الرواية .. المعرفة .. التاريخ

الرواية .. المعرفة .. التاريخ أبو طالب محمد توطئة: المعرفة مصطلح يعنى " نظرية المعرفة" وتهتم بتحليل ماهو مقصود بالمصطلح نفسه وبالأسئلة التي يبحث عنها.

الرواية .. المعرفة .. التاريخ

الرواية .. المعرفة .. التاريخ

 

أبو طالب محمد

 

 

توطئة:

 المعرفة مصطلح يعنى " نظرية المعرفة" وتهتم بتحليل ماهو مقصود بالمصطلح نفسه وبالأسئلة التي يبحث عنها. أوردت العديد من الاتجاهات الفلسفية إلى وجود شروط ضرورية للمعرفة لا يمكن اختزالها في الخبرة وحدها. حيث هناك شروط بديهية لازمة لإمكان تحصيل الخبرة، وبإمكان المرء الوصول إلى الأحكام البديهية من غير اعتماده على الخبرة. بهذا يكون لدينا شكلاً من أشكال المعرفة موجودة قبل تحصيل أي معرفة أخرى. يرى كانط أن مثل هذه المعرفة البديهية للزمان والمكان تمثل الشرط الأسبق لإمكانية تحصيل أي معرفة مستمدة من الخبرة أصلاً. و يدلل كانط على وجود نوعين من المعرفة، معرفة قائمة على الأحكام  التحليلية ومعرفة قائمة على الأحكام التركيبية. وتتضمن المعرفة التحليلية المسبقة قضايا مثل كل المثلثات لها ثلاثة أضلاع فهذه القضية صادقة بمقتضى التعريف ولسنا بحاجة فيها إلى بيانات نستمدها من الخبرة لنؤكد هذه الحقيقة[1]. وتتضمن معرفة الأحكام التركيبية عملاً من أعمال الاستدلال يتجاوز نطاق التصورات العقلية المستمدة من التحليل والتي تكون متاحة للمرء بدون الاعتماد على الخبرة، وتتضمن المجال الخارجي المكون للحقائق الواقعية. ارتبطت الرواية بالمعرفة  باعتبارها تعتمد على نمط الوصف المستمد من الإطلاع والبحث الناتجين عن مجموعة الحقائق والخصائص المكونة للمجتمعات الإنسانية والمتصلة به.  يكتسب الكاتب/ الروائي معرفته بالتاريخ من خلال جمع المعلومات والاحتكاك بالناس. و يشيّد منظومة من الاتجاهات المعرفية السردية تدرس تاريخ المجتمع وتكوينه وثقافته وقيمه وتقاليده ومعارفه بهذا تصبح الرواية وليدة معارف إنسانية متعدِّدة. لأنها تكتسب وجودها المعرفي بناءً على اقتباس موضوعاتها من مختلف المعارف الإنسانية.

تشكِّل الرّواية منذ فجر التاريخ البشري حضوراً متميزاً في الأدب وهي فنٌ وأدبٌ قائمٌ بذاته بكل ما يحمل من تقنيات بنائية لها وجود في مسيرة التاريخ الأدبي ومستوعبة ما بداخلها أفكاراً وقضايا المجتمعات، وما زالت مرتبطة بقيم المحمول التاريخي وكيفية إعادة قراءة الواقع المعاصر. ويجئ المعنى التاريخي بمحمول جملة من الأحوال والأحداث التي يمر بها كائن ما ويصدق على الفرد والمجتمع، كما يصدق على الظواهر الطبيعية والإنسانية، يقال فلان تاريخ قومه: إليه ينتهي شرفهم ورياستهم والتاريخ اسم مصدر أرخ تعريف الوقت تسجيل أحداث الماضي والحاضر لأنه علم يبحث في ماضي الشعوب وحاضرها ويسرد الوقائع ويحللها ويدرس حياة الأفراد وأحوال الجماعات.[2]

   الرّواية التاريخية (Historical Novel) أو التخييل التاريخي وهي نوع من أنواع الرّوايات، يعالج بوساطة التخييل قضية من قضايا الماضي التي أصبحت تاريخية سواء أكانت مرتبطة بالحاضر أم لم تكن.

   وهي ليست تاريخاً، ولكنها تتعامل مع التاريخ وهذا التعامل يفرض عليها حدوداً هي قيوداً لها، لا تعرفها الرّواية غير التاريخية أول هذه الحدود والقيود أنْ تبقى الرّواية مخلصة لطبيعتها الفنّية ولا تتحوّل إلى كِتَاب من كتب التاريخ، وثانيها أنْ تستعير من التاريخ دون أنْ تحوّر فيه، وثالثها أنْ تنتقي من التاريخ دون أنْ تتلاعب بسياقه وحقائقه ودلالاته.[3] أعطت المعرفة الرواية التاريخية: الإدراك والوعي وفهم الحقائق واكتساب المعلومات عن الجماعات الثقافية.

