ذكرى تزيفتان تودوروف.. انتصار الفكر 

ذكرى تزيفتان تودوروف.. انتصار الفكر  الخرطوم -كليك توبرس-عامرمحمد أحمد حسين في السابع من فبراير 2017م، انطوت صفحة من انصع صفحات الفكر برحيل المفكر تزيفتان تودوروف . وقبل أن يطوي المفكر والفيلسوف الفرنسي

ذكرى تزيفتان تودوروف.. انتصار الفكر 

ذكرى تزيفتان تودوروف.. انتصار الفكر 
الخرطوم -كليك توبرس-عامرمحمد أحمد حسين

 

 

 


في السابع من فبراير 2017م، انطوت صفحة من انصع صفحات الفكر برحيل المفكر تزيفتان تودوروف . وقبل أن يطوي المفكر والفيلسوف الفرنسي , آخر دفاتر حياته, كتب كتابه الأخير "انتصار الفنان" والذي كتب له القدر أن لا يحضر نشره. ولد تودوروف في بلغاريا العام 1939م, وهاجر الى فرنسا ليكمل رسالته في الحياة, ومع براعته في اللسانيات, فقد أغنى الفكر الانساني بقراءاته المتمهلة وغير الجانحة والواقفة على مدماك الانسانية ورافعة الروح المبدعة, الخلاقة, تودوروف في فرنسيته يتمثل مقولات للمفكر والمؤرخ العظيم "فرنان برودل" في كتابه "هوية فرنسا – المجلد الثاني: الناس والأشياء" يقول "برودل" "أما فيما يتعلق بتصور أن المدينة بالفعل اذا كانت غارقة في الحياة الريفية غرقاً عميقاً فإن هذا لا يصمد أمام الواقع أصلاً. فكلنا نعرف جيداً أنه حتى نهاية النظام القديم, بل وبعد ذلك, كانت مدن فرنسية كثيرة ما تزال غارقة حتى ركبها في عالم زراعي يحيط بها ويخترقها من كل الجهات" فإذا ما أتى المهاجر البلغاري " تودوروف" من مدينته البلغارية للإلتحاق بمدارس فرنسا ومعاهدها, ويصل الى علوم اللغة والنقد والفلسفة والفكر, فإن "المدن الفرنسية الغارقة في عالم زراعي" وقفت مع " تودوروف" في رحلته وتأملاته في "الحضارة والديمقراطية والغيرية" لتنظر ما قد يؤديه الغريب هذا للحضارة الباريسية في أخصب سنين العطاء وهي تهرول لتعريف " تودوروف" بدروبها مصطحبة بلزاك في الملهاة الانسانية "أورسول ميروه – دراسات طبائع, مشاهد من حياة المقاطعات" "بالدخول الى نيمور من جهة باريس, تمر فوق قناة "لوان" التي تشكل حوافها في آن واحد متاريس ريفية وأماكن نزهات ممتعة لتلك المدينة الجميلة الصغيرة, لكن لسوء الحظ بنيت منذ "1830م" عدة بيوت من جانب الجسر واذا استمرت هذه الضاحية في الازدياد فإن الطابع المتفرد اللطيف للمدينة سيفقد مظهره هنا" وما قد يتوافق مع رحلة تودوروف من النيوية الى النقد ومن ثم الفلسفة وعلم التاريخ والفكر السياسي, يندغم مع توصيف فرنان برودل في كتابه هوية فرنسا – المجلد الأول: المكان والتاريخ: اذ يؤكد برودل ويقول "كما يجب للمرء أن يقول اللهجات وأساليب الكلام المحلية لا تعرفنا بفرنسا القرن الثامن عشر أو التاسع عشر فقط. فعلم اللهجات وعلم أسماء الأماكن وهما الآن فرعان حيويان من فروع الدراسات اللغوية, إنما يقدمان زاداً عظيماً من المعلومات بشأن الماضي البعيد. ويضيف "برودل" "فإن أبحاث بيير بونو المثابرة إنما تسعى عبر الكثير من المفاتيح اللغوية الى اكتشاف الجماعات "العرقية" تلك الخلايا الأساسية القديمة جداً والتي تركت كل واحدة منها منذ أول من سكن الأرض, بصمة لا تمحى على "وحدة ترابية" ذات أبعاد أكبر أو أصغر وذلك من حيث شكلها الطبيعي وحقائقها الثقافية الأعمق" في كتابه "تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية" يقول " تودوروف" "اذا كان للغرب كامل الشرعية في ترسيخ قيمه والدفاع عنها بحزم, فإنه