ارواح إدو للروائية إستيلا قايتانو

ارواح إدو للروائية إستيلا قايتانو

ارواح إدو "للروائية إستيلا قايتانو..
فك رموز الرؤيا وإشارات المكان...
*عامر محمد أحمد حسين..
تكتب إستيلا قايتانو  الروائية الجنوب سودانية عن حياة مكان ثقافي ،لطالما حجبته الحروب وغُلقت دونه الأبواب ،أستحوذ الجنوب/المكان/الثقافة/ المجتمع ،على حيز ضيق في الذاكرة السودانية ،تقيم على حوافها اركان التمردات، والمطاردات والعنف.ذاكرة الغابة ،وارتال الموتى ،ووتائر الثأرات المتبادلة بين المركز والجنوب المقاتل،تركزت هذه الصورة في كل الفضاء، واصبحت صورة الجنوبي تحوم على ارضية الحرب_التمرد_حامل للسلاح وموقع على ورقة سلام ،تتمزق بفضل العهود الضعيفة ، وتناقضات الدولة في تعاملها مع مواطنيها.تستحوذ على الذاكرة ،حروبات القبائل ،وقوافل الإغاثة ومابعد الإنفصال صورة اضطراب، وحوادث متفرقةو تتفرق بين القبائل الدماء . في ظل هذه الحالة السياسية المخيمة على المكان الجنوبي.تقف "إستيلا "وحيدة أمرأة ساردة ناضجة الرؤية، والخطاب، وقادرة على خلق الدهشة ،وسط رؤيا تحاول ان تستجمع خيوطها متسلسلة في ليالي الأوطان ، واوجاعها التي تتفتق جروحها، في كل يوم وليلة، وبرهة زمن.تنظر كقارئ إلى تجربة" إستيلا قايتانو" بالاعجاب كله وسؤال النقد على وقع ماتقدم من تجربتها ،وهي تجربة مليئة بالنضوج ،والثقافة العالية،ومعرفة حيوات عديدة تظهر في سردياتها القصصية وحكاياتها، التي نشرتها في مجموعة قصصية _زهور ذابلة_ وبعنوان "العودة."وإذا اردنا ان نكتب بداية ناضجة لمسيرة" أستيلا قايتانو"تقف قصة "بحيرة بحجم ثمرة الباباي" عنواناً واضحاً لكاتبة نص مثقف.رواية"أرواح إدو _ الكائن السماوي " بعيداً عن مسيرة دكتورة "استيلا قايتانو" ،القصصية تمثل صورة الرواية  في تجربتها الأولى. للساردة قايتانو، صوت خاص عماده مكان له خصوصية ثقافية ،وأسرار جغرافية ظلت حبيسة معرفة ظاهرية، لم تتعرف على باطنها ولا استكشفت تنوعها في فضاء ثقافة سودانية ،تبدأ من المنبع ،تحيط بها غابات كثيفة الثقافة والأشجار .هذا النص الروائي في تتبع" أرواح إدو "،يرسم لوحة مدهشة لأمراة ،تتحدى المجتمع وهي وحيدة في نزاع الرجل_ والمراة وتنازع المرأة العاطفي، في فقدها لفلذات أكبادها  وهم دون سن العام.عشرة يخرجون من الحياة بعد ان تتآلف مع ارواحهم ،ولكنها تفقدهم ومع الفقد الأليم، تظهر الأم في صورتها الحقيقية، بعيداً عن اتهامات الجنون ،من مجتمع تقليدي ،صورة المرأة عنده من هي محدودة الحركة ،صامتة وتسمع صوت زوجها بأعتباره الأمر الأخير الذي يجب طاعته.ورواية أرواح إدو،كتابة نسوية بأمتياز ونص لاتكتبه سوى انثى ناضجة المعرفة وبالحياة خبيرة .هذه كتابة سردية لاتهاب ولاتخاف القارئ ولا التأويل،تستجيب الساردة لشعورها الخاص ولأحاسيس المجموع،تتحسس خطواتهم ،توثق تاريخهم الخاص في ابعاده المكانية ،والزمانية وتناغم فضاء الذات ،مع جغرافية انسان جنوب السودان وحيزها الثقافي والاجتماعي.