   وتتجلى المعرفة في الرّواية التاريخية في ملامح ثلاثة يحدّدها ثيليا فرنا نديث بريتو:

الملمح الأول:-

   هو الأكثر وضوحاً، وتعايشاً في العالم الرمزي لشخوص وأحداث وأماكن مبتدعة بشخوص وأحداث وأماكن من قلب التاريخ، وهي أدوات تم توثيقها وعمل شفراتها قبل كتابة الرّواية في خِطابات ثقافية ينظر إليها بوصفها تاريخية.

الملمح الثاني:-

   هو موضع واقع القصة المروية في ماضٍ تاريخي معين مؤرخ، له معطياته وقابل للتعرف عليه من جانب القراء بفضل تشكيل العناصر المميزة للحقبة التاريخية، مثل: صورة الأماكن، والبيئة الثقافية، ونمط الحياة.

الملمح الثالث:-

   وهو علامة جوهرية من أجل تصوير القارئ الضمني ومن أجل اقتراح العقد السردي الخاص بهذا الجنس الأدبي، وهو عبارة عن المسافة الزمنية الصريحة بين الماضي الذي تقع فيه الأحداث المروية وتقدّم فيه الشخوص بأدوارها.[4]

   يستنتج من هذه الملامح الدور الذي تلعبه الرّواية التاريخية في إنتاج المعنى النقدي الذي تتوجه به إلى التلقي وتضيف إلى معارفه معارف سردية أخرى تجعله مشاركاً في إثراء المعنى من ناحية ومنصهراً في تأكيد الخِطاب التاريخي من نواحٍ أخرى.

   تُشكل المعرفة التاريخية منبعاً ثراً وشائكاً في الوقت نفسه، يستقي منه الكتّاب والروائيون موضوعات كتاباتهم، محللين، مفككين، مترجمين وقائع الأحوال، ومعلقين على الحوادث التي يستقونها، أي استجرار بعض الحوادث التاريخية، وتقديمها بصياغة جديدة مع المحافظة على المضامين كما هي، أي التحلّي بأمانة المؤرخ.[5]

   حاول روائيون كثيرون كِتَابة الرّواية التاريخية، كما استعان بعض الرّوائيين بشخصيات تاريخية بعينها، وألبسوها ثوباً معاصراً، وقوّلوها بما كان ينبغي أنْ تقوله لو أنها كانت موجودة للتعليق على بعض الحوادث المستجدّة. وربما سعى آخرون إلى اتخاذ حياة البعض محوراً رئيساً مع محاولة الإحاطة بكل الظروف التي مرّ بها، وكل الشخصيات المرافقة، والمعاصرة له.[6]

يتبدّى من اشتغال الرّوائيين المتزايد على التاريخ سواء كان حدثاً أو واقعة أو وثيقة أو مرحلة أو شخصيات أو أمكنه، تلازمُ مسار الرّواية وأغوار التاريخ، هنا يتجلّى شفقٌ أدبيٌّ محرّضٌ، كلاهما مقلق للآخر ومحرّك له، كما يستند التاريخ إلى وثائقه، ملفّاته المادية، في الأرض وما هو مطمور فيها، وما هو عليها من آثار وسواها، حيث تتنوّع هذه، يحرّكها الأدب بالمقابل، فالرّواية تناقش التاريخ وتعرضه للمساءلة وتكاشف مستوره. لهذا تبدو الرّواية التي تنهل مادتها من التاريخ معززة لموقف من يريد الدخول فيه، ومن جهة أخرى تبرز باعثة على أكثر من تساؤل فيما تتلطف منه وما تسعى إلى مكاشفته.[7]

   يعمد الروائي التاريخي لأحداث مضت ويحاول إعادة كِتَابتها بحسب منظاره وهدفه عبر التضامين الأتية:-

أولاً: منهم من يهدف إلى إعادة صياغة التاريخ بإضفاء طابع رومانسي ليحبب القارئ (المروي له) بالإطلاع على أحداث تلك الحقبة التي تناولها عمله السردي.

ثانياً: يعمد للحدث بواقعية شبه كاملة ويطعمها بمسارات مجازية لتشد القارئ (المروي له) إلى المتابعة ومحاولته في سد ثغرات الحدث التاريخي وفقاً لأسلوبه وأيديولوجيته.

