عيسى الحلو.. المستنير *ذكرى رحيله الأولى  *عامر محمد أحمد حسين.

عيسى الحلو.. المستنير *ذكرى رحيله الأولى  *عامر محمد أحمد حسين.

عيسى الحلو.. المستنير
*ذكرى رحيله الأولى 
*عامر محمد أحمد حسين.
-فقد السودان  في الخامس من يوليو 2021م  علما من اعلام الفكر والثقافة والادب برحيل الاستاذ عيسي الحلو  .وبرحيله فقدت الساحة الثقافية رمزا من رموزها على مدى خمسين عاما ظل فيها وفيا للثقافة والكتابة والمعرفة..
يسمح المفكر السارد "عيسى الحلو" لكائناته السردية العيش تحت صراعها الاجتماعي بحرية تامة مع استقلالية مبهجة ومبتهجة, في ممارسة السياسة على طريقتها دون إظهار لخطاب مباشر فج أدمنته كتابات. وتبتهج هذه الكائنات الخيالية في واقعية شخوصها وسؤال الذات لذاتها, وتخرج من اطارها المجتمعي الذي تعيشه بتخلفه وارتداده الى مجتمع خيالي واقعي يأخذ من مجتمع الخرطوم القديم ذاكرته ونشاطه وحيويته. وهذه الذوات الساردة تصنع دهشتها في سعة السيطرة المتسعة نهضة في اتساع الأفق المكاني المديني وما يحيط به من عوامل جذب الى بؤر التخلف. هذه الخاصية السردية جعلت من الكاتب عيسى الحلو كاتب "المدينة" السودانية على حد تعبير الأستاذ الناقد "محمد الجيلاني" في ندوة أدبية العام 2004م. كاتب المدينة لا يرتكز على الذاكرة الريفية في وضعها كمنظار للأحداث والوقائع والمساحات المفتوحة لإدراك "الآخر" الريفي في مقابل صوت الحداثة المرتبط بدخول "الآلة" الى الحياة في بداية القرن الماضي واتساع التكنولوجيا في عولمتها اذ أن التلقائية والعفوية المرتبطة بالريف تنعزل في حيز مكاني يقف في محطة بعيدة عن التطور. والتنمية غير المتوازنة التي أقامها "الانجليز" في مناطق وحجبها عن أخرى, تقع ضمن دائرة سياسة "فرق تسد" فرق الريفي عن المديني, وأجعل لهم حيوات متناقضة وذاكرة تضاد, يسعى "الريفي" الى المدينة بذاكرة خوض الحرب وفرض شروطه للحياة, وهي شروط ميسرة للدولة في حفاظها على كيانها وخطابها فتنشأ جزر منعزلة متصارعة, هذه الجزر المتصارعة تعيش لحظة الخروج من دائرة الإحاطة بالحداثة والنهضة ومكوثها في تلقينتها وبدائية الطرح ورخاوة استيعاب العالم في تمظهراته كلها الحياتية المعيشية وسعيه فقط من أجل أن يعيش داخل ظلال داكنة لا أفق من فوقها أو تحتها, وهي حالة سودانية وعربية واسلامية وافريقية تجد مساهمتها في التحدي الكوني وأزمات الانسان قليلة بل أن بعض الأماكن الجغرافية تقع داخل محيط العبء الكبير على الانسانية بأزماتها وحروبها ونزوحها وهجرتها. وما يميز "الحلو" اتصافه برسم عوالم سردية تعكس المتغيرات وتعري المجتمع وتأخره عن ركب الحضارة, وتقوقع نخبته داخل ذاتها وعيشها في عزلة تامة عن واقعها مع التأثير السلبي في تقليد المهزوم حياة المنتصر حضارياً "ابراهيم عطية رجل منضبط من الرعيل الذي تربى على أيدى الانجليز, وهو جيل يتأرجح في عواطفه وفي سلوكه بين الموروث الثقافي وبين الثقافات الانجلوسكسونية. ومما زاد حالة ابراهيم عطية الفكرية اضطراباً التحاقه بدار العلوم في القاهرة, أما سلوكه ومزاجه فيميل الى ثبات الأشياء" "نص امرأة رجل محترم – ص 8"(1)
