طارق الطيب
طارق الطيب قصة قصيرة خالي شرحبيل وعائشة وصلاة التراويح يُصرُّ خالي شرحبيل أن يأخذني معه إلى الجامع بعد إفطار ذلك اليوم الرمضاني كي أؤدِّي معه صلاة التراويح. أفرح بهذه النُّزهة. التراويح اسمها يبعث في نفسي ارتياحًا،
طارق الطيب
قصة قصيرة
خالي شرحبيل وعائشة وصلاة التراويح
يُصرُّ خالي شرحبيل أن يأخذني معه إلى الجامع بعد إفطار ذلك اليوم الرمضاني كي أؤدِّي معه صلاة التراويح. أفرح بهذه النُّزهة. التراويح اسمها يبعث في نفسي ارتياحًا، ثم أجدها تجربةً جديدة تنقُلني إلى صفوف الرجال، متجاوزًا يوميات: ”حاللو يا حاللو رمضان كريم يا حاللو!“ في الشارع والحارة.
ندخل الجامع. يتبعني خالي شرحبيل ليراقب وضوئي. أقول له قبل أن يتفوَّه: ”أعرف الوضوء!“ يتركني ويبقى على مسافة مناسبة للمراقبة ثم يبتسم بعد انتهائي مُصحِّحًا: ”لا تَنسَ في المرَّات القادمة أن تغسل يديك ثلاثًا إلى المرفقين.“
الشيخ عوَّاد يتلو بعض الآيات القرآنية. يتوقف بعد أن يمتلئ الجامع إلى منتصفه تقريبًا، ثمَّ يُقيم الصلاة. نقف صفوفًا. ننتهي من صلاة العشاء ونوافلها القصيرة، كنتُ اعتقدتُ أنها التراويح وانتهت التجربة، لكني أراهم يجلسون. يطول الجلوس. يُمسكني خالي من كتفي وأنا أهمُّ بالذهاب إلى الشبشب عند الباب. يُغمض عينيه في وجهي ويهُزُّ رأسه بطريقة أفهم منها أن أنتظر. يعود الشيخ عوَّاد يقرأ القرآن ثم تأتي صلاة التراويح، وكلَّما انتهينا من ركعتين بدَءُوا في أُخريين. يترَامَى إلى سمعي أصوات الأولاد والبنات في الخارج: ”حاللو يا حاللو!“ أنظر من الباب القريب إلى الخَلْف فأنسى ركعة. أُحسُّ بكوع خالي في كتفي، فأُكمل مقلِّدًا ما يفعل ويعلو صوتي: ”سبحان ربِّيَ العظيم، سبحان ربِّيَ العظيم، سبحان ربِّيَ العظيم“ وفي السجدة لا أسجُد. أنظر إلى الأولاد من جديد وأحتار في وضعي. كان عليَّ أن أبقى معهم. يكون خالي قد استقام من سجدته. فأسجُد في غير موضع سجود وأرتبك تلاوةً وحرَكةً. أسمع صوت خالي في التشهُّد: ”.. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله...“ أعتقد أننا في النهاية. لكنَّ الأمر يتكرَّر ولا تنتهي الصلاة، فأصطنع حيلةً بأن أعود بقدمي خطوتين إلى الخلف وأغيِّر اتجاه قبلتي إلى الباب، كي أرى الأولاد وما يفعلون وأستكمل التراويح في الوقت نفسه. وهذا ما أفعل. حينما أرى عزّ الدين يهمُّ بزجر عائشة بل يُزيحها إلى الحائط بكَفِّه في قسوة فتقع على التراب مُهانةً، يعلو صوتي من داخل الجامع ممدودًا: ”يا بن الكااالب!“ أتنبَّه على أصوات المصلِّين حولي يعلو بأصوات وأنغام مختلفة: ”والصلواتُ والطيِّبات/ ... عباد الله الصالحين/ ... أن لا إله إلا الله/... ورسوله .../ ... وعلى آل محمد...“ أسمع صوت نحنحات التحذير والزَّجر. في التَّوِّ أندلق على جبهتي ساجدًا ثم أعتدل واقفًا حاملاً شبشبي مُنطلقًا من وسط التراويح والمصلِّين، مُتَّجهًا إلى عزِّ الدين صائحًا في تهديد وغضب بصوت أعلى من المعتاد: ”بتسْتَفْرَد بِعيشة عشانها لوَحْدها يا بن الكلب، ما فيش النهارده صلا ولا تراويح إلاَّ أمَّا أسيَّح دمَّك!“
(ڤيينا في 17- 1- 1996)