صَيْد
صَيْد ( في ذكرى مُراد تِيّة ) عبد الله محمد عبد الله -1- أبْصَرْتَها .. و ٱنت َ تعبُر ُ الطّريق ْ دَجاجة ً برّية ً مُختالة ً بيْن الحشائش ٍ الخضراءِ
صَيْد
( في ذكرى مُراد تِيّة )
عبد الله محمد عبد الله
-1-
أبْصَرْتَها ..
و ٱنت َ تعبُر ُ الطّريق ْ
دَجاجة ً برّية ً
مُختالة ً بيْن الحشائش ٍ الخضراءِ
في الأرض ِ ( الحَريق )
نائية ً عن سِربِها..
تَثاقلٕت ْ مشيتُها مِن اكتِناز ْ
رَأَيت َ فيها الفُرصة َ الّتي ابتغَيت ْ
فسِرت َ باحتراز ْ
مَضيْت َ نحوَها
فهرْولَت ْ بَعيدا ً
طاردْتَها
فارتفَعت ْ
تَقفز ُعبْر َ الطّلْح ِ و الجُوغان ِ و الحَراز ْ
و كلّما تباطأَت ْ
تزداد ُ أنت َ سُرعة ً
كمِثل ِ سَهْم ٍ مارد.ٍ
يَنْسَل ُّ في مَضاء ْ
كُنت َ فَتِي َ الجِسْم ِ
ما أضواك َ عام ٌ مُمْحِل ٌ
و ما طغَى عليْك َ في الخريف ِ ماءْ .
عدَوْت َ ميلا ً إثر َ ميل ٍ خلْفَها
مثل َ حِصان ٍ يَنهَب ُ الغبْراء ْ
و حين َ أُنهِكَت ْ و خارَت ْ
تباطأت ْ ..ثُم ّ هَوَت ْ
سِرت َ إليها ..
عَرِقا ً
مُمْتلئا ً بِنصْرِك َ انتِشاء ْ
حمَلْتَها مُغْتبِطا ً
تبادلَت ْ غِناءك َ الحُقول ُ و الّرياح ْ
و في الطّريق ْ ..
مَنحْتَها لصِبْيَة ٍ
و سِرْت َ حامِلا َ مِنْها
قوادِم َ الجناح ْ
مَضيت َ
كي تَربِط َ ريشَها علَى عَصاك ْ
في بيت ِ أمِّك َ الذي أضاء َ بالأفراح ْ
تَقول ُ : لا أقْتات ُ مِن صَيْدي َ
بَل ْ أمنحُه لجائع ٍ
أو طالب ٍ مِلحاح ْ
و أكتفي مِنه ُ بِما أجعلُه ُ
علَى عصاي َ رمْزا ً للنجاح ْ..
و كلُّنا يَشهد ُ
إذ تزيَّنَت ْ عَصاك َ
بِحوافِر ِ الغُزلان ِ ..
تيجان ِ الهَداهِد ْ ...
و قِطع ٍ مِن بعْض ِ ما تَصْطاد ُ
في الغُدو ِ و الرّواح ْ
-2-
تِلك َ عصاك َ يا مُراد ْ
يَحمِلُها في ساحة ِ (الصُراع ِ) عنْك َ ( أفراري )
و في اللّيالي البيِض ِ
تستَقر ُّ فوْق كتْفك َ القوى
تُميلُها مُستعْرضا ً قوامَك المتَّسق َ البَهي
تُمازِح ُ الرِّفاق َ
و البُنيَّات ِ اللَّواتي
لا يَهَِبْن مَا قد ْ تَشتهي ..