*ماما لوسي وسلسالها..
لاتضع الساردة في رواية" أرواح إدو _الكائن السماوي " غالباً تكرار ماضي إدو ،إلا في حاضر أبنتها ماما لوسي، وسلسلة استطالاتها الزمنية في حاضر ومستقبل اسرتها التي تمثلها لوسي،الناجية الوحيدة"ماما لوسي التي انجبتها أمها"إدو" وحيدة أو بالاحرى الوحيدة التي عاشت من اخوتها العشرة ،الذين كانوا يموتون قبل إتمامهم عامهم الأول ،فعاشت امها آلام الفقد سنيناً عدداً،تتجدد في كل عام بان ينمو الطفل بسرعة كعشبة ضارة ولكن سرعان ماياتي الموت ويخطفهم أثناء نومهم_ رواية ارواح إدو.ص ٩". هذا مفتتح يمثل بداية تاريخ طويل لسردية اجتماعية  لأسرة ومجتمع بنية المكانية، تعيش غرائبية ترسمها في اللوح حكائياً  تواريخ شخصية _صورة المراة وصراعها مع الرجل_وشخصيات تعيش تطورات مجتمعها متنقلة من الريف إلى المدينة ومن المدينة وفيها تعيش من اجل تحقيق توازن اقتصادي، واجتماعي دائم،فتصطدم بشخصيات وحروب و(زمن بطيئاً ) في الحركة يلتف حول نفسه في حركة دائرية. تواريخ مبعثرة: لإدو_ إغينو_ بيتر_ماركو _تريزا_لوسي والأسرة الشمالية عبدالسلام وابن اخيه، وبناته وزوجته.هذه اللوحة تظهر في تفاصيلها كل الصراعات الإنسانية وعذابات تغلف كل علاقة ببينة الاختلاف الثقافي والمسكوت عنه_الخفاض_ابن العم اسماعيل.والتبني__ وهو هنا الاختيار ،ومايلفت النظر في قوام السرد في اللحظة الزمنية لأفتراق بيتر واسرة عبد السلام وان اللوٌم لايقع على اسرة عبدالسلام ،ومعاملتها لبيتر او انتهازية اسماعيل ،بل كل مافي الأمر مع هذا الحب الكبير ،ثمة أسئلة لاتجيب عنها معاملة حسنة أو سيئة ،إنما الذات واحساسها بكينونتها ومقدرتها على بناء مستقبل لاتحاصرة محبة زائدة او هواجس حسد وغيرة.ولحظة شق الطريق وسط تأنيب لضمير النموذج" بيتر" والمقابل الوالد بالتبني عبدالسلام وبينهما إسماعيل
*حضرة الراوي..
يقول الدكتور أحمد الناوي بدري في كتابه"سرديات الراوي والروائي " " وإذا كان لكل رواية من  روايات المهزومون،الشرخ ،بلد واحد،خضراء كالمستنقعات ،خضراء كالحقول للكاتب( هاني الراهب)،.راوٍ   بطل يروي حكايته فإن روايته (رسمت خطاً) قد تعدد رواتها المشاركون ،فكان لكل من اجزائها راو يروي حكايته بضمير المتكلم الفرد ،بأستثناء الجزأين السادس(الخليفة) والعاشر (بلقيس) فقد تولى الراويان فيهما سرد حكايتيهما وحكايات غيرهما فتجاور السرد بضمير المتكلم المفرد او الجمع ،والسرد بضمير الغائب ،اما الشكل الآخر من اشكال حضور الراوي المشارك في الحكاية والذي يكون فيه راوياً شاهداً وليس شخصية او بطلاً يروي حكابته"( (1) أستبطنت إستيلا قايتانو ،بناء الحكاية على تعدد الأصوات دون ان يختفي صوت الساردالعليم او يتجاوز حد الحضور بالتركيز على خطاب سردي ينتمي له وكذلك أعلن النص عن أختفاء صوت المفرد في التحكم الواضح في كل الشخصيات وحتى لاتتيح الساردة لصوت القصة القصيرة التحكم الكلي اتبعت تنقية الحكاية داخل الحكاية مع تتبع حركة الرموز المكانية وإشاراتها في كل لحظة حكي "بعد أيام اخذت إغينو تحادث امها وتلاطفها وتحكي لها كيف انها وقعت وتضحك اثناء تناول حساء السلاحف والسمك،عرفت الأم أنها بدات تشفى وفارقها الألم ،الضحك على الآلام هو علامة على انغلاق الجروح_رواية أرواح إدو ص ٣٥".