ثالثاً: يعمد لاختيار حدث تاريخي أو مرحلة ماضية أو شخصية تراثية أو من جيل سابق ليودعها بمرحلة غير مرحلتها ليؤسس من خلالها معنى ويعيد صياغته بنقد سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي.[8]

   الرّواية والتاريخ مصطلحان لغويان رضعا من ثديٍّ واحدٍ هو الخبر، هما مرهونان ببعد تاريخي متغيِّر، وقد تأثرت كلُّ من الكِتَابة التاريخية ببعضهما بعضاً في القرن التاسع عشر باعتباره قرن التاريخ وقرن الرّواية الواقعية، ثم تطوّرت الرّواية التاريخية في اتجاه أشكال روائية أخرى واتخذ التاريخ أشكاله المتنوعة بدوره.[9]

   شهدت خارطة الوطن العربي أشكالاً رواية قارئة للقضايا من زوايا تاريخية ذات محمولات فكرية جعلت كُتَّابها يأخذون حرية الكِتَابة السردية على مستوى اختلاف توجهاتهم منهم من أعاد إلى التاريخ في بعده الأسطوري معالجاً قضايا مجتمعه. ومنهم من يصطدم بالقيم الدينية والسياسية، ومنهم من جعل الصحراء مشهداً جمالياً لأحداث أعماله. وعلى ضوء هذا جاءت الرّواية العربية والتاريخ قديماً أو حديثاً محّملة بأيديولوجيات مختلفة.

   أنتجت فترة الحرب العالمية الأولى وما تبعها من أحداث دامية وما أعقبها من تحوُّلات في تركيبة المجتمعات العربية شكلاً جديداً مرتبطاً تحت مسمى الرّواية والتاريخ، أي ما يعرف اصطلاحاً بالرّواية التاريخية.

   أعاد هذا النمط قراءة تفسير القيم والموازين والمفاهيم والعلاقات والروابط والوعي القومي والانتفاضات الوطنية، جميعها أحدثت تحوّلاً جديداً في مستويات السرد محدثاً تغيراً في البنية السوسيوثقافية، مما جعلها صانعةً مناخاً جديداً وذوقاً جديداً متوافقاً مع متطلبات المرحلة بكِتَابات روائية شكلت معماراً فنياً متماسكاً ومعبراً عن التحوُّلات الاجتماعية الجديدة.

أقبل الجيل الجديد من الكُتَّاب الرّوائيين إقبالاً ملحوظاً على العلوم الجديدة وتفتحت أعينهم على التطلع نحو التحرر والاستقلال، وقامت الأحزاب السياسية ترفع مفاهيم النضال واتخذت منهاجاً جديداً حول برامج عمل الشعارات قاصدة تعبئ الإحساس بالشخصية القومية.

   أرست الأحزاب قواعد للتعليم القومي على أسس حديثة، حتَّى نضجت رؤى المرحلة وهيأت للأحزاب طرقاً جديدةً اتخذت لنفسها ثوباً جديداً وأسماء لامعة من جيل المثففين مثل: منصور فهمي، ومحمود تيمور، ومصطفى عبد الرازق، وحسن محمود، وطه حسين، ومحمد حسنين هيكل، وعلي حرب، وحسين مروه وغيرهم يتحسسون وجودهم القومي أمام الوجود الأوروبي الوافد على قوميتهم بكل وسائله الحديثة.

   وتزامنت هذه اللحظات البارزة في مسار الرواية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي حين كان هناك شبه تواطؤ أو تناغم بأن الثقافي والسياسي، ضمن شروط مرحلة تصفية الاستعمار، وتشييد قومية عربية متفتحة، واحتضان قضية فلسطين في وصفها جسراً يوطد العلاقة بين الاستقلالات والمضمون الثوري النهضوي المتصاعد آنذاك. حتَّى ارتفعت أصوات وظهرت كِتَابات وإبداعات تؤشر على ما يشبه القطيعة مع التوجهات الثقافية والإبداعية التي ازدهرت في مرحلة مقاومة الاستعمار وانكبت على إحياء التراث وقيم الهُوِّية الوطنية وروح الممانعة، ومع التطوّر السياسي عرفت حركة التجديد العامة في الثقافة والإبداع، انفتاحاً واسعاً على مرجعيات تشكل معالم مضيئة في أفق التجديد الكوني للفكر والإبداع ونكتفي هنا بوجود ثلاثة تيارات فكرية لها صداها الواسع في الحقل الفكري والإبداعي العربيين وهي:-

  • الماركسية:-

   أبرز كِتَاب (في الثقافة المصرية) لمحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس (1955) معلماً جديداً ومنهجاً في النقد، وفهماً قياسياً لاتجاهات التقليد وإحيائه وبدوره أثر في معجم المصطلحات والمفاهيم وعزز جانب الاتجاه الماركسي في تحليل أوضاع المجتمع. وتوظيف إبداع يبلور مقولات وأطروحات سياسية ثقافية فمتح في النبع الفكري نفسه.

ب-وجودية سارتر:-

   يقاس تأثير اللّحظة الوجودية في الفكر والإبداع من خلال استحضار الزواج الضمني بين مجلة الآداب البيروتية والفلسفة الوجودية السارترية ونسقها الإبداعي المنتشر آنذاك انتشاراً واسعاً وهذا ما وجده سهيل إدريس فيما استكمل به بعض الجوانب المفتقدة في الفكر القومي العربي وخاصة ما يتعلق بمقولة الحرية المسؤولة وايلاء الاعتبار للفرد.

