على فعل الصدمة. من صدمة البداية المبتورة إلى صدمة النهاية التي تعود بالقارئ إلى المنشأ، ليعيد القراءة من جديد لما اعتمل فيه أثناء القراءة.
      وتعتبر الخيانة منذ النص الأول (جسر الشك) موضوعة سيكون لها حضور وامتداد قوي في باقي النصوص، بشكل أو بآخر. فمن الخيانة الجنسية إلى الخيانة الاجتماعية إلى الخيانة السياسية يحدد الكائن البشري وجوده . فالمرأة في هذه القصة، يقول الراوي "استنشقت برودة خفية في داخلها "، وهي خيانة يمثلها ضيق المكان الذي لا يتجاوز المنزل أو الشارع، وكأن الفضاء الضيق هو انحصار الذات في معنى الخيانة، بما يعني أن ضيق المكان يقابله ضيق ثقافي، في إشارة إلى الطبيعة الثقافية للمرأة المغربية وشعورها بأن الخيانة هي ضيق في الأفق الذي يعاني منه الرجل نفسه. وقد أسس القاص لفعل الخيانة من بداية النص، وكأنها استدراج لغوي يقابل المسكوت عنه الذي ينفجر في نهاية القصة، يقول الراوي:" صفعت خدها عدة مرات وعضت على شفتها السفلى لما رأته يدس جسمه الضخم عبر دفتي باب الجارة الجديدة"، وهذه النتيجة تم التأسيس لها بتنامٍ سرديّ، انطلق من علاقة الزواج، واستعداد الزوجة أمام المرآة لملاقاة زوجها، يقول الراوي:" فتحت الباب، اعترضته تنتظر منه عناقا حارا. أزاحها عن طريقه وهو يتفجر غضبا:         
- بالأمس رأيتك تتحدثين مع جارتنا الجديدة، تلك التي سكنت قبالة منزلنا"
     ولما كانت الخيانة هي عدم الاحتفاظ بالأمانة، والثقافة الإنسانية تَنْهَى عن الفعل، كما تقره الشرائع الدينية أو الأعراف الإنسانية الكونية، فإن مفهوم الخيانة يرتبط بالامتلاك، وهو ما يتباذر للذهن أنه لا يتعلق بالإنسان، إلا من حيث هو حفاظ على النسل كقيمة، أو تجريم الإنجاب خارج الاعتراف بقيم الأبوة. وهذا يعبر عنه القاص حين يجعل من المرأة أداة في يد الرجل. وكأن الامتلاك هو من حق الرجل، والخيانة الجنسية لا ينكرها على الرجال. 
   ولعل الصراع بين الجنسين، نجده في قصتي (احتراق) و(نحو السراب)، بحيث يتعدى الخيانة الشرعية إلى الخيانة الاجتماعية الممثلة في العلاقة بين عاشقين، والتي تجسدها قصة (احتراق) التي انتهت فيها العلاقة بين عاشقين إلى انتقام، يقول السارد:" رأت سيارتها تحترق على مهل، وصورة عشيقها يبتسم بين يديها". 
