تاريخ السينما في السودان (1)

تاريخ السينما في السودان (1) بقلم : الزين حجّاز إن أول فيلم شاهده السودانيون كان في مدينة الأبيض وكان عبارة عن فيلم إخباري قصير صامت عن زيارة الملك جورج الخامس لمدينة بورتسودان وكان متزامنا مع الاحتفال بافتتاح خط سكة حديد الخرطوم - الأبيض فى شهر ديسمبر من العام 1912 وقد تمّ إنتاجه بتوجيه من اللورد (كتشنر) عندما كان في زيارة للسودان في مهمة رسمية عام 1911م .

تاريخ السينما في السودان (1)

تاريخ السينما في السودان (1)

 بقلم : الزين حجّاز

 

إن أول فيلم شاهده السودانيون كان في مدينة الأبيض وكان عبارة عن فيلم إخباري قصير صامت عن زيارة الملك جورج الخامس لمدينة بورتسودان وكان متزامنا مع الاحتفال بافتتاح خط سكة حديد الخرطوم - الأبيض فى شهر ديسمبر من العام 1912  وقد تمّ إنتاجه بتوجيه من اللورد (كتشنر) عندما كان في زيارة للسودان في مهمة رسمية عام 1911م .

سينما كوليزيوم هي من أوائل دور العرض السينمائي التى أنشئت فى السودان سبقتها سينما الجيش (النيل الازرق) فى الخرطوم و أعقبتها سينما (قديس)  فى أم درمان  وكان لهم الفضل في نشر الثقافة الفنية والدراما بين السودانيين . أسسها الخواجة (عمانويل ليكوس) عام  1935 عندما كانت الأفلام صامتة وكان موقعها فى شارع الجامعة مقابل مبنى البريد و البرق  الحالي قبل أن تنتقل الى مثواها الأخير فى شارع القصر

 

