في ذكراه السادسة عشر  

في ذكراه السادسة عشر   زهاء الطاهر :وين ياحبايب أيامنا الجميلة.  الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد  في الخامس والعشرين من مارس2004م، رحل عن عالمنا القاص والكاتب والصحفي زهاء الطاهر، انطوت الأيام سريعا وانقضت في عجالة و كان الراحل  زهاء جميلا في كتابته، وسخريته، وصاحب صوت شجي طروب. قال لي يوما:صوتي مجاز من الإذاعة، إلا أنه أختار غناء الحروف ودوزنة السرد. لزهاء في حياته وسرده القصصي، خاصية الإصغاء للناس، لأبطال قصصه، رغم ديكتاتورية القاص والتى لاتظهر إلا عند الكاتب الحاذق وخاصة في القصة القصيرة إذ ترفض الشريك او صديق البطل، إلا أن زهاء الطاهر، يعمل في قصصه على خلق مجتمع كامل، ثم يحكم السرد لإظهار الاختلاف. حينما يدخل" زهاء " المدينة، تبدأ حكاياته الصغيرة، مع صديقه أحمد عيسى، يتناول معه الشاي أو الإفطار، إذا خرج من بيته"باكرا "واحمد عيسى

في ذكراه السادسة عشر  

في ذكراه السادسة عشر  
زهاء الطاهر :وين ياحبايب أيامنا الجميلة. 
الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد 


في الخامس والعشرين من مارس2004م، رحل عن عالمنا القاص والكاتب والصحفي زهاء الطاهر، انطوت الأيام سريعا وانقضت في عجالة و كان الراحل  زهاء جميلا في كتابته، وسخريته، وصاحب صوت شجي طروب. قال لي يوما:صوتي مجاز من الإذاعة، إلا أنه أختار غناء الحروف ودوزنة السرد. لزهاء في حياته وسرده القصصي، خاصية الإصغاء للناس، لأبطال قصصه، رغم ديكتاتورية القاص والتى لاتظهر إلا عند الكاتب الحاذق وخاصة في القصة القصيرة إذ ترفض الشريك او صديق البطل، إلا أن زهاء الطاهر، يعمل في قصصه على خلق مجتمع كامل، ثم يحكم السرد لإظهار الاختلاف. حينما يدخل" زهاء " المدينة، تبدأ حكاياته الصغيرة، مع صديقه أحمد عيسى، يتناول معه الشاي أو الإفطار، إذا خرج من بيته"باكرا "واحمد عيسى، له من الأفكار، مالا أستطيع البوح به، فلسفة كاملة يؤمن بها ولايخشي إذاعتها. وعيسى "كهربجي" يضع أمامه أدوات عمل الكهربجي، ويتحدث بلسان صدق في كل مايدور في الكون وعن نظريات واشخاص ومواقف. ويجلس أحمد عيسى، في مكان ضيقة مساحته، بجوار "سوق زنك الخضروات واللحوم "وهو مكان عمره أكثر من قرن ولكن حكومة الإنقاذ، خوفا من تجمهر الناس في هذه البقعة التاريخية، لم تجد للانفكاك من خوفها سوى، ازالته وتحطيمه. لأحمد عبسي، صولاته وجولاته، وأسلوب جميل في طرح مقولاته. قال لي زهاء:عايز تتعرف على شخص مختلف، تعال معى وكان أحمد عيسى، الذى خطفه الموت قبل زهاء باعوام. لزهاء الطاهر، طريقة في العمل الصحفى، ترتكز على حرية المحرر، في اختيار المواضيع وكيفية تنفيذها، ولايتدخل إلا في اختصار