يخاطر بالاستسلام لهيمنة الشعور بالخوف الذي يقوده الى القيام بردود فعل مفرطة وغير مناسبة كالحرب في العراق, سجن غوانتنامو أو العودة الى ممارسات التعذيب باعتبارها الكارثة الأكثر هوة. يؤدي الخوف الى الاعتقاد بأن ماهو مقبول يبقى باعثاً ضرورياً يدفعنا الى الرد على كل تهديد" ويضيف تودوروف الذي لا يمكن للحضارة أن تقتصر على ثقافة واحدة إنها ليست سمة ثقافية خاضعة بشكل صارم لعادات وتقاليد, بل تشير الحضارة الى حالة ذهنية قابلة للإنصهار" ويعزو "برودل" في كتابه هوية فرنسا – المجلد الأول: المكان والتاريخ الى احتضان باريس للمهاجر "وشأن المدن الأخرى ولكن بدرجة أكبر كذلك, كانت باريس أيضاً نقطة التقاء موجات المهاجرين وشأن جميع المدن كانت باريس في خصام من نفسها" ويشير تودوروف الى أزمة هوية فرنسية جراء الصعود اليميني, "في الواقع أن الخيار الشعبوي الذي قام به نيكولاي ساركوزي, بشكل علني والذي يهدف الى إنشاء وزارة للهوية الوطنية, يبقى أمراً مثيراً للجدل ومشكوكاً في مصداقيته. ان هذا الخيار لا يتطابق مع مهمة الدولة ومصلحتها لأنه يتجاهل حركة وتنوع الأشياء التي تحكم تشكل الهوية الثقافية, فإن المؤرخ والمفكر "فرنان برودل" "كما أننا لن نجد الوحدة في المكان الذي قد نتوقع من الناحية النظرية أن توجد فيه, أي على مستوى السلطة السياسية "هوية ساركوزية". ان أية قوة تصوغ البنية وتصور عن المركز السياسي لم تنجح قط في فرض الوحدة على تنوع يبدو أنه يتميز بحيوية عصية على الاستئصال وبمجرد ما كان يتم ضبط هذا التنوع كان يتحرر من هذا الضبط مرة أخرى. إن أي نظام سياسي أو اجتماعي أو ثقافي لم يخطط قط لفرض شيء أكثر من وحدة سطحية للكل" ويحذر تودوروف "ان الشرط المسبق هو أن تتوقف النخب الغربية عن اعتبار نفسها المجسد المطلق للحق والفضيلة والنظام الكوني, كما يجب أن تكف عن التعالي وازدراء قوانين وأحكام الآخرين, ان حق التدخل العسكري يعرض للخطر المثل العليا التي يدافع عنها الغربيون: الحرية, المساواة, العلمانية, حقوق الانسان, فتبدو كتمويه مبسط لممارسة إرادتهم في السيطرة على العالم, ومن ثم تفقد هذه المثل العليا الحظوة لدى الجميع" وفي كتابه "الحضارة المادية والرأسمالية – من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن – الجزء الأول – الحياة اليومية وبنياتها – الممكن والمستحيل" يورد المفكر والمؤرخ الراحل "فرنان برودل" "حالة مشابهة لحالة انسان العالم الثالث الرازح تحت التسلط والفقر, يورد حالة فرنسية في زمن بعيد, ويقول: "أما الفقراء فلنا أن نتصور أن مصائرهم كانت أشد قسوة في عام 1754م كتب مؤلف انجليزي "ان الفلاحين في فرنسا أبعد ما يكونون عن السعة, إنهم لا يجدون القوت الضروري الذي يقيم أودهم, إنهم صنف من البشر يبدأون في الذبول قبل الأربعين, لأنهم لا يستطيعون توزيع جهودهم توزيعاً متوازناً" وبقراءة بسيطة في وقت رحيل " تودوروف" وبعد "32" عاماً على رحيل "برودل" فإن انسان العالم الثالث الفقير وأمثلة عديدة للفقر في افريقيا, يساهم في سؤال التمدد الاستعماري وكذلك حالة تتعلق بالانسان وصحته وعمره, طال متمدناً أو قصر متخلفاً بعيداً عن العناية به, ويذكر "برودل" "كان قصر العمر قاعدة تنطبق على الأوروبيين وعلى غير الاوروبيين فهذا رحالة يقول عن السياميين "على الرغم من التقشف الذي يأخذ به السياميون أنفسهم, فلسنا نرى أنهم أطول عمراً من أهل أوروبا".