 مؤسسة ليكوس كانت وكيلا لعدد من شركات الأفلام الأمريكية كما قامت أضا بتأسيس سينما الحلفايا و سينما النيلين . فى نهاية التسعينات تم تتطوير المبنى الى شكله الحالى واستمرت كوليزيوم حتي 1985م  و تمت صيانتها الا أنها لم تستمر طويلا وتعرضت  لما تعرضت له غيرها من دور السينما واضطرت للتوقف تماما عن العمل في عام 2007 ولازالت متوقفة الى ألآن . أما ملكية أرض سينما كوليزيوم فتتبع للسادة المراغنة. كانت جماعة الفيلم السوداني قد إستضافت بمناسبة مئوية السينما في السودان ندوة صحفية عن تاريخ دور العرض السينمائي والدور الثقافي الذي كانت تقوم به والتدهور المريع الذي آلت اليه اشار فيها (عبدالله محمد سليمان) المدير الأسبق لسينما الثورة وسينما النيلين وشركة بحري فيلم إلى أن بداية تدهور أوضاع السينما في السودان بدأ في الثمانينيات تبعا لتدهور الحالة الاقتصادية فى البلاد احيث أصبح بنك السودان يقلّص النقد الاجنبي الذي كان يمكّنها من استيراد الأفلام  كما أضاف بأن زيادة الرسوم على التذاكر متمثلة في ضريبة الترفيه والدمغة والقيمة المضافة ودمغة الشهيد وضعت أعباء على دور العرض وأصبح التنافس بين الشركات بدون تنسيق مما رفع قيمة الفيلم المستورد. من من جيلنا ينسى تلك الأفلام الرائعة التى شاهدناها فى سينما كوليزيوم من شاكلة (مدافع نا فارون) و(ليلة الجنرالات) و (زوربا الاغريقي) و (زد) .   فى العام 1969  قدمت السينما اليونانية واحدا من أعظم الأفلام التي شغلت جمهور ونقاد  السينما فى العالم وهو فيلم (زد) الذى تناول فى مضمونه عصر الصراع الأيديولوجي والانتفاضات الشبابية والطلابية الغاضبة التي كانت قد بلغت ذروتها عام 1968 في خضم اشتعال الحرب في فيتنام . ألّف موسيقى الفيلم (ميكس ثيودوراكيس) الموسيقار الثائر المناضل ضد جبروت الحكم الديكتاتوري في اليونان والذى ألّف أيضا موسيقى الفيلم الشهير (زوربا اليونانى ) . فى العام  1970 ونسبة لمتابعة السودانيين اللصيقة للمستجدات التي تطرأ على الساحة السينمائية من أفلام متميزة وبالحماسة الثورية التي كانت تمور بها نفوسهم يومها فقد قدمت حكومة مايو دعوة ل (ثيودوراكس) لزيارة السودان وقام وزير الشباب و الرياضة و الشئون الاجتماعية الدكتور (منصور خالد) باصطحابه الى سينما كوليزيوم لمشاهدة فيلم (زد)  . كانت أمسية ولا كل الأمسيات .. جمهور غفير إصطف منذ وقت باكر أمام سينما كوليزيوم لحضور الفيلم . كان الحضور على غير العادة كثيفا ولافتا للأنظار وبعد إنتهاء العرض تدافع الجمهور وحمل (ثيودوراكيس) على الأعناق كبطل فاتح . تعطلت الحركة في شارع القصر وكان (ثيودوراكيس) مذهولا ومشدوها بهذا الفيض من المشاعر و غير مصدق لما حدث وكان التأثير واضحا على وجهه . تلك كانت واقعة عند سينما كوليزيوم ظلت قابعة في الذاكرة زمنا طويلا .أعتقد بأن الكثيرين من اهلنا فى السودان يجهلون معنى أو خلفية اسم كوليزيوم الذى اطلقناه على أشهر وأقدم دور للسينما فى السودان .  كوليزيوم  هوالمسرح أو المدرج الروماني المكشوف الذى تمّ تشييده فى روما فى عام 80 ميلادي وكانت تقام فيه مباريات المصارعة بين أبطال المصارعة الرومانيين وبين السجناء أحيانا راجلين وأحيانا على العربات التى تجرها الخيول كما كنا نشاهدها فى بعض الأفلام التى كانت تعرض بعض من تلك المنافسات وأيضا كانت تقام فيه المصارعات مع الأسود و الأفيال  وقصة " أندرو و الاسد " مازالت فى الذاكرة . بمرور الزمن وتأثير الزلازل التى أصابت البلاد قديما فقد تهالكت أجزاء المبنى و أصبح الآن عبارة عن أثر تاريخي و معلم سياحي هام فى العاصمة الايطالية روما ويعتبر من عجائب الدنيا السبعة الجديدة . أما أول سينما في أم درمان قد أسسها المواطن السوداني من أصول قبطية ( قديس عبد السيد) في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين عندما كانت الأفلام صامتة و كان موقعها شمال الموقع الحالي لسينما الوطنية مباشرة  في الأرض التي كان يملكها رجل الأعمال قطان . فى عام 1946 انتقلت الى ميدان البوسته الحالي المكان الذي كان مسرحا مفتوحا تحضر اليه الفرق الموسيقية  لتقديم عروض علي الهواء الطلق . اطلق عليها  ( قديس عبد السيد) اسم سينما (برامبل) عرفانا منه لمفتش أم درمان البريطاني في ذلك الوقت الذى منحه التصديق بانشاء دور للسينما  في ذلك الموقع ولم يكن يدري بأن تلك التسمية سوف سوف تنعكس عليه بنتائج سلبية اذ الشعب السوداني بحسه الوطني لم يستحسن هذه التسميه وفضل أن يطلق عليها سينما (قديس) على اسم صاحبها  ولكن الاسم الرسمي ظلّ كما هو سينما (برامبل) حتی لحظه اختفائها ﻻسباب غامضة . وعليه و انطلاقا من دوافع وطنيه بحته فقد أسس أعضاء مؤتمر الخريجين الشركه الوطنيه للسينما  لتكون قدوه لرأس المال الوطني الضعيف في ذلك الوقت لكى ينمو بصوره افضل وفعلا قد تمكنوا من تحقيق هذا الهدف اذ كان نجاح الشركه الوطنية للسينما سبابا في انضمام العديد من الشركات المساهمه مثل شركات (أبو العلا)  و(عبد المنعم محمد) و(محمد أحمد البرير) و(الأمين عبدالرحمن) وغيرهم . شكلت تلك الشركات نجاحا في السوق السوداني و ردّت علی (قديس عبد السيد) و(عمانويل ليكوس) بانشاء سينما تحمل اسم الوطنية وتقوم بعرض الأفلام العربيه واﻻنجليزيه فقد كانت سينما (قديس) فى بداياتها تعرض اﻻفلام اإنجليزية فقط مثلها مثل سينما (كوليزيوم) و سينما (النيل اﻻزرق) في الخرطوم وللأخيرة عذرها فقد أقيمت للجنود البريطانيين والموظفين الإنجليز في معسكرات الجيش البريطاني . نجحت السينما الوطنية في تحقيق ذلك الهدف وسرعان ما أنشأت سينمات الوطنية أم درمان و الخرطوم بحري والخرطوم جنوب والخرطوم غرب ولحقتها سينمات اخرى فى العاصمة المثلثة  مثل النيلين وبانت والعرضه والحلفايا  ثم انتشرت  في مدن الأقاليم المختلفة مثل ود مدني وبورتسودان وعطبرة  ودنقلا والأبيض والفاشر . كان هناك وكلاء لشركات عالمية يستوردون ويوزعون الأفلام كشركة ليكوس وشركة السينما السودانية وشركة أفلام السودان وهي شركة أنشأها السيد (محجوب محمد أحمد) وآخرون وقد استأجروا سينما النيل الازرق من الجيش . كانت شركة ليكوس لاستيراد وتوزيع الأفلام تتبعها سينما كلوزيوم وسينما أم درمان وسينما حلفايا  وسينما النيلين وهي شراكة بين (ليكوس) و(جابر أبوالعز) .

 

فى عام 1966 تمّ تشييد دور عرض خاصة مثل سينما الثورة بأم درمان لأصحابها (السنوسي حسين النعيم) و(عوض أبوزيد) و (بشير الشيخ) والفريق (توفيق خليل) وآخرين  . تمّ تشييد سينما الوحدة بكوبر بواسطة (جعفر قريش) وآخرين وسينما الصافية التي شيدها (عبدالقادر حاج الصافي).  إشترى (السنوسي حسين النعيم) وآخرون من الخواجة (ليكوس) سينما حلفايا وسينما النيلين وسينما بورتسودان  وبذا اصبحت كل دور العرض يملكها سودانيون . سينما العرضة بأم درمان كان يملكها (جورج عبد المسيح) ثم اشتراها منه (الياس شبو) في التسعينيات والآن اشترتها إحدى شركات الزراعة لتحويلها الى مخازن للمحاصيل . أما سينما الجيش ببانت فصاحبها  كان شخصية معروفة وهو السيد (فيكتور عيسى) من الأقباط السودانيين فقد كان يملك ايضاً مقهي (اتينيه ) المعروف بالخرطوم .