   وفي قصة (نحو السراب) تنطوي الحيلة على شخصية عويشة باسم الزواج الذي تم بطقوسه، ثم ترحل إلى خارج الوطن، لكنها ستفاجأ بأن سيحولها زوجها إلى راقصة تبيع جسدها حيث قال السارد:" فتُوِّجتْ بتاج الرقص العاري في الحانات الراقية " ، وقد تنبه القاص لهذا الموضوع الهام حين جعل اسم (عويشة) معادلا للإنسان الغّرّ الذي يثق في الحلم بالهجرة تحت وطأة الفقر أو الغرور بحياة أخرى . وبحس سخروي يجعل من الشخصية (عويشة) ذلك الرمز في الثقافة الشعبية المغربية الذي يعبر عن الإنسان الساذج الذي تنطوي عليه الحيلة والخيانة، أوكل من به خوف أو تردد في الإقدام على فعل يتطلب الجرأة والمغامرة. ومن خلال هذا التوظيف نجد القاص شغوفا بتركيبة ثلاثية المحطات، وفق الترسيمة التالية : حالة الاتصال فالتواصل ثم الانفصال. وهي تركيبة تكاد تعم نصوص المجموعة القصصية. مستوحاة عند القاص بوعزة الفرحان من حال تناظر العلاقات الإنسانية في عمومها، والتي يميزها الولادة فالحياة ثم الموت. وليس يعني البدء غير دخول الشخصية المفاجئ في الحدث، مما يجعل من الاتصال أمرا غير عادٍ، حين يكون عبر الهاتف أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وبهذا التواصل يعبر القاص عن الخيانة في العلاقات، وخاصة في الحب الذي يراه القاص يخرج عن النموذج الذي تؤمن به الأم في قصة ( لا عليك يا شقية) حين قالت لولدها:" اسمع يا ولدي، إياك ...الحب ما هو إلا خدعة لإنجاب الأطفال ...ما عرفت الحب يوما، عرفته بعدما تزوجت بأبيك. حب ساهمنا في توليده، جعلناه يكبر وينمو، فأعطى ثمرة نقية بعيدة عن حب يصنع من لقاء عابر. كذب من قال: الحب ينشأ من النظرة الأولى واللقاء العابر عبر ما تسمونه أنتم: الهاتف، الواتساب والفيسبوك."
          ثم قصة (فجوة الماضي) التي تتحدث عن خيانة الرجل بعد أن سرق شباب وجمال المرأة،  يقول السارد "رجل من الماضي، منحته قلبي يوم أن كان جسمي ربيعا طريا ....لكن ... غادر وتركني أضحك على نفسي، فنسيت أنني أنثى " وقوله " هرعت إلى المرآة، رأت وجهها ولم تر نفسها".
وتكبر الخيانة لتكون على أيدي الطغاة في قصة ( إبادة) حيث الإبادة الجماعية والقتل برصاص ينطلق من الطائرة ،وينجو الطفل وينتظر من ينقذه بعدما مات الناس جميعا ...
     إن القاص بوعزة الفرحان يبني فنيا قصصه على المفارقات التي جعلها بنيان مجتمع بأكمله، وهي تحيل على تدهور القيم، ولم يقدم لها حلولا بالقدر الذي حمّل مسؤولية البحث عنها للقارئ. فيكفيه أن يجعل من توصيف الحال تلك المرايا التي تتشظى مع كل عبارة بنيت مع جارتها في تلاحق يختصر المغزى. فالقصة مشهد تام أقرب إلى السينما منه إلى الكتابة. حيث ترافقك الصور وأنت تقرأ بدون أن تستأذنك المعاني، حيث تراها شاخصة، كما في قصة(جدران الألم) التي تحكي عن عودة شخصية لقريتها التي نهبت وأحرقت ، تقول: " تأملوا ظلي وجدوه ليس على مقاس جسمي" و " هناك تلك الدار المهجورة .لكن ... لقد خلت من أهلها منذ زمان، يقال أن طفلا نجا، لم يعد بعدما رجع كل سكان القرية " . ولا شك أن الإبادة كفعل خائن ، سيقرنه القاص بالانتقام كحالة نفسية تمليها المشاعر التي بناها التاريخ كجرح طال كثيرا من الشعوب الإنسانية، جراء أجهزة ظلامية آمنت بالحروب وما تقتضيه من سلوكات الخدعة والخيانة ، تقول: " أحسست أن أظافري تتحرك لتمسك بأعناق من خربوا  مطبخ أمي، وهشموا سرير أبي" وقوله  " من ثقب الماضي ما زلت أتذكر تفاصيل الذي أجرموا، فقد كانوا من الذيم آمنوا، قتلوا ، نهبوا، شردوا، أحرقوا.."وقوله " من هناك كنت أسمع صراخ أمي وأبي والنيران تأكل جسميهما "و " أعجن خطواتي بين الحقول، ورائحة الانتقام تتبعني. سأعود...ولا بد لي أن أعود.."