ج- فانون ومعذبو الأرض:-

   لقي صدور كِتَاب معذبو الأرض رواجاً واسعاً بين المثقفين العرب لأنه اقترن بثورة الجزائر وكشف عن تفكير جديد بلوره طبيب نفساني مارتنيكي ناضل في صفوف الثورة المسلحة واستطاع أنْ يجعل تجربته على صعيد العالم الثالث بجرأة ووعي نادرين.

   فإن الفصول التي كتبها عن الثقافة الوطنية شغلت المثقفين العرب ودفعتهم إلى طرح إشكالية الثقافة القومية ضمن منظور يستهدف إمكانات تجذير الثورة بعد أنْ أسفرت الاستقلالات عن انحراف الأنظمة ومهادنتها للاستعمار.[10]

   أثر هذا التحوُّل في الإنتاج الروائي، وفي التحليل والتصوير الاجتماعي الناتج عن التاريخ في رسم الشخوص ومتابعة تحوُّلاتها وتطوّرها ونموها حتَّى أرسى قواعد لهذا الفنّ الروائي لأجيال لاحقة.[11]

   إنّ الرّواية التاريخية بهذا المعنى، هي رهان ومشروع دائم من ثم استمرّ بحثها عن طرائق وأشكال جديدة أطرت من خلالها تطوير البنيات السردية وحولتها لحلقات مرتبطة بملامح المجتمعات وسماتها، وهذا ما يميزها عن باقي السرود الأخرى، حتَّى حققت لوجودها انفتاحاً كبيراً على مكونات التاريخ التي ظلت منسية في سجلات هامشية، ثم حركت سكونها وجعلتها سجلات حيّة ومتفاعلة مع روح العصر الحديث ودوربه النضالية.

   يتساءل في هذا الصدد سلام عبود عن حدود التاريخ في الرّواية التاريخية- أين يبدأ التاريخ في النَّص الرّوائي؟ وأين ينتهي؟ هذا السؤال هو أكثر الأسئلة إلحاحاً على عقل قارئ القصة التاريخية سواء أكانت قصة تاريخية تقليدية أم أكثر ميلاً إلى الحداثة، أبرز ملامح القصة التاريخية التقليدية أنّها مُخلصة للحدث التاريخي إخلاصاً حكائياً وليس وظيفياً.[12] ويدلل عن ذلك بأعمال جرجي زيدان ومحمد فريد أبو حديد عن عنايتهما بالمتن التاريخي.

   ويمضي قائلاً:(بصرف النظر عن تعاقب الأجيال الرّوائية، وتنوع عناصر المعالجة والتجويد الفنّي وتباينهما في تلك الأعمال الرّوائية، فقد لبثت تحاكي التاريخ وتتبع مساراته العامة برغبة توثيقية واضحة، مدعومة بمقدرة على تضليل القارئ، وإقلاق وعيه وتشويش معارفه وأحكامه وجعله يترنح بين التصديق والتكذيب، أما القصة التاريخية المعاصرة ذات النسيج المعقد تغفل البيئة والحدث والحقائق التاريخية عضوياً، وتعيد نسجها داخلياً في محتوى النَّص ومناخه، فإنّها تعدو لغزاً مستغلقاً، ولا يستطيع فك أسراره كاملة سوى أنفار معدودين ممن تخصصوا في دراسة التاريخ، وإذا قرّاء النمط الأول يقعون في فخ الشك فإن قرّاء النمط الثاني مرغمون على الاستسلام التام للنّص وشروطه الفنّية، وتقبل ما يعرضه من مزج للتاريخ بالمتخيّل على أنَّه وحدة متكاملة، لا تقلّد التاريخ، ولا تقتفي أثره وإنّما تصنع واقعاً سردياً على أنقاض الواقع التاريخي المتحقق أو المروي.[13]

   ويواصل في طرح أسئلته عن الحدود:(أين الحدود التي تفصل التاريخ عن اللّاتاريخ، حدثاً وواقعاً، والحدود التي تفصل الخيال السردي الأدبي عن الواقعة المتحققة تاريخياً؟ ثم يمضي في تدليل أسئلته (يضعنا الذهاب إلى التاريخ دائماً أمام عقبة كأداء، لا يسهل عبورها بيسر هنالك دائماً تاريخان الأول التاريخ الموضوعي الذي يشمل حدوث واقعة ما في زمن محدّد وجريان جسر معلوم، والثاني هو التاريخ المروي في هذا التاريخ كِتَابياً أو شفاهياً ليس جزءاً عضوياً من الواقعة، لكنه جزءٌ تاريخي أيضاً بحكم الزمن، وجزء تاريخي بحكم صلته التفاعلية، باعتباره حزمة من التصورات السلبية أو الإيجابية عن الحدث التاريخي الفعلي إنه ردود الفعل البشرية على الحدث، وعلاقة الحدث بالمحيط والبيئة الثقافية والسياسية والاجتماعية التي أنتجته، وربطته بتطوّر أشكال الوعي الاجتماعي ووسائل بنائه، إنَّ ما نسميه عادةً بالتاريخ، هو النسخة الذاتية (فردية أو اجتماعية)، للحدث التاريخي الموضوعي الموجود باستقلال عن الوعي إنّه تاريخ مكمّل واستطالته تأثيرية بالتاريخ الواقعي.