يقول البروفيسور محمد عمر بشير "ذكر كتشنر القائد المنتصر على جيش الخليفة في معركة كرري ما يأتي: من الأفضل والمفيد لأولئك الذين يدفعون مالاً للاعلان عن بضائعهم أن ينفقوا شيئاً من المال لتعليم سكان تلك السوق الجديدة التي فتحت أمامهم حتى  يقرأ أهالي تلك السوق الاعلانات, ويمضي البروفيسور بشير "هكذا في كلمات قليلة أوضح كتشنر الأهداف الرئيسية من إنشاء كلية غردون التذكارية اولاً: تذكيراً لأهالي السودان بأن الحكم الاجنبي الجديد امتداداً للحكم الاجنبي الذي استشهد غردون المسيحي الاوروبي في الدفاع عنه. ثانياً: ان فتح السودان يعني سوقاً جديداً للبضائع البريطانية واهله يحتاجون لمعرفة القراءة والكتابة باللغة الانجليزية لغة الحكام الجدد ولغة اصحاب البضائع في الوقت نفسه"(2) والمفارقة ان سياسة "فك الخط" لا تزال تسري في العقل الجمعي وتزيده الحكومات كذلك بسياساتها الاقتصادية خيالاً, اذ لا يجد الشباب مساحة للثقافة ويكتفي "بفك الخط" حتى يصل الى الجامعة وتتبدل سياسة كتشنر من التعليم من أجل قراءة الاعلان عن السلع الى سياسة الدولة الحالية باحتكار المنابر للإعلان عن سياستها وهي سياسة تهتم كثيراً بمناؤيها بحسبان انهم الأبعد والأوفر حظاً وابتعاداً عن "فك الخط" "كانت الحياة عند ابراهيم عطية استطاعته تكرار وإعادة أحداث اليوم السابق والسنة وراء السنة, وعاش طوال العشرين سنة الماضية يقوم كل صباح بجولة في البيت برشه بالدواء المعقم القاتل للمكروب, وقلائل الذين يزورونه, فهو لا يزور أحداً"(3) هذه الصورة النمطية الساخرة تعكس مدى عزلة المثقف عن مجتمعه وانزواء فكره وتعليمه في داخله وان حياته بعيدة عن واقعه المحيط به وان الحداثة التي يحاول أن يعيشها ليست له فيها أصالة بل تقليد أعمى للمستعمر واضافة لحياة المستعمر دون إعادة قراءة المجتمع الذي يعيشه. ويذهب البرفيسور "بشير" الى "لا جدال في ان كرومر هو المصدر الروحي والمحرك الرئيسي لفلسفة الحكم والسياسة التعليمية ويمكن تلخيص هذه السياسة في النقاط التالية: 1/ تزوير أكبر عدد ممكن بالتعليم الأولي 2/ تقوية المدارس الحديثة بالمدارس الحكومية التي يمكن للاقتصاد وللادارة الاستفادة منها. ويضيف "عمر" "لقد أوضح السير جيمس كري الذي كان أول مدير للتعليم في السودان ان الهدف من المؤسسات التعليمية هو تعليم "الحرف" وشيء من المعرفة يمكن الأهالي من التعرف على أغراض الحكومة ونظام الادارة وتدريب بعضهم كي يتمكنوا من شغل الوظائف الصغيرة"(4)
نافذة حضارية
"من خلال نافذة تطل على حياتي السابقة كان شقيقي التوأم يدخل الآن, يحمل في كفيه عصافير دامية, هي حصاد صيد هذا الصباح, الآن أذكر كل تلك الأشياء التي كنا نفعلها, كنا نهوى تحطيم الكائنات الهشة لعبتنا المفضلة, صيد العصافير ومطاردة الجميلات الصغيرات المزهرات"(5) من خلال هذه التفاصيل الصغيرة يغوص "الحلو" عميقاً في النفس البشرية ويتعمق أكثر في حراكها الداخلي النفسي المحيط بها والغربة المكانية والزمانية التي تعيشها ولعل أعلى وصف ممكن وضعه لقراءة كتابات الأستاذ "عيسى الحلو" هي ليست شاعرية اللغة