*امرأة ومرآة...
في كتابه"التنمية حرية" يقول المفكر البريطاني/الهندي" أمارتيا صن"أن ترتيبات المشاركة والأقتسام داخل الأسرة تحددها إلى مدى بعيد تقاليد مستقرة ،وإن تأثرت أيضاً بعوامل أخرى مثل الدور الاقتصادي للمرأة، وتمكينها علاوة على منظومة القيم السائدة في المجتمع.وطبيعى ان تعليم المراة وتمكين الانثى وتمتعها بحق الملكية لها دور مهم في تطوير منظومة القيم والتقاليد الخاصة بالتقسيم داخل الأسرة .ويمكن ان تكون هذه القسمات الاجتماعية حاسمة للغاية بالنسبة للأنصبة والحظوظ الاقتصادية (من مثل الرفاه والحرية) الخاصة لمختلف أبناء الاسرة " (٢). اسرة مجتمع رواية" ارواح إدو _الكائن السماوي" تفتقد في حياتها المادية، الى الصحة ومثال وفيات الاطفال رغم وفرة اللغة السردية في تبيان الأسطورة والفقد.وتفتقر إلى حياة عصرية وهي في بحث دائم عن الأمان وفي حالة خوف من الحروب والنزوح.ويمثل النص حياة تكافل نتيجة لعوامل كثيرة فإذا قامت المرأة بعنف مضاد لمعالجة عنف الرجل ،واتكأت على حيلة في كسر حاجز الاتهام بعدم الانجاب ،فإن الأشارة من جانب (أمارتيا صن) إلى الحظوظ الاقتصادية مثل الرفاه والحرية ،ترتبط بدرجة تطور حياة سلسال الأسرة، وموقعها في المستقبل إذ ان البداية كلها في حالة اصطدام بمعايير مجتمع آخر او قيم المجتمع الجنوبي الذكوري وتقليدية النظرة للمراة في المنظومة الاجتماعية." لازمت لوسي اللعنة ،لعنة الإسم إغينو ولعنة الامومة فيمابعد كان الناس يضحكون على اسمها سراً ثم جهراً والأطفال يشاكسونها _رغم ان امها سمتها هذا الاسم الكرية لتغافل الموت لكنها كانت تتعرض لمخاطر الموت__ مرة وجدتها أمها مقلوبة في ُقلة ماء وقدميها إلى الأعلى وباقي جسمها غارق داخل الماء __هكذا ظل الموت ينازل أمها ويهوي بقلبها إلى سابع أرض _تعبت إدو من منازلتها للموت ،كان قلبها في كل مرة يكاد يتوقف ،وقررت أخيراً ،قائلة: حزن دائم خير لها من افراح قصيرة__ رواية ارواح إدو _الكائن السماوي _ص ٢٣_٢٤" .احكمت الساردة نسج شخصيات الرواية في منظومة قوامها الابتعاد عن مايكبل الإنسان، ويقولبه في قالب واحد،فيفتقد الحيوية لايزيد على عادية حياة في القول او الفعل لذلك تجد الانتقالات سريعة وعميقة وهي اقرب الى الحياة الواقعية وماهي بواقعية ."كانت تطعم مجنوناً ياتيها كل يوم كنوع من القربان حتى تهش أجنحة الموت عن صغارها ومن ثم اصبح هو الوحيد الذي تحادثه دون ان ينطق يوماً بكلمة ياكل طعامها ويختفي ليجوب شوارع القرية يتلقى اللعنات من الكبار والسخرية من الأطفال _وقف هناك خلف السور يستجدي طعاماً في المساء كعادته،وعندما دلفت الى الغرفة لتأتي له بطعامه دلف خلفها ووقف صامتاً_كان صامتاً ولكن كل شئ فيه كان يتحدث بضجيج_الرواية ص٢٥"  تحولت اللحظة إلى ما اثمر عن " اختفى المجنون وحبلت هي بأغينو التي اصبحت لوسي ولم يسال احد عن أصل الطفلة هي ذكرى من زوجها _بعد ان هجرها من اجل امراة اخرى ليست بها لعنة ولايرابط الموت في بابها" .