جنون الكتابة

جنون الكتابة سارة عبد المنعم اليك أيها القارئ، إعترافات لم أكتشفها قبل أن أصير كاتبة ، أدركت الآن فداحتي ، حين كنت أدس صفحات الكتب بفوهة ( المنقد ) وأحرقها

جنون الكتابة

جنون الكتابة

سارة عبد المنعم

 

 

اليك أيها القارئ، إعترافات لم أكتشفها قبل أن أصير كاتبة ، أدركت الآن فداحتي ، حين كنت أدس صفحات الكتب بفوهة ( المنقد ) وأحرقها ، كي تشعل لي جمرات قهوتي ، وأني كنت مذنبة، حين مزقت صفحات كثيرة لأصنع منها مركبا للعبتي ، أو لأجعلها  قرطاسا للحلوي ، فليغفر لي كل الكتاب جرمي  ، لالشئ سوي أني صرت كاتبة ، أدرك الآن حجم معاناتهم ، فالحروف لديهم مثل الأبناء ، يعتنون بها ، ويتعبون من اجلها ، ينجبونها من رحم الفكرة بكل ألم ، أدركت الآن أن الكتابة ضربا من ضروب الجنون ، تُدخل صاحبها بحالات مختلفة ، أحيانا يتخذ العزلة مكانا قصيا يراود الحرف فيه ، فأفكار الكتابة لاتعترف بالمواقيت ، يحدث أن تيقظك من راحتك لتكتبها ، أن تطاردك الفكرة كلما هربت منها ، يحدث أن تصيبك بالإحباط قبل خروجها منك ، تشعرك بالكآبة ، بالجنون ، بالحزن ، وكثيرا ما تسكنك ارواح ابطال روايتك ، ولن تستريح بعد خروجها منك ، ستعتصرك بالخوف ، خوفا من أن تصير عند القارئ مجرد كلمات ، يقرأها ويرميها ، دون إكتراثه لمعاناتك ، لوجعك بمخاض الحروف ، لتعبك وانت تجاهد لربط الأحداث وتسلسلها ، لإرهاق ذهنك حين تلزمه بإبتداع صورة جديدة  لم يسبقك علي رسمها أحد ، صورة وإن كانت مكررة يجب عليك اظهار مواهبك بأن تجعلها متفردة ،
مرهقة الكتابة ، حين تجاهد بثمان وعشرون حرفا لملآمسة شعور سواك ، لسرد قصة تأسر بها تمعن القارئ ، تكشف بها عن قضايا كثيرة وتوجد لها طرق حل ،  مرهقة الكتابة حين تأخذك من أهلك ، تبعدك عن مناسباتهم ، تشغلك عن واجبات كثيرة ، حتي هيئتك ونفسك ، تشعرك بأنك شخص مختلف ، إن لم يقل عنك الاخرون بأنك مجنون تعاني التوهم ، فبالأمس أمسكت بي أمي وأنا أتحدث وحدي ، بسملت مستعينة بالله لطرد شيطاني ، قلت لها :لاتخافي، أحادث فكرة أريدها لكلماتي المتمردة ، شعرت بخوفها ، لم أكترث لضجرها من هذه الحالة ، حمدا لله اني خرجت من ارشاداتها بأن السهر يضر بصحتي ، وأن جفني المتورم تحفه هالات ، وأن الهزال اصاب جسدي ، فهي تعلم تماما أن الكتابة هي المتهم الأول والاخير بكل تغيير يطرأ علي هيئتي واعصابي ، صرت أتساءل ، كيف يتزوج الكآتب ! أعلم أن الحرف يتملكه بكل لحظة ، وليس هناك بإمرأة ترتضي أن يشاركها أحد برجل حاضرها ، لن تغفر له إن وجدت قصيدة مدح فيها  قوام أنثي فارعة ، فإمرأته قصيرة ، إذن لن تكون هي المقصودة ، ستتهمه بالخيانة ، وتكره القصائد وكل حروفه وربما تحرقها ، ، لتحيل حياته جحيما ، ولن تصدقه إن أقسم لها انه كان يتخيل ،،،هي لن تستوعب أن رجل القلب يحتاج لشحذ خياله بكل جميل ، بكل ما يفتنه ، فنظرة الكاتب تتعمق بالاشياء ، تبحث عن مواطن الجمال ، فالملهمات مجرد لفتة عابرة تحرك  افكاره للكتابة ،، قلت بسري ، ليت زوجاتهم يفهمن إدراك حالة رجالهم المبدعين ، علي إمرأته أن تصير مطيعة ، مطيعة للدرجة التى تنفذ أوامره دون خصام  إن دعاها للخروج خارج غرفته ، أو طلب منها بمنتصف الليل فنجان قهوة ،أو نسي موعد زفاف وعدها بأن يذهب معها إليه،  الكاتب مجنون وما عليها سوي تهدأته ،.