   يتأخر التاريخ التصوري عن التاريخ الواقعي لكنه يظل مشدوداً إلى ما حدث بعلاقات شرطية، ضرورية تتجاوز حدود كونه شاهداً صرفاً على ما حدث ربما يعيد رسم بعض ملامح التاريخ الواقعي على نحو صادق إلى حد معين، وقد يزيّفه أو يحرف مساراته، صانعاً تاريخاً ثالثاً أو سلسلة من المرويات التاريخية المتناظرة أو المتقاطعة.[14]

   إذن الواقعة المتحققة ونسختها التاريخية الإخبارية وما يرافقهما من أخيلة اجتماعية ونفسية وسياسية تتبادل دائماً موقع المرجعية، لكنّ الأول (التاريخ الواقعي) الذي تمّ حدوثه في الواقع، لا يمتلك المقدرة على الانتقال إلى الوعي التاريخي إلا عن طريق الذاكرة السردية العامة، ولا يستطيع أحد احتكار إعادة نقل الحدث الواقعي عن الطريقة التي جرت بها روايته كما حدث عن تأويله وتفسيره وتوجيهه إلى هدف معين، أما الواقعة الإخبارية فهي إعادة إنتاج الحدث سردياً، وإعادة تأسيس للمرجعية التاريخية نظرياً، ربما تستند إلى أساس حقيقي أو صادق أو مثبت علمياً لكنها تتحوّل مع مرور الأيام من كونها مصدراً من مصادر الرّواية التاريخية إلى تاريخ مرجعي قائم بذاته، بحكم وجودها في الزمان الماضي وتواتر تداولها عن حقيقة تنطبق على التاريخ الفعلي، فهي أيضاً تاريخ لكنها مروية تاريخية، وليست تاريخاً مروياً.[15]

   نأخذ نماذج من تراكم الكِتَابات الرّوائية واستلهامها للتاريخ لتوضيح هذا الجانب ، المتعلق بتحديث التجرية في الرواية .. المعرفة.. التاريخ.

وجد الرّوائيون العرب والأفارقة في رحلة بحثهم عن المضامين التراثية تقنيات وقوالب فنية جديدة تكفل لهم حرية التحديث خارج نطاق المضمون التاريخي نفسه، وأتاح البحث للروائيين التحدث عن لسان حال المجتمعات بآراء سياسية وعقائدية.

   وقد وجد جمال الغيطاني ويوسف زيدان وجرجي زيدان حرية الكِتَابة خارج نطاق التاريخ والقفز على شخوصه وأحداثه وأزمانه وأمكنته مثورين الأدوات الفنّية السردية التي أتاحها إليهم التراث بكل ما يحمل من أبعادٍ وإحالاتٍ.

   ذهب الكثير من الرّوائيين يتنوعون في استحضار العناصر التراثية فتارةً يكون التصوف والتاريخ هما الغالبان. وخاض بعض منهم مغامرات في تجربة تحديث التاريخ في سياق معاصر وهذا يدل على أنّ إحساس هؤلاء الكتَّاب بشعور غامض بالانتساب إلى تجربة التاريخ واستمداد قوته ومقوماته الإبداعية التي أتاحت إليهم الحرية إلى قراءة الماضي في ثوب حداثي تحكم في رؤاهم ومدى علاقتهم بقضايا المجتمعات العربية.

   تشكل تجربة الرّوائيين مع التاريخ تياراً قائماً بذاته ومصطدماً مع المغامرة الرّوائية وفق أنساق سردية متكاملة البناء في جوانبه مما يؤكد ضرورة ثورة الرّواية تجاه منحنيات التاريخ واقترابه من الأنموذج الرّوائي.

   تقول في هذا الصدد الناقدة ماث روبير:(إنَّ الأشكال الرّوائية الحديثة دمرت بشكل نهائي الأساليب القديمة المتمثلة في الأجناس الكلاسيكية حيث تستحوذ الآن على مجمل أشكال التعبير الفنّية الأخرى، وتستعمل لصالحها كُلّ الأنماط السردية دون أنْ تكون موضع تساؤل حول تبري ذلك).[16]

   يمثل انفتاح الرّواية على المعرفة التاريخية انفتاحاً عاماً على جميع الأشكال والأنساق والتجارب الفنّية والقولية أمام التلقي مجالات واسعة لاستيعاب التجربة الإنسانية في شموليتها. من هنا يتضح أنّ القضايا الفكرية والأسئلة المتعلقة ببنية الرّواية لا تعدو أنْ تكون مجرد قضايا شكلية إذ إنَّه لا وجود الآن لأيه وساطة بين العمل الرّوائي الخاص وبين الأدب في عمومياته، فالنوع أو النتيجة النهائية لا وجود لهما.