ظل الموت مع إدو ،في تلازم وهي تموت وتترك لوسي أبنة الاب زوج الأم  نسيها في رحم الام بعد ان هجرها ، او مجنون، لم تعرفه في حياتها "عندما ماتت أمها ووضعت في ذلك الصندوق اللامع بابتسامة ذهبية تكاد تقفز خارجاً عبر الكوة الزجاجية ،جلست صديقاتاها بدموع مالحة على خدودهن _قرب جثتها تهشان الذباب حتى لايحط على التابوت النظيف _اثناء الجنازة اقترب شاب من لوسي _هل تتزوجيني_القت اليه نظرة من خلال دموعها ،لم يكن مألوفاً ،أي لم يكن احد اخوتها الكثيرين في القرية ،بحكم تربيتها في كل البيوت كان الكل اخوتها فلايصح ان تهرب مع احدهم او تتزوج منهم،لم يكن لديها صديق حميم كأغلب قريناتها من الصبيات_ رواية ارواح إدو ص ٣٧"  ابجدية هذه السردية تبدا في اعادة احيانا لحيوات تتمثل في الأم والأب مابين الزوج الغائب، والمجنون واعادة لوسي للحظة اللقاء مع الام، ومابين مجنون ولحظة تشييع وطلب زواج. وعلاقة ،تتحول الدهشة الى حضور دائم  منخرطة في أسئلة الوجود ،والموت ،وشخصيات تعيش حريتها، ولاتتمسك كثيراً بما يتفوه به اهل القرية ومجتمع لديه ثقافة واحلام واخلاق وحاضر ،لاينظر للماضي سوى انه بوابة للمستقبل رغم عنت الحياة."في كل قفزة من رقصة الموت تلك إكراماً لسيدة لشدة مانازلت الموت حتى سعدت به وتقبلته بسلام_امطرت السماء بغزارة ولساعات طويلة غسلت الدموع والرماد _الكل كان يشعر بان هناك دفئاً ينبعث من الأرض وينتشر قليلاً قليلاً كطبقة من سراب ،نامت القرية كلها في ساحة الرقص وحدهما لوسي وماركو كانا في رقصتهما خلف باب الشوك ،الكل حلم ب(ماريا إدو) وهي ترتدي تابوتها ،تلوح ثم تختفي في قرص الشمس التي انفتحت ككوة في السماء ،واخذت تقذف اطفالاً كثيرين يهطلون إلى الأرض كالزغب_رواية أرواح _إدو الكائن السماوي ص٣٨_٣٩" وتعرف القرية ان لوسي قد اختارت ماركو بعد ان هربت معه"وجثة امها دافئة فوق منضدة امام هيكل الكنيسة ،الإ ان الكل غض الطرف عن الحدث نسبة لحبهم الكبير لها ولم يكن في مقدور اي منهم ان يخفف حزنها في تلك الليلة ولكنهم سراً فرحوا وحسدوا ماركو، على استفراده بمواساتها بطريقة اختارتها هي،كانوا يعرفون ان لها فترات خاصة تكون فيها غريبة الاطوار وتتمتع بسلطة مجنون حقيقي يمنع الناس أحياناً من سؤالها وانتقادها_الرواية ص٤١".يقول الدكتور عبد الرحمان غانمي في كتابه"الخطاب الروائي العربي_قراءة سوسيو _لسانية_الجزء الثاني " "وهكذا فإن اهمية الشخصية الروائية في (حريق الأخيلة_رواية ادوارد الخراط ) نابعة من مقتضيات سياق سرودها وليس فقط من عالم الشخصية الضيق والتي تجد نفسها في مواجهة مختلف أشكال الوعي للشخصيات الموازية ،ان الشكل الجمالي لأية شخصية روائية ليس إلا شكلاً من الاشكال الممكنة او المتخيلة ،فالسارد لا يلقن حقيقته او حقيقة العالم لمن يجهلها او لايريدها ،ولذلك فإن الشخصية الروائية لا تتحدد إلا باستحضار نقيضها" (٣).