ولا حتى بساطة السرد وانسيابيته التي تظلل كتاباته, وانما عمق الفكرة وأصالة القراءة للواقع, وعدم "الاستلاف" لغة أو سرداً أو منهجاً في الكتابة "عند ضواحي باريس وضع كارلوس داخل قفص حديدي تحت حراسة مشددة تقوم بها أجهزة الكمبيوتر, داخل هذه الوحدة التقنية الموحشة تفككت تلك الفكرة الصلبة حول نضال الشعوب, كما ذابت فكرة تضامن الأمم ضد الامبريالية, لقد ارتخت قبضة الكرملين تحت ضربات المعسكر الغربي ابان الحرب الباردة ثم انهار الاتحاد السوفيتي تحت معاول البيروسترويكا" "رواية عجوز فوق الارجوحة"(6) ان لعبة الزمن عند "الحلو" تستبصر الواقع السياسي المعاش بمزج الفانتازيا داخل واقعية سردية تصل الى مرحلة الكتابة المباشرة إلا ان الرمزية تتلخص في شخص المسرود عنه "كارلوس" والقفص واعادة قراءة كارلوس لواقعه سجين مراقب, فاقد للحرية وكل أدواته التي يمكن أن تضغط لصالحه انهارت الاتحاد السوفيتي, تضامن الأمم, الخطاب السائد, الحرب الباردة. هذا المقطع الروائي يلخص تماماً كثيراً من رؤى "الحلو" السردية والفكرية, وممارسة الفعل السياسي عبر خطاب ابداعي ينحاز لآلام الانسانية "لم يكن أمام كارلوس إلا البحث عن قوة أخرى يستعيض بها عن هذا الخسران والآن ينكفيء كارلوس هنا تحيط به وحدته ووحشته الوجودية لم يتبق للرجل في هذه الوحدة الموحشة" تقول "سيمون دي بوفوار في روايتها المثقفون – الجزء الثاني" "لم أنم ظللت لفترة واقفة أمام النافذة أتنشق نسيم الليل ولم تكن له رائحة لكأن القمر جمد عطر الأزهار, ميريام نائمة أو سهرانة في الغرفة المجاورة, وأعرف أن فيليب لن يأتي, لوهلة خلتني أسمع وقع خطوات لكنها الريح تسري بين أغصان الشجر, لم تكن رحلتي الى كندا طريفة غمرتني السعادة عندما حطت بي الطائرة من جديد"(7) ان فارق الحالة بين كارلوس وبطلة المثقفون هي الفارق بين اللا خيارات والخيارات المفتوحة بين الحبس الدائم والحرية الواسعة الأرض بين كندا ونيويورك.
لغة الحكي
يربط "الحلو" في سرده بين الحكي والرؤية بآلية الوعي المكتمل بقوانين الحياة وتصاريفها ويعي تماماً ان المدينة بعيدة عن المجتمع الغائبة حريته وإرادته والمنغمس في خياله المحدود, كل الأمر "قفة ملاح وتربية أطفال ودفع ايجار" تبتعد العاطفة في الصراع ويختفي الحب وتبدأ اسئلة العادية والمعتاد بيتياً وعملاً ودولة ووطن, فتختفي الذائقة الجمالية وتغيب الفنون عن الذاكرة, لا أحد يحتفي بلوحة أو يحتفل بموهبة. هذه المدينة البطلة في سرودات "الحلو" وشخوص خياله قصة ورواية, سرداً وتعبيراً يعيشون المثال المناقض للواقع الخيالي, ويرفضون هذه العادية بمحاولات تحرير العقل من النسيج الجمعي والمعرفة المكتملة سردياً في التعرف على الأنا والآخر, تلك "الأنا" الخاضعة لابتزاز المجتمع بجامع التخلف والتبرع بالجهل بالأدوات المعتادة للمعرفة ونزع روح الابتكار عن الفرد وبالتالي المجتمع والناظر للسرد عند "الحلو" يجده يأخذ مساحة واسعة للتعريف بالانسان المتمدن ونقد الدعي والمغترب في وطنه داخل ذاته لدخوله دهليز انفصام الانسان عن واقعه بالصدمة الحضارية أو تغييب المدينة بفعل فاعل.
