كتاب(العقل الرعوي) للنور حمد(4) *عامر محمد أحمد حسين.

كتاب(العقل الرعوي) للنور حمد(4) *عامر محمد أحمد حسين.

كتاب(العقل الرعوي) للنور حمد(4)
*عامر محمد أحمد حسين.
يقول الدكتور النور حمد في كتابه(العقل الرعوي-في إستعصاء الإمساك بأسباب التقدم) "بقي اسم كوش في السرديات التاريخية التي غطت منطقة وادي النيل ،فعلماء المصريات انشغلوا  بمصر السفلى ،وأهملوا "نوبيا" أو"كوش" التي يمثل جزء كبير منها ماتسمى مصر العليا لقد عدت الآثار الكوشية مجرد صدى للفعل الحضاري في أسفل مجرى النهر .ويصيف حمد: من الكتب المجهولة التي خرجت بكوش من بؤرة التعتيم المتطاول ،كتاب الكاتبة الأمريكية دروسيلا هيوستون الصادر في1926.وهو كما يظهر من تاريخ نشره كتاب قديم بقي مهجورا ،لم يجر الالتفات إليه في زمانه--مؤخرا تزايد الالتفات إلى هذا الكتاب المهم خاصة في أوساط الأمريكيين المنحدرين من أصل أفريقي"1. شملت دراسات عديدة تاريخ السودان القديم  من أجانب او باحثين مصريين وسودانيين ،والمعيار علمي بحت ليس فيه هواجس بأخفاء تاريخ واظهار تاريخ آخر ،لسبب بسيط هو التكامل الجغرافي والثقافي،والديني،إذا لم تنشأ عقد الراهن،ولم يدخل الاستعمار من باب التباينات ..ويشير الدكتور النور حمد إلى" تقول هيوستن لقد قدمت الشعوب الكوشية للعالم ،علم الفلك ،والعلوم الأخرى التي تناسلت واتسعت وتواصلت حتى وصلت زماننا هذا ،يضاف إلى ذلك أن الشعوب الكوشية أنشأت نظاما وشبكة تجارية ربطت أطراف الأرض ببعضها ،كما أنهم تفوقوا في المهارات المهنية والصناعية والزراعية .إن الحقب التي شهدت نشوء وازدهار الحضارة الكوشية كانت سابقة بكثير لزمن الشاعر الإغريقي هوميروس،أما الفتوحات العظيمة للعالم القديم التي تنسبها الكتب المعاصرة للسلالة السامية،فليست سليمة أبدا ،فهي في حقيقة الأمر ،من منجزات العرب الكوشيين وليست من منجزات العرب الساميين،الذين أتوا في وقت متأخر ،فهذا خطأ تاريخي جرى به إلحاق العديد من الشعوب الحامية بالسلالة السامية2"-؛ وإذا نظرنا إلى تصنيف هيوستن ،وجود سلالة كوشية عربية ،فإذا مال القول إلى السلالة سامية أو حامية ،وجدنا ان العالمية التي يستبطن النور حمد ،تأكيدها تعيده إلى نظرية الكاتبة الامريكية وقولها بالأصل الكوشي-الحامي- وهو مايمكن أن نسميه إسقاط راهن الكاتبة في مجتمع أبيض عنصري ولكن السؤال من قال بأن(الساميين من البيض).. سأورد نصا طويلا يجد القارئ في ثناياه الأجابة الشافية لكثير من الأسئلة التي حفل بها خطاب كتاب العقل الرعوي .والنص  للمفكر السوداني الراحل  محمد أبوالقاسم حاج حمد من كتابه (السودان المأزق التأريخي وآفاق المستقبل-جدلية التركيب--المجلد الأول.)"قد يهمل الكثيرون دراسة التجربة الحضارية لكوش تحت وهم أنها حضارة سادت ثم بادت ،أو أنها لبس لها الأثر(الحي) في موروثنا الثقافي المعاصر .وهناك توجيهات أخرى لاتخلو من غرضية ساذجة حيث تنزع للتقليل من أهمية دراسة الحقبة تحت وهم أن ابتعاث الكوشية القديمة هو ضرب من تأصيل العودة إلى ماوراء العروبة والإسلام .وتقابل هذه التوجهات أخرى (معاكسة) ترى ضرورة ابتعاث الدراسات الكوشية لشد السودان إلى ماوراء الحقبة العربية الإسلامية.وفي خضم الصراع بين الفريقين تضيع حقيقة أساسية وهي أن تجربة كوش الحضارية هي الأوفر حظا من بين كل تجاربنا الحضارية التاريخية للإجابة على نسبية التفاعل الحضاري حينما يكون هذا السودان في حال الاستمداد من مصر وخلفيتها المتوسطية كما كان عليه حال(نبتة) ،ثم حين يأخذ السودان بهذا الموروث المتوسطي ويندمج به في الإطار الإفريقي كما كان عليه حال(مروى).