عنوان، أو بعض مايراه في بعض الكلمات واستبدالها مع بقاء المعنى. في أحد الأيام، طلب منى الراحل زهاء، تجهيزات لمواد صحفية والحضور مبكرا إلى وسط الخرطوم، وكان أن حدد المكان بفندق "أراك ". وجدته منتظرا وكان الفندق قد تم إغلاقه، وكان منظره بعد الإغلاق، عنوان لضحك متواصل، لتعليقات "زهاء" وعن تشويه، قلب الخرطوم، وسلبها الحياة، ونحن في الطريق، كان يزداد ضحكي، ورجوت زهاء أن لايذكر الفندق وماحاق به ونحن في طريقنا للصحيفة، ولكن هيهات، تحولت السخرية إلى جميع الأمكنة وأخذت الصحف نصيبها وكذلك دولة الإنقاذ. استقبلتنا الصحيفة بترحاب، ومايشبه الاتفاق، إلا أن أحد "القوارض"ممن يجيدون "الحفر " استخدم كل مواهبه في الفوز بالوظيفة. وكانت هذه الحادثة، عنوان سخرية لم يحن أوان سردها بعد.  التقيت  من جديد ( زهاء)في صحيفة الخرطوم. 
وين ياحبايب
قد يكون عنوان المقال، مستغرب، إلا أن المجموعة القصصية الأخيرة التى نشرها الراحل زهاء قبل عام من رحيله، كانت مع سردية الحياة تصطحب معها، الموت، والعالم الآخر، وشفافية حروف زهاء وتصوف المبدع، ونظرته في التسامح والتسامي والمحبة، وفي حب الفقراء ومحبة البساطة والبسطاء. يقول الدكتور حسين خمري، في كتابه "نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الدال" "إن الاشتغال على اللغة -وباللغة -في النص الأدبي ضروري جدا، لأن كل ابداع، كما قال أحد فلاسفة اللغة، يعتبر حدثا مهما في حياة هذه اللغة لأنه يعيد صياغة تراكيبها ويولد انساقا تعبيرية جديدة ويخلف لالفاظها سياقات لم تعرفها مت قبل، وفي نظر اللسانيات الحديثة، يعتبر النص أو الخطاب، واللغة تجسيدا حقيقيا لعلاقة الدال بالمدلول كما هو عند "دوسوسير" وهو أيضا ترهين واستعمال وظيفي لهذين المفهومين -ومن هنا يمكن أن نقول إن كل نص هو عبارة عن منظومة لغوية لها قوانينها وآلياتها، وترهين لألفاظها في سياقاتها المختلفة، ويضيف دكتور حسين خمري، وبهذا المفهوم يصير كل نص اسطورة،) إن كل نص هو اسطورة فعلا وباعتبارها لغة، فإنها تحيل إلى واقع. والاسطورة مثلها مثل الرمز فإنها تحيل إلى مرجعها)" وزهاء تتوافق سردياته مع ماذكره دكتور حسين خمري.


صدرت مجموعة "وين ياحبايب"  للراحل زهاء الطاهر عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي في العام 2003م، قبل عام من رحيله، وتعد هذه المجموعة القصصية "عمدة"كتاباته السردية، اشتملت على واقعية وواقعية سحرية وتجريب يصل إلى كتابه نصية جديدة في مفهوم الكتابة وامساك  اللغة بكل خيوط السرد.  وظاهر وباطن خطاب، تتعدد مداخله في النص المفتوح الذي يجيد زهاء كتابته. سيرة المكان وجمالياته في الطبيعة والانسان، المكان كمكون ثقافي وعقلي في مجتمع التنوع، سيرة الأصدقاء، محبتهم، نزقهم، سعادتهم، تعاستهم، تمردهم، أحلامهم. الفضاء المكاني "الفسيح "التمرد ضد كل سلطة، تحد من الخيال وتقتل العقل. الزمن الجميل ماقبل تسلط عهود الخيال المحدود والخبال. التسامح في أبهى صوره "تسامح المجتمع مع ذاته والآخر "تسامح الناس مع بعضهم، الاندماج بين مكونات المجتمع. "ضحى كنت مرتديا جبة الشرود الشهي والتسكع الخصيب، متزينا ببعض الفراغ الجم، تناثرت في دروب السوق الكبير بغير قصد حتي وصلت قدح النبي. في وسط السوق تماما كان قدح النبي. . لم أشمر عن أي شئ لأبرك كما تفعل النوق، وكما ينبغي لأحاصره. لم أفعل شيئا لكنما من غير تريث ولاتمهل ولاترتيب حاصرني السعال وحاصرنى الغناء في آن. داهمني عصاب الغناء فأوجست خيفة وهممت بالخروج من كل شئ، تأبطت في عجل قدمى، وانبت عليها ريشا فجريت بهما قليلا ثم طرت أبغى خلاصى من لهاتى، من عقيرتي، عقيرة الجموع، الباعة تحدق بي وتفريني. نزلت في طرف سوق النسوان من جهة الجفيل، لم ار جفيلة (وسيبقى هذا نقطة الهامي وشوقي )ولمحت سيارة اجرة صفراء لونها لاتسر احدا..  أدخلت أصبعين من أصابعي العشرين في فمي حتي مشتل حلقي فتلوي مطلع الغناء ونفخت بجمع قواي مصدرا صوتا، توقفت على إثره السيارة -فتحت بابها ودفعت بجثتي المسكينة لداخلها، لكنما الغناء سبقني اذ دخل قبلي وتحكر قرب بابها الإخر، هتفت بالسائق ولم أره حتي لحظتي:طر بي حتي  (الرديف)وحتى  (أرفع صدرك)هناك قرب سوق المواشي وعبده هشابه وحاذر ثم حاذر أن تلهيك مابمكن أن يلهي مثيلاتك وأمثالي"-