حفلت روايةارواح إدو _الكائن السماوي،بالشخصية، ونقيضها بمبتدأ شخصية إدو، ورفض دفن طفل ميت، وارضاعه ،مابين الشخصية السوية والمختلة ومربط فرس الاختلالات النفسية موت اطفالها بعمر العام ،وهي سنة بداية تكوين شخصية الطفل وتعلق والديه به.وشخصية بيتر ونقيضها إسماعيل وهو مثال للانتهازية في مقابل صوت بيتر وتوقه لتكوين شخصيته الخاصة بعيداً عن أسرة حاج عبدالسلام وشخصية بيتر وزوجته تريزا واستغلالها للوسي في غياب ماركو وبيتر_ في كل محطات حياة لوسي، حاملة لواء إدو من الغابات الى جوبا  إلى الخرطوم،ظلت حالة التضاد مسيطرة على حركة الشخوص بين المدينة والحضر، ولقمة العيش والحرية والاستغلال واستقلال الشخص عن المجموع في الاعتماد على الذات" كانت لوسي تتأمل كل شئ كعادة القرويين محفزة بفضول طبيعي ،كانت تعتقد بأنه ليس هناك حياة او اناس آخرين خلف الجبل حيث منتهى الأشياء_جوبا مدينة صغيرة محصورة في الوسط تماما بين جبال قصيرة الهامة ،القليل من الاشياء المالوفة هنا ،تلك البيوت تشبه التي في قريتها_رواية ارواح إدو. ص٤٩" ."ماركو يخرج باكراً مع صديقه بيتر للبحث عن العمل ولكن دون جدوى .كان بيتر صديقاً نادراً ومسانداً بدون حدود،كان ضابطاً في الجيش ووضعه المادي جيد ولكن هذا لم يمنع ماركو من الشعور بالحرج،فأخذ يخرج وحده يبحث عن العمل_سالته لوسي يوما ساخرة وهي تزيل كتلة من الطين ألتصقت على صوان أذنه:لابد ان العثور على المدينة يحتاج إلى الحفر عميقاً! ماكان منه إلا ان ضحك بصوت عالٍ _أعلم باني كذبت عليك بشان ايجاد النقود ملقاة على الأرض_ رواية ارواح إدو. ص٦٥"


* حدود الأحلام..
تعلقت كل شخصيات الرواية بأهداب تغيير الحياة إلى الأفضل وظلت حالة الخروج من حالة إلى اخري مسيطرة تماماً على كل مخيلة، تراودها هواجس بناء عالم اجمل، ومن مكان الى آخر ومن زمن الى ازمنة مفتوحة حيث الحلم الواقعي، والمتخيل واتخذت الرواية الرمزية الاجتماعية ،والثقافية، والسياسية، نواة لمقامات سردية ومكونة من حكايات داخلية عمدت الساردة، جعلها نقاط ملاحظات للقارئ وبناء عوالم للقراءة مرتبطة بمثال قد تجده في الواقع من خلال صوت معاناتهم، وسيرتهم ذاتية مروية على لسانهم، او الواقع الماثل." ظلت لوسي تنمو كعشبة متسلقة إلى مابعد طفلنا الثالث _ هنا يتجلى صوت السارد ماركو_لم تفقد عيناها لمعة الدهشة والحماس اللتان يتميز بهما القروي الزائر للمدينة_ كان بيت بيتر مضيفة كبيرة لكل الأهل  الاصدقاء والمعارف طلاب العلم الباحثين عن علاج _لم يكن بيتر يتذمر او يشعر بالضيق_ ماركو يجب ان تعلم شيئاً انت بالطبع تاخذ الأمر من الناحية المادية ولكن انا صراحة أحس بالأمان والاكتفاء من وجودك قربي،الرجل يحتاج إلى رجل قربه وانت بالذات الرجل الذي اخترتن لقد شاءت الصدف ان نكون وحيدين في هذا العالم لم لانكون اسرة انت اخي وهذا كل ما اريد_ صوت السارد بيتر.." قلت محاولاً اقناعه: ولكن يابيتر هناك أشياء لابد ان تحدث