   إنَّ مهام تطوّر الرّواية المعاصرة يجعل من كُلّ رواية أخرى نقطة استفهام حول وجودها، وهو الأمر الذي فتح المجال فسيحاً أمام الرّوائيين العرب من أمثال جرجي زيدان ويوسف زيدان ونغوغي واثنقو والطيب صالح وغيرهم، مستفيدين بما وصل إليهم من تقنيات غربية حديثة في كِتَابة الرّواية، و استخلصوا النماذج القصصية والحكي من الموروث التاريخي.

   ورجوعهم للتاريخ من أجل اكتشاف العوامل الأساسية التي تؤثر في سير الوقائع، وعملوا على استنباط الأحكام العامة التي تطوّرت بموجبها أبنية أعمالهم الرّوائية.

   استوعبت الرّواية أشكالاً مختلفة من الأنواع الأدبية مثل عباءة الحكاية التاريخية أولاً والمقامة، والنادرة، والسيرة، والسرد الشعبي، والمثل، والخرافة، وقصص الطير والحيوان ثانياً، إذاً هي كسرت احتكار الشعر لنظرية الأدب عند العرب إلى انكسار النوع وظهور النَّص المتشعب، وهذا شيء يجعلنا نعيد النظر في مفهوم نظرية الأنواع الأدبية نفسها عند العرب، لأنَّهم اقتصروا على التفريق بين الشعر والنثر، ومن تهميشهم للثاني مقابل انهماكهم في التفريق بين أنواع الأول، وأغراضه: من رثاء، وهجاء، وفخر، وغزل، وحماسة، ومديح إلى تصنيف المئات من الكتب التي جعلت الشعر وأوزانه وأعاريضه وقوافيه وبلاغته، وبيانه، ومحاسنه، وجمهرة شعرائه، إلى مئات أخرى من كتب البلاغة المحشوة حشواً بالشواهد والأمثلة المستخرجة من دواوين العرب، وقلما يشيرون إلى أمثلة أو شواهد من النثر وزادوا حتَّى أهملوا الخطابة وانطمست معالمها، وأهملوا المقامة حتَّى آلت إلى نوع من الزخرفة اللّفظية التي يتلهى بها غير الجادين من القراء وناشئة الأدب.[17]

     نتج هذا أنّ الرّواية التاريخية الحديثة جاءت تدريجياً نسبةً لتراكم الخبرات، وتطوّر الوعي الجمالي، وتزايد الانفتاح على السرد الغربي مما جعلها رواية تتخطى التقاليد السردية القديمة وتقفز للواقع برؤى حديثة اتخذت التاريخ مصدراً إليها.

   تشكل تجربة الرّواية التاريخية ملتقى حقول وأشكال وعلامات تعبيرية وأحلام واحتمالات ومرجعيات ذاتية وكلية، وغير ذلك من التفاعلات المتقاطعة بشكل فني ومعقد، وتنصهر داخل قناة حكائية، فإنّ هذا الشكل المتنوع هو الذي مدّها بإمكانات كبيرة للتجذر والتواصل وجعلها قادرة على تطوير المتخيّل، وبالتالي ترسيم استراتيجية تجعل من الرّواية الشكل الأدبي والفنّي المرتبط بالتحوُّلات وقضايا الصراع في كافة زواياه غير الاقتراب من المآزق المؤطرة للزمن والخيبات المتتالية والهزائم الفردية والجماعية من خلال تداعي الأحلام.[18]

   تشكلت بناءً عليه علاقات خاصة جداً بين النَّص والماضي والتاريخ والتذكرات من جهة، وبين الحاضر والمستقبل من جهة ثانية لإفراز خِطاب عامر بملامح الاختناق والتيه وصور الآخر والمكان والسلطة ومراجعات مستمرّة للبديهيات والبحث عن أسئلة تنفض الغبار عما هو في حكم اليقين، وتعيد الاعتبار للوجدان والمشاعر والعلاقات الإنسانية النبيلة.[19]

   أضف لذلك بأنَّ تعدّد مكونات الحكي في الرّواية التاريخية الحديثة جعلها مرتبطة بالسائد المهيمن ومكنها من قدرة الاسترجاع للماضي التاريخي وإعادة تأويلاته عبر متخيّل سردي له قوى مع مآزق المجتمعات الإنسانية، وفقاً للارتباط الذي استمدته الرّواية من السير التاريخية والمقامات.