(3)ويصيف المفكر أبوالقاسم حاج حمد : فنبتة هي رمز الارتباط بالشمال المتوسطي كما أن مروى هي رمز الارتباط بالعمق الإفريقي ،فحين نحاول في سنواتنا الراهنة معالجة تحديد الهوية السودانية وتفاعلاتها -عربيا وإفريقيا- فإنه لاغنى لباحثينا عن التوقف لدى الحالة الحضارية (750ق.م-590 ق.م) حيث كان الأثر الشمالي المتوسطي هو المهيمن على التمثلات الحضارية،ثم تحولت إلى(مروى) في وسط السودا590.ق.م--350.ق.م) ووقتها تم التداخل مع المحيط الإفريقي الذي أعطاها خصائص هوية مميزة ،خصائص اختلفت من حيث التوجهات الثقافية والروحية والنظام الاجتماعي من حيث المصرية الصرفة.(4) وأشار المفكر الراحل أبوالقاسم حاج حمد  إلى'إذن فكلما أتجه مركز الثقل الحضاري إلى الوسط الذي تحيط به الأرجاء الإفريقية غربا وجنوبا وشرقا ،كلما مالت هويته للأخذ بمعطيات التكوين الإفريقي ،غير أن هذا الذي قلناه ،والذي يبدو أشبه بصياغة قانون لتفاعلات الشخصية السودانية بين القطبين العربي والإفريقي ،يجب ألا يغيب عنا حقيقة أساسية أخرى ،وهي أن مروى هذه التي تفاعلت بالمحيط الإفريقي ووضعت أسس توسيع الشخصية السودانية ضمن تعدد إفريقي لم تستطع أن تستمر في أداء هذا الدور التاريخي الحضاري لأبعد من عام350 م،حيث انهارت تحت ضربات الغزو الأكسومي الذي شنه(عيزانا) بسبب الصراعات مع مروى حول البحر الأحمر والنفوذ في المنطقة(5) ..ويمضي


 . المفكر الراحل محمد أبوالقاسم حاج حمد إلى القول" ولعله بدراستنا لأسباب انهيار تجربة مروى المتفاعلة إفريقيا مايوضح لنا مأزق دعاة البعث الإفريقي وتشكيل الشخصية السودانية على هذا النمط (الأحادي الجانب) فمروى الآخذة من (نبتة) الآخذة بدورها من مصر ،لم تستطع ضمن موقعها الإفريقي أن تطور نموها المادي(الاقتصادي والاجتماعي) بمستوى يتكافأ مع دورها الحصاري المركزي الجديد ضمن محيط إفريقي متسع ومتعدد البناءات ،قد فقدت مروى تواصلها مع العمق المتوسطي الشمالي (نبتة--مصر) ودون أن تطور ذاتيا قاعدة مادية حاملة لمركزيتها الحضارية الجديدة في إفريقيا ،فضمر الأثر الحضاري في تكوينها من جانب ولم تستطع بناء مقوماتها المادية من جانب آخر فكان مصيرها الانهيار تحت ضربات الخصم الأثيوبي لقد صمدت حضارات البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى وجنوب الجزيرة العربية طويلا لأنها قد دامجت بين نموها الحضاري وما أحدثته من تطور في وسائل الري ومعدات الإنتاج وأساليبه ،فراكمت قواها الطبقية (ملوك/كهنة/محاربون) فائض قيمة وصلت به إلى مرحلة بناء الأهرامات وإقامة السدود وأبراج بابل وأسطول الفينيقين(6).ويضيف المفكر  محمد أبوالقاسم حاج حمد"أ أما مروى التي عايشت موروثا ثقافيا متقدما حملته من(نبتة--مصر) إلى البيئة الإفريقية دون أن تصاحبه بنمو اقتصادي واجتماعي يستقطب بفعالية مركزية قوية تلك الأرجاء المحيطة ،فقد عجزت عن الأستمرارية ،فالتاريخ الكوشي بحقبتيه النبتية والمروية إنما يعلمنا ضرورة أن نستصحب عمقنا المتوسطي بما يؤمن التجديد المستمر لحيويتنا في الموقع الإفريقي فلانفقد الإسناد الذي يعزز قدراتنا على الإنفتاح الإفريقي الإيجابي ،ومع إضافة عوامل النمو الاقتصادي والاجتماعي ،دون ذلك تصبح توجهاتنا الإفريقية حرث في فراغ التعددية الهلامية،بل ينمي ذلك تلك الأنماط التي بدت معروفة من السلبية الانعزالية التي تكون الإفريقية أولى ضحاياها حين تفقد هذه الإفريقية التواصل مع العمق المتوسطي كما حدث في تجربة مروى .فمأساة مروى إنها قد خضعت لاستقطاب عكسي أدنى حظا في مقوماته الحضارية من الاستقطاب الذي أوجدها أصلا ،ووقتها كانت ضربة (عيزانا) ثم تمزقت مركزية الموقع السوداني فلم يعد بمقدور الكيانات المجزأة التي خلفت مروى الحفاظ على شخصية السودان الحضارية القديمة"(7) إنتهى قول الراحل الكبير محمد ابوالقاسم حاج حمد..