الوعي المديني
يقول الدكتور "جابر عصفور" في كتابه "الرواية والاستنارة" "ان ازدهار فن الرواية لا يفارق السياق التوليدي لتأصل الوعي المديني المحدث الذي يجد في الرواية وجهه الابداعي الفائز خصوصاً حين يؤسس الوعي المديني لأهمية المساواة بين أصحاب العقول في اختلافها وأهمية التعدد بين أشكال الابداع في تباينها ويمضي عصور الى "انه استهلال لنفض التراتب التقليدي لأنواع الآداب والفنون والمعارف في موازاة ما يبدو انه نفض للتراتب الموروث لأوضاع المجتمع وعلاقات انتاج معرفته ومن ثم بداية للسعي الى تحرير الثقافة من سطوة الاتباع وتخليص الفكر من قبضة التقاليد"(8) "ان هذه الأحداث كلها تحتاج لأن تلقى حولها اضاءة كافية. ولهذا السبب فتحت ملفاً خاصاً أسميته "طه بحيري" "الرواية الحقيقية للوقائع, انه هو ذاك الصراع الانساني القديم, حينما تسعى احدى الذوات للسيطرة على الذات الأخرى.. ان تمتلكها, كأن تقهرها أو كأن تلغي وجودها"(9) "رواية عجوز فوق الارجوحة – ص48" قيمة الحرية في بحث المستنير "عيسى الحلو" تظل قيمة عالية مرتبط بها وجدانياً وجمالياً اذ لا قيمة للمبدع أو ابداعه اذا لم يكن له القول الثبت في حرية الانسان والحفاظ عليها وقيمة الجمال في الوجود الانساني الطبيعة "أنظر صباح الخير أيها الوجه اللا مرئي الجميل – الورد وكوابيس الليل – رحلة الملاك اليومية" يقول المفكر والفيلسوف المصري الراحل زكي نجيب محمود "انك – في ما أرى – لتحسن صنعاً وأنت إزاء شيء جميل – في الطبيعة أو في الفنون – اذا أنت ارتفعت في موقفك عندئذ درجة في اثر درجة, فتبدأ أول الأمر بإمتاع الحاسة المعنية بالجانب الحسي الظاهر من ذلك الشيء الجميل, فإن كان منظراً في الطبيعة أو في الفن – فأملأ بصرك باديء ذي بدء بأطياف اللون, ثم حاول أن تدرك ما بين تلك الدرجات اللونية من تشابك وامتزاج حتى اذا أمتعت حاسة البصر بما أنت حياله من بناء لوني أخذت بعد ذلك تنظر – بعين العقل هذه المرة لا بعين الجسد تنظر الى ما قد يؤدي الى هذا المنظر الذي أمامك من فكرة وراءه"(10) "نافذة على فلسفة العصر ص 93". لعيسى الحلو فلسفته الجمالية الخاصة التي يعلن عنها سردياً أو نقدياً, وهو كثير الانتقال بين فراشات الوجود وزهور الوجودية التي لم يعتنقها, تم اتهامه بها إلا انها كفلسفة كتابة ظلت تحوم حول وعي كتابة "الحلو" بأهمية إرتقاء المجتمع ذوقياً وجمالياً دون تشاكس مع بقية المجتمعات, صفات العزلة التي تحيط بالمثقف ليست صحيحة وكان القصد منها على الدوام من انصاف الكتاب وانصاف انصاف المتعلمين أهل إدعاء الثقافة هو عزل المثقف عن محيطه, حتى يظل المجتمع في حالة سكونية سكوتية تتيح لهؤلاء واولئك ان يسعوا في المجتمع جهلاً والسعي في المجتمع بآلية التجهيل جريمة ضد الانسانية لا تقل فظاظة وفظاعة عن "وأد البنات" في أزمنة الجاهلية, ووأد الأفكار في أزمنة المحاق المحال الجزاف المحل.
الزمن السرد
في قراءة "عيسى الحلو" لمتغيرات تحيط بالجميع, يرسم في رواية "الورد وكوابيس الليل" رؤاه, فلسفته, أحلام الناس, روح السلطة وتسلطها, تسلط الفرد المتوحش على الفرد الضعيف, تقاسم النخبة لأدوارها, الشكل الخاص في التنظيم داخل التنظيمات المغلقة والمنغلقة فكرياً, غياب الحرية داخل حقول السياسة, تغييب العقل لصالح الايديولوجيات, تغييب الإرادة عمداً لإقصاء الرأي الآخر, لصالح التخلف واستدامته, يستمد الروائي المفكر وهجه من ثقافته العالية وحسه النقدي الذي يبعده من الزلل "كانت أجهزة الاستماع والتصنت.. تسجل كل همس بالصوت والصورة. وعبدالمنعم ياقوت من خلال منظاره يرصد ما يدور في المدينة من أدناها لأقصاها, يجلس أمام أجهزة الرصد والمراقبة نهاراً وليلاً. يرى دبيب النملة, الأحداث صغيرها وكبيرها"(11) "رواية الورد وكوابيس الليل – ص14".