نص  -وين ياحبايب أيامنا الجميلة. ). تسطع في كتابات زهاء الطاهر، شمس اللغة والمكان ، سوق ومكابدة الحياة، السفر والحرية، الرحلة المفتوحة سرديا بين اعمدة المأساة والملهاة. يتعرف زهاء، على المكان، بخبرة السارد العليم، السوق  (قدح النبي ) الناس في سعيهم من أجل الرزق، رحلة الغناء داخل هذا المكان، إذ لامكان للغناء، ثم رحلة إلى(الرديف) المكان، الحرية، مداهمة الغناء عقب الخروج من المكان الأول، هذه الرمزيه تمثل مدماكا سرديا ناصع، في مخاطبة المكان والزمان والناس. وتستمر تجليات الحكي في رسم صورة  (سامي وسلمي)في نص (وين ياحبايب) "كنت وسامي (دائما أنت وسلمى ) سألني بفرح أبوها، كنا بغرفتها نستمع لمطرب متشرد، أضللته جمرات الليالي وصلف الحبيبة، أسرنا غناؤه وصادنا الطرب كله، كنت وسلمى وصوت المغني حين دخلت علينا بحجرتها طائرة جديدة يقودها صديق لنا. دار أول مرة بطائرته في أركان الحجرة، وكنا مشدوهين مشدودين ننظر إليها حين هبطت على أمامنا فوجدنا الحجرة بابها مغلقا.. 
-من أغلق الباب ليغلق العمر بعده؟ 
وسلمى قالت لي:هي حتما أحدي طائرات العدو"
عوالم زهاء، سحرية، تماثل في الشرود، دخول طائرة حجرة، وغناء مطرب متشرد، اضللته جمرات الليالي وصلف الحبيبة، وهذه العوالم تحكي عن فلسفة سردية، لها مناجاة مع الواقع وهروب من قيوده، و مصادرة  حرية، بطائرة اعداء يدخلون للإنسان في حجرة بيته. ولربما يتذكر من اطلعوا على كتابات زهاء، في الصحف، أن هذه الكتابات، رغم روح السرد القصصي التي تحكمها، كانت تحمل آراء في السياسة والمجتمع، ونقد للحالة السياسية والاجتماعية في تلك الفترة، وإن كانت رمزيتها العالية، تبعدها عن عين الرقيب. 
أيامنا الجميلة
في مجموعة "وين ياحبايب أيامنا الجميلة" نقرأ نصوصا، تحمل، سمات سرد زهاء ولغته الشعرية الكثيفة، التي لاتحجب السرد، إنما تضئيه، وفي نص (يا أهل الحضرة.. وأنا..هل هذه )"لاتطلقوا سراحي ابدا يابعض أهل الله، لاتطلقوه ولتظنوا بي ماتشاءوا ومايروق لكم ويريبني ويبرأني، جعلتهم يتلفتون حولهم يبحثون عن سري وجهري، ليلمسوا حقيقتي وحقيقة  الأمر.. فلما اوهنتهم، ولم يجدوا شيئا عادوا ليحكموا وثاقي، ليحكموا قيدي، ثم أشبعوني ضربا وركلا، فلما ظنوا بي الموت، رموا بي خارج أسوارهم، رموني بعيدا عن  كل اشيائهم، وبعد ذهابهم تركوني وذهبوا، واستطعت بعدهم أن أنهض، واشق طريقي إليكم، اوصلني الشوق حتي هنا، وحتى الآن، أتيت قبل أسبوع واحد، ولكني حتما سأرجع في أصيل الغد أو في صباح الغد، أو في منتصف نهار الغد، إذ لابد من رجوعي لأتم اعوام القرن.. قرني، سأعود قبل دلال الليل وتسكعه وهي  ربما كانت المرة الأخيرة بالنسبة لي".. ظل زهاء الطاهر، وفيا في سرده إلي روح القصة القصيرة، في القبض على لحظة قصيرة زمنيا واعمال السرد في تقصي هذه الجزيئات المتناثرة وبعد ذلك  تشكيلها في صورة متكاملة، يحتكم أحيانا إلى الذاكرة الواقعية إلا أن صوت الخيال يكون دائما واضحا ومستندا إلى روح حكاء كبير. هناك عناوين أخري في مجموعة "وين ياحبايب"، المهر الذي انكسر، الحمريطي، البقاري، شامة، شئ لله ياحسن موسى، الجن الكلكي، هي دنيا تحجل في رونقها، يوم طهرنا الولد عميان ضر، سيدي، حين وقع القمر، نخب الأيام المضيئة، أبي، واد السايطة، فاطمة، أصل الحكاية، خليل الزرعي، الأقرع.  وآخر نص (الرحلة) "والمرأة التي كانت بجانبي هي التي ايقظتني حين توقف الباص. قالت لي وهي تبتسم في رضي :لكم كانت الرحلة طويلة، ياابني ومملة، لكن الحمد لله فقد وصلنا رغم كل شئ. وسألتها بفرح : احقا وصلنا؟! شكرا لله. اتسمحين لي بتناول حقيبتي، أشكرك. مع السلامة. وحين كنت أغادر البص سألتني :  ومتى تعود زهاء؟!  قلت وأنا أتأبط حقيبتي: لا أدري ياخالة، لا ادري، لكن حتما سأعود بالبص، فالقطارات اكثر مملا. بالباب استدرت نحوها وفي حياء سألتها :عفوا ياخالة أتعرفين أسمي؟! اتعرفينني؟! فرهدت أجمعها. كانت جميلة. وكانت تتمتع بذوق رفيع، وبخبث أيضأ "