أولا: اوردت هذا النص الطويل من كتاب الراحل أبوالقاسم حاج حمد ،لأن فيه القول الفصل على كثير من اجتهادات الدكتور النور حمد ،وهي اجتهادات ترفل في بحار الأشواق وليس بينها والواقع القديم والجديد إلا واقعية سحرية،تسرد ما لاعلاقة له بحوادث التاريخ وتشعبات ماضي قريب وحاضر..ارتكزت رؤية الدكتور( النور حمد) على عكس مقولات وافكار الراحل ابوالقاسم حاج حمد وتبنيها بعد عكسها تماما وقراءتها مقلوبة و(مشقلبة) فإذا كان الجذر الكوشي الذي يبحث عنه في مروى ونبتة يؤكد الراحل أبوالقاسم حمد أنه(الاوفر حظا من بين كل تجاربنا الحضارية التاريخية للإجابة على نسبية التفاعل الحضاري في السودان حينما يكون هذا السودان في حالة الاستمداد من مصر وخلفيتها المتوسطية) فإن الدكتور النور حمد - إذ يرى في مصر كل بلاء ويعزز ذلك بكتابات وكتب ويردد مقولات لاتنظر إلى تاريخ وادي النيل المشترك نظرة ايجابية ابدا. وهو القائل في كتابه(لماذا يصحو مارد الجبل ويغفو مارد السهل؟!)  "هناك أرض بكر في مايتعلق بروابط أكسوم وكوش وماتشكل منها وتحدر عبر شعاب التاريخ .هذه الأرض البكر أخذت تكشف عنها الكشوف الأثرية والمقاربات التاريخية الجديدة .هذه الأرض البكر لاتزال في انتظار ان تستكشف مجاهيلها .فنحن في مايبدو لي بحاجة إلى العبور من مجرد التعريف بالروابط التاريخية والتفاعل التاريخي إلى الحفر العميق الذي يتلمس هذا التشابه بين شعبي الهضبة والسهل الاوسط من وادي النيل من حيث اساليب العيش والمزاج) (8) ويستكشف الراحل ابوالقاسم حاج حمد ،مجاهيل العلاقة بين كوش واكسوم ويقول:"أنهارت مروى تحت ضربات الغزو الاكسومي الذي شنه (عيزانا) بسبب الصراعات مع مروى  حول البحر الأحمر والنفوذ في المنطقة--قد فقدت مروى تواصلها مع العمق المتوسطي الشمالي(نبتة-- مصر)---فضمر الأثر الحضاري في تكوينها من جانب ولم تستطع بناء مقوماتها المادية من جانب آخر فكان مصيرها الانهيار تحت ضربات الخصم الأثيوبي"(9)
ثانيا: إذا ماقال الدكتور النور حمد،في تنكر انه يختلف مع رؤية الأستاذ ابوالقاسم حاج حمد في رؤيته حول سوبا ،فإنه فيما يختص بالإرث الكوشي يتبني مايعن له ويعنيه في مقولات ( حاج حمد)  ثم (يغلف) ما اخذه  عن القراءة (القاسمية ) لكوش ، بكتب اجنبية تحدثت ايجابيا عن كوش ودورها الحضاري والمعلوم بالضرورة ان كتاب الاستاذ المفكر محمد ابوالقاسم حاج حمد (السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل --جدلية التركيب)صدرت طبعته الأولى في العام1980م -- والثانية1996.. 
وصدر كتاب الامريكية السوداء دروسيلا هدلستون في العام1926.ويريد بذلك النور حمد الايحاء للقارئ انه يعود إلى الثقافة الغربية البيضاء والسوداء في ثبت فهرس معرفتها ومظانها الثقافية، ولكنه لم يقل لنا متى قرأ كتاب هدلستون وبكل المقاييس لن يكون في العام1926.وبالتالي الثابت تعرفه على كتاب محمد ابوالقاسم حاج حمد 1980م
ثالثا: وصف الاستاذ الراحل ابوالقاسم حاج حمد ،من يقول : قد يهمل الكثيرون دراسة التجربة الحضارية لكوش تحت وهم انها حضارة سادت ثم بادت ،او ان ليس لها الأثر(الحي) في موروثونا الثقافي المعاصر -- وهناك توجهات لاتخلو من غرضية ساذجة حيث تنزع  للتقليل من اهمية تلك الحقبة تحت وهم أن ابتعاث الكوشية القديمة هو ضرب  من تأصيل العودة إلى ماوراء العروبة والإسلام.وتقابل هذه التوجهات أخرى( معاكسة) ترى ضرورة ابتعاث الدراسات الكوشية لشد السودان إلى ماوراء الحقبة العربية الإسلامية..والفقرة الاخيرة (شد السودان إلى ماوراء الحقبة العربية الإسلامية)  أساس مشروع النور حمد..والمعلوم بالضرورة، ان (الراحل المفكر محمد أبوالقاسم حاج حمد،)كتب كتابه قبل صدور كتاب (من دفع للزمار) 


-نواصل..