سوف تكبر هذه الاسرة (احس بالحرج لعدم حصولي على عمل ثابت لأستقل بأسرتي في بيت منفصل لاسيما بعد ان اغرقت لوسي البيت بالأطفال كما تفعل القطط_رواية أرواح إدو  ص٨٤_٨٥" ظل نسق الاحداث في تصاعد ،والحياة تمضي من مكان لآخر ومع تقلص مساحة الاحلام تمسكت الأرواح بكشف حضور داخل واقع ومغادرة إلى دنيا الاحلام ،وكانت تختار الاحتجاب، رغم كثافة تواجد وكانها لاتستطيع مطلقاً الاختفاء " الحصول على رفيق قوى ومخلص حتى لو اضطررت لبنائه من جديد بكل صرامة واصرار كانت واحدة من النظريات التي ورثتها عن ابي عبدالسلام الرجل الذي رباني باخلاص ،ليس لأنني ابن امراة احبها، وكان الاقتران بها يهدد حياته فحسب ،وليس لأنني اشكل تعويضاً لأبن لطالما تمنى إنجابه ،بل نشأني بين يديه بحسابات دقيقة مطبقاً مبدأ الربح والخسارة كأي تاجر حقيقي حتى لا اشقى في هذه الحياة عند أشق طريقي الخاص_( صوت بيتر سارداً حكابته)_ رواية ارواح إدو_ الكائن السماوي _ ص١٣١".ويرى دكتور (شكري عزيز الماضي) في كتابه (انماط الرواية العربية الجديدة"تبدو مسألة التفاصيل في الرواية ،مسألة مهمة وضرورية لدى كثير من النقاد لأنها تسهم في عملية الإيهام بالواقعية ،فالتفاصيل هي بنيات صغيرة جزئية تترابط وتتراكم لتشكل عالماً روائياً مقنعاً وربماً مشوقاً.ووصف التفاصيل وتصويرها يتم من خلال مناهج فنية متعددة تستند إلى فلسفات متعددة لأن التفاصيل (نثريات الحياة) " (٤)" رواية ارواح إدو__الكائن السماوي" للروائية إستيلا قايتانو ،تميزت مع نضج الكتابة ،بأرتياد فضاءات النفس الإنسانية ، في تمردها على السائد والمألوف، واختيارها الحرية كمبدأ في علاقات المجتمع، ومع السلطة السياسية، وبرعت الكاتبة في بناء عوالم سردية، غير مكتشفة باستنطاق المسكوت عنه دون الإشارة اليه صراحة و،تبتعد بذلك عن الخطاب السياسي المباشر  .وقد احاطت ببيتر تفاصيل حياته"شردت بعيني إلى الجدران ،وقعت عيناي على صورتنا الجماعية في الكلية الحربية_ياترى كيف هم زملائي ودفعتي" أسئلة عديدة عن استبداد "واعدام زملاء لتورطهم في مخطط انقلاب_اشعر بحزن حقيقي عندما يختفي افراد من دفعتي في مغامرات الانقلاب واشعر بالخزي والعار عندما يلتحق احدهم بقوات المقاومة في الادغال". وتنتقل الصورة الى مابعد الجدران"عدت إلى لوسي التي فجرت داخلي كل هذه الأسئلة عندما جرجرتني من يدي كطفل لأتفاجأ بانها كانت ترضع الشجرة من حليبها بعد اكتفاء الاطفال ،لا ادري كيف تذكرت أمي فجأة ،وهي تقودني من يدي لتسلمني لعبدالسلام وتختفي إلى الابد_الرواية ص ١٤١". ويستمر صوت بيتر في اللوم للنفس في تركه بناته عند صديقه ماركو وفي توجسه ،من العودة الى اسرة عبدالسلام ،وتسبب (ابن اخيه اسماعيل) في جرح غائر، لم يندمل "انتظرت ماركو بفارغ الصبر وقلت له أحتاجك لتذهب معي لأزور ابي عبدالسلام لم يكن ماركو يعرف الكثير من التفاصيل عن أسرتي_فتح الباب فجاة _قال بصوت جاف خالي من الترحيب:
نعم!