   يقول في هذا الصدد شعيب حليفي: (إنَّ التراث التاريخي يحفل بأخيلة ثرية شكلت مسارات لتوسيع مدى المتخيّل وسعته، إضافةً إلى ما قدّمه الانفتاح إلى المتخيّل الأجنبي من تجارب روائية تأسيسية عَدد من قنوات الرّوائي العربي للبحث عن تمثيل أقوى لهُوِّية الأنا والتمزقات الموسعة.. وكأن الرهان هو إيجاد شكل مغامر لمجازفات السرود القادرة على استيعاب كُلّ التمزقات والخيبات الذاتية والجماعية بدلالات توازي في عنفها بطش الواقع والتاريخ).[20]

انفتحت ضمن هذا السياق أيضاً تجربة الرّواية السودانية مع ظهور الطيب صالح على موضوعات التاريخ الثقافي المسنود إلى ثنائية الدم الإفريقي والعربي عبر روايتيه (بندر شاه ومريود).

   جاءت شخصية ضوء البيت في رواية بندر شاه تحمل ملامح هُوِّية تاريخية ثقافية موغلة في الإرث الثقافي السوداني بحدوده وامتداده وانتمائه وأصله الحضاري المشترك بين ثنائية العنصرين (الإفريقي والعربي).

   قدّم ضوء البيت إلى قرية ود حامد عبر النيل، وليست له هُوِّية ولا اسماً ولا موطناً ولا أصلاً ينتمي إليه ولا دين يتبعه، اندمج في مجتمع القرية حتَّى أدخل في نهج الدين الإسلامي مما سهل عليه التعامل مع المجتمع، وبدخوله الدين الجديد منح قطعة أرض وتزوج (فاطمة بت جبر الدار) وأنجب منها طفلاً يدعى (عيسى) وفيما بعد صار اسمه (بندر شاه) وجهه أسود مثل أمه وعيونه خضر مثل أبيه، ومن ثم مضى ضوء البيت إلى سبيله عبر النيل.

   ترك ضوء البيت قبل رحيله أثراً واضحاً على مجتمع القرية في مختلف مناحي الحياة (عمل ما لم يعمله الناس في العمر كله خير الدنيا انهمر عليها كأنه يقول للشيء كن فيكون، كان يزرع محاصيل الشتاء في الصيف. يعمل على مدار العام لا يكل ولا يفتر.

   جلب شتل النخيل أشكال وألوان من ديار المحس وبلاد الرباطاب، وجعل الأرض تنبت التنباك، وعلم الناس زراعة البرتقال والموز، الناس بين الموسم ترتاح وهو يسافر مع قوافل الجمال، مرّة إلى ديار الكبابيش، ومرّة إلى بربر وسواكن، وأحياناً إلى مصر، ويرجع محمل بالثياب والعطور وألوان مختلفات من الأواني والأطعمة والمشارب ما عرفناه في ود حامد من قبل هو يكبر ونحن نكبر معه، كأن المولى جلا وعلا أرسله إلينا ليحرك حياتنا ويمضي في حال سبيله... الرّواية).

   أحدث أيضاً تغييراً كبيراً على مستوى العمران بني بدلاً عن بيوت القش، بيوت الجالوص ومن كان يمتلك غرفةً واحدةً امتلك ثلاثة حتَّى الجامع بناه من جديد ووسع في فنائه، وبنى فوق القلعة بيت داخل بيت وديوان خلف ديوان وحوش داخل حوش.

   ترك القرية وكأنها مدينة بحالها، بعدما كانت الأرض خراب مهجورة في طرف البلد.

   ترك من الناحية الاجتماعية أثراً واضحاً على حياة القرية بدخوله الدعوة الإسلامية الجديدة وزواجه من (فاطمة)، رمز الطيب صالح عبر دخول هذه الشخصية فكرة التمازج التاريخي الثنائي بين (الإفريقي والعربي) وهو تمازج يلتمس عنه بذور الوعي بالجذور الثقافية التاريخية للمجتمعات السودانية.

   وأدرجت المعرفة في رواية بندر شاه الرؤية التوفيقية بين ملمح تاريخي قديم حمل في رسالته أفكار عن التسامح والتعايش الوجداني التاريخي المشترك في المجتمعات السودانية باعتبار أنّ شخصية ضوء البيت تعد امتداداً للجذور التاريخية القديمة.

   أما في رواية مريود نجد أنّ التداخل في المجتمعات السودانية معقدٌ ومتقاربٌ إلى حد كبير بحيث نرى أنَّ بندر شاه ومريود في الزمن الحاضر. هما الجد في الزمن القديم ومطالعة أي الزمنين (الحاضر والماضي) يجعلك تلاحظ تداخل السحنات الثقافية وامتدادها عبر التاريخ الثقافي.

   والتجربة الثانية من تجارب السرد الرّوائي التاريخي السوداني يمثله الرّوائي إبراهيم إسحق في روايته (أخبار البنت مياكايا) استوحت الرّواية من التاريخ السوداني فترة القرن السادس عشر الميلادي. وتدور معظم أحداث الرّواية بين النيل الأبيض وملتقى النيلين ونهر السوباط وبحر العرب. واتخذت الرّواية من الثقافات المتمازجة ثنائية المجتمع العربي والمجتمع الزنجي الذي تمثله قبيلة (الشلك) مضموناً سردياً تخطى فترات الماضي التاريخي وعالجه في أطر سردية تعكس حالة تعايش التماذج في واقعنا المعاصر.