 

 

 


استخدام الحرية
يقول تزيفتان تودوروف "أدركت منذ مدة أن استعمالاً معيناً للحرية قد يشكل خطراً على الديمقراطية, إن التهديدات التي تخيم بثقلها على الديمقراطية لا تأتي من الخارج.. بل بالأحرى من الداخل ويضيف تودوروف "أن الفصل الجذري للجوانب الاقتصادية وبناء الاقتصاد في مجال مستقل, بلغ ذروته في نظرية ثراء الأمم التي قال بها آدم سميث, اليوم وبعدما أطمأن القادة السياسيون للايديولوجيا الليبرالية, فإنهم أكثر استعداداً لخدمة القوى العاملة على النفوذ المالي" وما ذكره تودوروف ووصفه وقرأه قراءة المفكر, هذا القول الفصل يسميه المفكر اللبناني الراحل "مهدي عامل" في كتابه "مقدمات نظرية – لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني – 1/ في التناقض 2/ في نمط الانتاج الكولونيالي" "البنية الايديولوجية بنية معقدة لأنها في اطارها تعكس البنية الاجتماعية نفسها فالتناقضات التي يعتمل هذه البنية الاجتماعية سواء على الصعيد الاقتصادي أم السياسي, تظهر فيها أيضاً لأنها في البنية الاجتماعية والسياسية, مستوى من مستوياتها" ويقول تودوروف "اذا قمنا بتعريف البربرية على أنها رفض اعتبار الآخرين بشراً مثلنا فيجب أن نعد هذا العالم الذي تحكمه سلطة أحادية قائمة على النفوذ الاقتصادي تجسيداً تاماً للبربرية". وفي كتابه "فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي" يؤكد "آرثر هيرمان" "كان تشارلز بودلير يرى مجتمعه "أكثر المجتمعات غباءً" وعالماً للنفاق الرومانسي الأبلة, وموطناً للحماقة التامة كما كتب يقول "التجارة شيطانية في جوهرها وكان كثير من الراديكاليين أو الرجعيين يتفقون معه في ذلك" كان الروائي "ستندال" أحد نماذج "جوبين" الأدبية – يقول أن رؤية رجل أعمال أو محام أو طبيب ناجح تجعله يشعر بالرغبة في البكاء والغثيان في الوقت نفسه, وكان "جوستاف قلوبير" يقول بسخرية وازدراء "ان عقيدة البرجوازية هي "ولد الانسان لكي يعمل" وبعبارة أخرى لجوتيه "فإن الدور الثقافي للكاتب هو أن يصدم البرجوازية". ويقول تودوروف "يحيل فكر الأنوار الإرث الفكري الذي ظهر في أوروبا منذ نهاية العصر الوسيط حيث ترسخت مقوماته خلال عصر النهضة والقرن السابع عشر. يستثمر فكر الأنوار على حد سواء العقلانية والنزعة التجريبية عن طريق الفصل لا الجمع ويؤكد على تعدد الثقافات بدل وحدانية الحضارة. وفي الوقت نفسه يدافع فكر الأنوار عن العقل والأهواء, الجسد, الروح, الفنون العلوم, الاصطناعي والطبيعي. يعتقد الفرنسيون – في غالب الأحيان – أن فكر الأنوار من صنيعهم ولكن الأمر ليس كذلك. تطورت الأفكار في ما وراء بحر المانش أو في ايطاليا, ثم تعمقت ونضجت في المانيا, كانت فرنسا صندوق الصدى الذي اتاح لهذه الأفكار الانتشار بفضل اشعاع العقل الفرنسي".