( وماهمني برجل الكتابة وإمراته، ) ،قلتها ونظراتي تراقب حالي ، ماهمني برجل الكتابة وإمرأته ، وأنا التي أكتب ، حاولت الخروج من دائرة أفكاري ، ويحي ! أنا الآن بموقع رجل الكتابة ، ولست بإمرأته ، تري ، هل سيطلقني زوجي إن وجد بمنشوراتي قصة حب قصصت فيها وقت جلوسي بمكان لم يكن هو فيه حاضرا ، أقصد ، أن أكتب عن جلسة عشق كانت بوقت الفجر قرب النيل ،، سيشك بأمري ، فلم يصطحبني يوما هناك ، وماذا إن وجد رسائل معجبين بعضهم يشيد بحروفي والاخرون ينصرفون للإشادة بجمال آخر ، مؤكد أن زوجي لن يفهم أن إمرأته الكاتبة معرضة لتحمل كل شخوص تقرأها ، ويمكنها أن تصادف قارئ يعشق ذاتها التى لايعرفها من أجل عشقه لحرفها ، يا إلهي ، زوجي ايضا كان منهم ، نعم ،زوجي هو ذات الرجل الذي كان قبل زواجنا يقرأ حماقاتي ، وأنه قال أنه أحبني من اجل  دواخلي المرهفة التى كنت أكتب بها ، فلماذا يعايرني الآن بالتحول ، لماذا يحاكمني كثيرا بتهمة التغيير ، يقول بأني لم أعد أحمل احساس كتاباتي تلك ، كيف إذن أخبره الحقيقة ، وهل سيفهمني إن قلت له أن أنثي الكتابة ليست هي أنثي الحياة ، بمعني آخر ، أنثي الكتابة لاهم لها سوي إنزال أفكارها وأحاسيسها بورقة ، لتعود بعد مخاضها لطبيعتها ، هي ليست ملاكا ، هي بشر ،  تثور غضبا لأتفه الأسباب ، تعاني احاسيسها المبهمة ،  تقوم بكل واجبات البيت ، ورغم تعبها ، عليها أن تتأهب لمشاركة كاتب مناسبة حفل ، أو مباركة لباكورة إنتاجه ، عليها الخروج لمنتدي حروف ، لمصافحة ألف رجل تحبه من اجل ابداعه ،  لاتهمها نظرات البعض ومآربهم ، هي لاتحتفي برجل سواك ، هذا ليس بتحرر ، وهل يعني الزواج أن يصير بيتها سجن ، أن تترك الحياة وعوالمها كي تسكن بيت الزوجية دون عطاء ، دعها حرة ، إدعمها ، إثبت لها خروجك عن نظرة عقيمة تسرق ثقتها بنفسها حين تتهمها عيون الغباء بأنها إمرأة ( بلا موضوع ) ، الشهرة والمجد والثراء ليست المبتغي ، هي لاتخرج من أجل هؤلاء ، هي تعاني من أجل افكارها ، تريد إثبات موهبة الله بأرض البشر ، هي أم ، أخت ، زوجة ، هي كاتبة ، فلماذا يطلقني زوجي لأني كاتبة تحتاج فقط لزوج يدعمها ، يفهم حالات مزاجيتها المتقلبة ، يراعي حالتها الخاصة ،  يشاور افكارها ، يحتفي بنجاحها ، يثق بها ، يفتخر مثل صغاره بأن سيدة منزله كاتبة ،
بسم الله ، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قلتها كما قالتها أمي بوجهي قبل قليل ، حين تذكرت بأني لم أتزوج بعد ، فلماذا بكت عيوني ، من قرار رجل المجهول ،حين توهمته يهددني ، بأني إن لم أترك الكتابة وجنونها ، سيطلقني ،