لقد تذكرته إنه إسماعيل ابن شقيق عبدالسلام  _لقد كبرت يااسماعيل،يبدو ان الحياة تطاردك بشراسة حينها جحظت عيناه ناطقاً:
بيتر ،غير معقول_ قالت امي فوزية:
ابوك مريض يابيتر ،مريض جداً." يتذكر بيتر في صعوده سلالم للوصول الى ابيه عبدالسلام ،قصته مع (تحية) وماحدث من مغامرة، كادت ان تتحول الى فضيحة ،ومع ذلك استغلها اسماعيل للوصول إلى تحية وتمزيق صورة بيتر داخل الاسرة..احتوت الرواية على تفاصيل كل شخصية في بناء سردي متكامل، ومصائر مختلفة، وسيطرة كل زمنية سردية على ايقاع خاص بين إدو_ ولوسي وبيتر _وتريزا وماركو_ واسرة عبدالسلام وتحية واسماعيل وفوزية وجلاء وحسن ولم تغفل عن رسم ملمح سردي لكل شخصية وإذا كانت إدو ولوسي يمثلان رباطاً بين الازمنة والامكنة فإن بيتر ،كان الرابط بين زمنين وثقافتين وملمح  لنواة تواصل بين كيانين ظلا في حالة حرب وسوء تفاهم ويكاد احيانا ً يصل إلى  المأساة."اكتسبت ماما لوسي هيئة جنائزية بعد سفر تريزا واطفالها لقد اصابها فراقهم في مقتل ،احست بالعجز التام،رغم انها كانت كعادتها لاتعوزها خبرة في امر تدبير المنزل وامورنا_اجترحت اغنية لافتقاد تريزا:
ناجيتك تريزا ،ناديتك يا اختي
لاهمس لك سراً
ناجيتك تريزا،ناديتك يا اختي
لنلعب معاً_ رواية ارواح إدو _الكائن السماوي. ص٢٥٤" ومع  بلوغ ماريا إدو مرحلة اكتمال الانوثة ابلغتها ماما لوسي بوصولها مرحلة الاستعداد" للامومة"_ تقول إدو:لن يتردد الرجال في قتل أحد طالما العقاب لاينالهم مباشرة"


*المراجع...
١/رواية أرواح إدو_ الكائن السماوي_ أستيلا قايتانو_دار رفيقي للطباعة والنشر _جوبا جنوب السودان.ط ثانية ٢٠٢٠م.فازت الرواية  بجائزة القلم البريطانية  عن الأدب المترجم ٢٠٢٠م
٢/كتاب سرديات الراوي والروائي. ص ١٧.د احمد الناوي بدري.ط اولى أبريل ٢٠١٦م.دار الحوار_سوريا.
٣/كتاب التنمية حرية.ص ٢٨٦.د.أمارتيا صن،ترجمة شوقي جلال.ط اولى٢٠١٠م_الهيئة العامة للكتاب _سلسلة العلوم الاجتماعية_القاهرة مصر.
٣/الخطاب الروائي العربي _قراءة سوسيو _لسانية _ص٣٩. جزء ثاني _عبدالرحمان غانمي _سلسلة كتابات نقدية _الهيئة العامة لقصور الثقافة ط اولى ٢٠١٣م.القاهرة مصر.
٤/أنماط الرواية العربية الجديدة ص٦١.د.شكري عزيز الماضي. ط اولى سبتمبر ٢٠٠٨م.عالم المعرفة _الكويت.