    إن النصوص القصصية في الأضمومة ثرية بما يعني أن القاص بوعزة الفرحان استوعب وأضاف للفن القصصي ما يجعل من النص بؤرة تأمل وتفكير. فهو سريع النباهة قوي الإشارة، لا لغو ولا حشو. فكل عبارة تحمل دلالة تقذفك لأخرى، فتتحصل على بناء لواقع اجتماعي، أغلب شخوصه من القرية مما سمح بحالات البؤس غشاء ينقدح في القارئ. فالقصة أشبه بركام تبن تلتهمه النار ليولد من رحم الرماد نص قرائي جديد. هو من وحي المعيش اليومي الذي اعتمل في القاص بوعزة. فيجعل من السرد قصفا مستمرا، مما يعني أن الحياة حرب مستعرة لا يتوقف أوارها، كم جاء في قصة (اليوم الأسود) يقول:" فجأة بدأ قصف مباغت، رصاص مصبوب على دفعات. السقوف تتهاوي، الأتربة ترتطم بالأرض..."و" مرت بضع سنوات، عاد البعض منهم، وجدوا مخلوقات غريبة تسكن قريتهم" . ففي هذا النص يوظف القاص شخصية الدجال، وما ينتظر القبيلة من دمار، وقد مهد له بحال الجوع وندرة الماء والجوع، خلق هذا نوعا من الفزع والرهبة اللتين تجعلان من النص لوحة درامية قابلة أن تمثل على خشبة المسرح .
  هكذا تكون الظلال الخفية هي ما تحيل عليه أحداث القصص مما رُمِز إليه من خلال استعمال ضمير الغياب معبرا عن الراوي العارف بتفاصيل الأشياء، فالتمس لغة تعبر عن ظلال المعاني، ووفق خفائها تتجلى بقوة سلطة الراوي حين يخلق من تعاقب الفعل حركية ، يقول في قصة (من ذاك الشبح) :" تداخلت الأجسام، تشابكت الأنفاس، تناقضت الأحلام وتساقطت مع الأيام. فكَّر وقدَّر. خطّ رسالة تضج بكلمات غير ناضجة تختزل زمن التشظي. وضعها برفق فوق طاولة ..." ، ففي زخم الفعل يتحول السرد إلى لغة التوصيف ، كأننا أما رحلة في المكان بتعبير عبد الفتاح كليطو، ويمنح ذلك للمتلقي دهشة المتابعة ، وهو ما جعل آخر عبارة على لسان الفتاة التي فقدت أباها انتحارا في البحر سؤالا إنكاريا كجواب عن كلام الأم لما رأتا الأمواج تضطرب وهما على الشاطئ ، تقول الفتاة:" ماذا قلت أمي؟"
  إن قصص بوعزة الفرحان على كثير من المتعة الفنية، فهي ترحل بالمتلقي في كل اتجاه، تخلق من الشخوص أنواعا سردية متحركة. وعملية التشخيص عنده تتم عبر تصورات تعود إلى تصوره ضمن المجال الثقافي الذي يحدد هوية الحياة. فجاءت الشخوص إنسانية في جلها، ليجعل من العقل أداة لتدبر المواقف وإيجاد الحلول في مجتمع إنساني يعُج بالقيم المتدهورة. عمادها الخيانة بمختلِف تجلياتها ، والتي حاولنا أن نتلمس وجهها الاجتماعي في قصص ( الظلال الخفية) التي تطرح أسئلة  وجودية عميقة ك( أنا من أكون ؟) التي تكررت غير ما مرة ، والحلم ،والصراع،  وقضية الانتحار وعلاقات الناس الثقافية فيما بينهم. فهل كان التحليق إلى أعلى الجبل حلماً أم هرباً من جحيم يطارد الإنسان باستمرار ؟ 
      إن نصوص المجموعة القصصية شهية من حيث تحمل القارئ على قراءة الوجه الخفي فيها، وملئها لأن" غياب هذا الامتلاء في النصوص المعاصرة، هو ما يجعل من الأهلية والإنجاز يتداخلان كفعلين: أحدهما متحقق في النص، وثانيهما يتحقق كأثر معنوي داخل الأهلية الموسوعية للقارئ"