ثم تعود ُ فرِحَا ً
لبيت ِ أُمِّك َ الرَّؤوم ِ
أو .. لِبيْت ِ خَالِك َ الحفي
- 3 -
كان َ ذاك َ
في زمان ٍ أخْضر ٍ ورِيق ْ
أُشيع َ فيه ِالسِّلم ُ و التَّعايُش ُ العَريق ْ
الناس ُ بْعضُهم ببعضِهم ْ رفيق ْ
مَمْدودة ٌ أكفُّهم إذا ما حَل َّ بالجيران ِ ضِيق ْ
عديدة ٌ أعيادُهم ْ
مُمْتدَّة ٌ أفراحُهم تَزدان ُ بالطّعام ِ و الشّراب ِ
و التَّواصُل ِ الوثيق ْ
. - 4 -
جاء َ زمان ٌ آخر ٌ
تَناقلَت ْ فيه ِ الجِبال ُ الخُضْر ُ
أصْداء َ القَذائف ِ المُمِيته ْ
و قعْقَعات ِ الحرب ِ و الفَظائع َ المَقيتة ْ
فنَسيَت ْ سَواعد ُ الفتيان ِ كيف َ تُقرَع ُ الطُّبولْ
و فارَقت ْحَناجِر ُ النِّساء ِ نَشوة َ الغِناء ْ
و لم ْ يَعُد للصَّيد ِ مِن ْ أمْن ٍ
و لا صَفاء ْ
و صارت ِ القُري خَرائبا ً... طُلُول ْ
و النَّاس ُ بَْين َ مُمْسِك ٍ سِلاحَه ُ
و مُمْسِك ٍ لِسانَه ُ
يُراوِحون َ في السُّفوح ِ و السُّهول ْ
جَميعُهم ْ في حِيرة ٍ
مِمَّا انتهى إليه ِ حالُهم ْ
و مَا إليْه ٍ في غد ٍ يَؤول ْ
-5 -
و َ أنت َ يا مُراد ْ
كنت َ تُمنِّي النّفس َ بالسّلام ِ
في غد ٍ يكون ْ
و بالحياة ِ تَستعِيد ُ بِشْرَها
و بالشباب ِ في ( الأسْبارِ ) زُمرا ً
يُعمّدون ْ
فيقطعون َ ( الجِير َ ) في محبة ٍ
و في رحاب ِ السِّلم ِ يَمْرحون ْ
تَحلُم بالشُّيوخ ِ هانئين َ
يَبذرون َ ببن النّاس ِ حِكْمة َ القرون ْ
و ( بالجَباريك ِ )ِ تُضيئ خُضْرة ً
و ذَهَب ِ ( الكُرْقي )
و حُمْرة ِ ( اب حِمّير )
تُبهِج ُ العُيون ْ
تَحلُم ُ - كُنت َ- بالسِّلاح ِ ذاهبا ً حيْثُ أتى
و بالمُقاتِلين َ بالوِفاق ِ يَرجِعون ْ
و بالقُرى مأمونة ً
و بالجِبال ِ جَنَّة ً
القس ُّ و الكُجُور ُ و الإمام ُ
ً يَعبُدون فيها كَيْفما سيَعْبُدون ْ
يَعزّزون الود َّ
وسْط جِيرة ٍ تَشمِلُهم ْ
بلا ضغائن ٍ و لا ظُنون ْ
كُنت َ تَقول ُ
إن الحرب َ آفة ٌ خئون ْ
فلم ْ تكُن ْ مِن الذين َ احْتَربوا
و لم تكُن عَيْنا ً مِن العُيون ْ
ظنَنْت َ أن الأمْن َ في تَجنُّب ِ العَداء ْ
و لم ْ تكن ْ تعلم ُ أن غدْر َ الحرْب ِ
لا يَصُدّه ُحِرص ٌ و لا حُصُون ْ
-6-
قُتِلت َ يا مُراد ْ.
قُتِلت َ في أُمْسِية ٍ غبْراء ْ
صُرِعْت َ
دون أن تَرفع َ كفَّا ً
دون أن تَجْهر َ بالعَداء ْ
ألفاك َ مَن ألفاك َ
في قارِعة ِ الطَّريق ِ
جسَدا ًً بلا حياه ْ
مُمَدَّدا ً علَى التُّراب ِ
جاحِظ العَيْنين ِ
داميا ً
مُفْترِق الشِّفاه ْ
تبْدو كمَن يُسائل ُ النُّجوم َ :
ما الذي يَكسبُه ُ الجُناه؟
فَيا لحُزن ِ أمِّك َ
التي أحاطت ْ دمَك َ المَسْفوح َ
بالغُصون ِ و الأشْواك ْ
و غرَست ْعلى تُراب ِ القبْر ِ
شاهدا ً ... عَصَاك ْ
و ( بُخْسَة الصُراع ِ ) ،
( قَرْعة َ العصيدة ِ)المنْقوشَة ِ الحَواف ْ
والكاس َ و ( المُكْمامه ْ ) ..
فرّارَك َ الصغير َ
و الجلاجل َ الخِفاف ْ
جَميعُها هُناك َ
فوْق قَبرِك المَشْهود ْ
تحرُسُها الأرواح ْ
تكُف ُّعنْها قُسْوة َ الأمطار ِ و الرِّياح ْ
و أنت َ تَحْتها في التُّربة ِ الحَمْراء ْ
تَظل ُّ ساكِنا ً
مِن بَعْد ِكل ِّخَطوِك َ السّريع ْ
و الرّقص ِ ...و قوامٍك البديع ْ
و وجهٍك َ البشوش ِ
و ابتسامِك َ الوديع ْ
ترْقد ُ أنت يا مُراد ْ
تغوص ُ في هُدوء ِ الموت ِ
جسدا ً بِلا حَراك ْ
و الأهل ُ و الصِّحاب ُ
يسألون َ في ارتباك ْ
مَن ِاعتدى عليْك َ ْ؟
مَن ِالّذي اصْطادك َ
يا مُراد ُ
مَن ْ مِن ْ بين ِحامِلي السِّلاح ِ
قد أرْداك ْ ؟