يؤكد الدكتور عصمت نصار في كتابه فكرة التنوير بين عصمت نصار في كتابه فكرة التنوير بين لطفي السيد وسلامة موسى" الى ينتزع لطفي السيد الى ان مقياس الديمقراطية في أي أمة يقوم على استقلال الفرد قبل استقلال الأمة ولا يتأنى ذلك إلا بتنمية الوعي السياسي في المجتمع عن طريق التعليم وتبصير الأفراد بالحق والواجب وتحديد سلطة الحاكم وتثقيف المحكومين بالقانون والفلسفة"(12) ينظر السارد الكبير "عيسى الحلو" بمنظار المثقف ووعيه بما وصل اليه مجتمعه من تربص وترييض وتكييف للفرد وتضخيم لآخر في غير ما جدوى للنهوض, بل أن انتقاص حق الفرد في المساهمة في مجتمعه, يجعل من الوطن في حالة سجن وهي حالة "سيبيرية" قديمة اذ يغطي "الثلج" العقل, ويغطي العقل الوجدان. وويل لأمة فقد عقلها ووجدانها من حساب التاريخ.
"في منتصف الليل.. كان يسمع وقع أقدام تدق فوق أرضية الطابق العلوي من الفيلا, أضواء خفيفة "مغبشة" تظهر خلف زجاج نوافذ البيت العليا, تتدفق نغمات لحن الفالس من بيانو, ثم همسات, تنقلب الى همهمات, صرخات مكتومة, ضحك وبكاء.. صمت عميق ضوضاء.. وما بين الصمت والضوضاء أصوات الضفادع مختلطة بالليل ووشوشات أمواج النهر". هذه الصورة السردية فوتوغرافية لازدواجية المجتمع, ضيقة ثرية تعزف "الفالس" سردياً إلا أنها في واقع الخيال المعاش تسمع الأغاني "الهابطة" اذ ان لحنها الخالد كطبقة مغشوشة وفاقدة للصلاحية البرجوازية يرتبط بأغاني تحريك الأقدام والأرداف وبقية الأشياء الرخيصة, تتجلى عبقرية "الحلو" في المزج بين صوت "الفالس" موسيقى ترتبط بالوجدان السليم الراقص بحرية ومشاركة وجدانية. وصوت الضفادع وهو صوت أسمعه الآن وأنا أكتب ومن كان منكم في "مكانه" بغير ضفدع خريفي فليرمي بقية الأحياء بحجر.
السارد المستنير
في تقديمه نقدياً "تعيسة" للروائي بشرى الفاضل يقول الناقد "عيسى الحلو" "استطاع بشرى الفاضل ان يصنع اسطورة حقيقية, وذلك لأنه يعتمد التخييل كمرجعية جمالية لم يتم انجازها إلا في القليل من الروايات الحديثة, فكان الفشل الروائي السابق بسبب اعتماد الرواية على مرجعية السرد الشفاهي التي تطابق بين الواقع المرئي والواقعية الروائية بوصفها مماثلة تؤكد صدقية السرد"(13) أقعد بالبلاد والعباد والسراد "طق الحنك" وظل "الحلو" السارد والناقد وفياً للكتابة في تحليلاتها الجمالية والفكرية. وفي الضفة الأخرى هناك من يسعى لتوطين الجهل وتعميقه واحاطته بالتكريم والوشاحات الملونة.
المراجع:
1-نص زوجة رجل محترم. مجموعة رحلة الملاك اليومية – منشورات مدارك الخرطوم 2008".
2-التعليم في السودان في القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين – ص 29 – البروفيسور محمد عمر بشير – جامعة ام درمان الأهلية مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية – ام درمان 2005م.
3-نص "زوجة رجل محترم" – مصدر سابق.
4-محمد عمر بشير – التعليم في السودان – مصدر سابق.
5-رواية عجوز فوق الارجوحة – عيسى الحلو – دار مدارك 2010م.
6-رواية عجوز فوق الارجوحة – مصدر سابق.
7-رواية المثقفون الجزء الثاني – سيمون دي بوفوار – دار الآداب – الطبعة الأولى 2009م.
8-الرواية والاستنارة – د. جابر عصفور كتاب دبي – نوفمبر 2011م.
9-رواية عجوز فوق الارجوحة – مصدر سابق.
10-نافذة على فلسفة العصر أ.د زكي نجيب محفوظ – الجزء الثاني – كتاب العربي "98".
11-رواية "الورد وكوابيس الليل" – عيسى الحلو – دار مدارك – الخرطوم العام 2013م.
12-فكرة التنوير بين لطفي السيد وسلامة موسى, أ.د عصمت نصار ص 303 – الهيئة العامة لقصور الثقافة  2014م.
13-مقال المرجعية الجمالية للرواية السودانية مقدمة لرواية "تعيسة" لبشرى الفاضل – عيسى الحلو – الرأي العام الثقافي 19 يوليو 2016م.