   ينتمي بطل الرّواية (غانم) إلى جذور عربية يجد نفسه مساقاً إلى أرض السُود وتتوطد علاقته بفتاة الرث (مياكايا).

   تكشف الرّواية من خلال العلاقة تداخل وتعايش المجتمعات السودانية مع بعضها بعضاً.

   أشارت الرّواية إلى نموذج التماذج الأفروعربي لأن كاتبها حدّد مواقع أحداثها وحدّد أيضاً أصل الانتماء وجذور تكوينه التاريخية حتَّى تخطته إلى قراءات معاصرة وضحت مدى تفاعل التاريخى القديم وأثره وحضوره على المجتمع المعاصر.

جاءت في ذيل تلك التجربة تجارب سودانية روائية عديدة أعادت هيكلة المصدر التاريخي بشقيه الاجتماعي والموروثي البحت بكافة أشكاله قاصدة تعيد شتات الهواجس والإضرابات التي واجهت المجتمع السوداني خلال القرن الواحد وعشرين منها:-

تجربة الحسن البكري الرّوائية في (سمر الفتنة وحكاية مدينة واحدة وأحوال المحارب القديم)، حيث نجد أنَّ التاريخ في هذه الأعمال شكل حضوراً مميزاً وتجسيداً فاعلاً قرأ الحاضر بناءً على حيثيات الماضي، مما دعا البكري أنْ يلتفت للتاريخ السوداني القديم وينسج من مضامينه أفكاراً سردية تناقش أوضاع المجتمعات السودانية وفقاً لنسيجها الوحدوي القديم.

   وسار في هذا الدرب الرّوائي منصور الصويم في روايته (آخر السلاطين) مستنداً على فترة السلطان علي دينار ودوره في مسرح الحياة السياسية في السودان ومنها أيضاً تجربة الرّوائي أمير تاج السر في روايته (توترات القبطي) ودورها في قراءة فترة تاريخ المهدية وتلتها رواية (شوق الدراويش) لحمور زيادة حيث نهجت ذات النهج التاريخي ومضى الرّوائي حامد بدوي في روايته (مشروع إبراهيم الأسمر) الذي تناول فيها حقبة تاريخية محدّدة من تاريخ السوداني وهي حقب متنازعة بين التاريخ الاجتماعي والتاريخي التراثي.

   ومن ضمن الرّوايات أيضاً رواية (فركة) لطه جعفر التي انطلقت من فرضيات ظاهرة الرق كظاهرة عايشها المجتمع السوداني في تاريخه الحديث.

   إذن ظلت الرّواية السودانية الحديثة مسنودةً بالجانب التاريخي لتعيد روح التعايش والانصهار المجتمعي في البنية السوسيوثقافية فاتحاً منافذ للتمازج الناجم عن العلاقات الاجتماعية داخل أطر منسوجة ثنائياً، وهي بهذا عكست مدى تفاعلات التاريخ القديم وأثره على المجتمع السوداني الحديث.

   لقد تبين من التجارب الرّوائية السابقة التي استوحت الأشكال السردية العربية القديمة (السير الشعبية، ألف ليلة وليلة وكتب السيرة والتاريخ والرحلات وكتب التصوف)، أنَّ توظيف الشكل التراثي لا يجري بكيفية برانية، وإنّما يخضع لإعادة تشكيل، ويتفاعل مع مقتضيات التخييل والرؤية إلى العالم الذي يسعى الرّوائي إلى بلورته انطلاقاً من أسئلته الحاضرة، ومن ثم فإن الشكل التراثي لا يفصل الرّواية العربية عن أفقها الكوني، بل يحمل إليها عناصر إضافية، ويسهم في إزالة الحواجز المصطنعة بين شكل تراثي أصيل وآخر عالمي مستورد.[21]

استنتج مما سبق:-

   إنَّ الرّواية التاريخية في سياقها المعرفي أنتجت تجربة نقدية تؤكد على مشروع الهُوِّية والحرية وتحرير التاريخ، واستخدام مضامينه لدحر الهيمنة الإمبريالية، كما أسست هذه التجربة لمشروع سردي ونَحَت صوب دعوات تحريرية وفق أطروحات اقترنت بتيارات فكرية وأسماء لامعة مثل فرانذ فانون ونيكروما وعبد الناصر ونهرو. تعتبر اللّحظات التاريخية التي أحدثت التحوّلات في بنية المجتمعات هي الركيزة التي أوحت للروائيين أنْ يعيدوها في رؤى سردية متزامنة مع الثورات الشعبية التي شهدتها الساحات النضالية.

 

 

 

 

[1] . أندرية إدجار وبيتر سيد جويك، موسوعة النظرية الثقافية" المفاهيم والمصطلحات"، ترجمة هناء الجوهري، المركز القومي للترجمة،2014، ص675.  مقتبس بتصرف.

[2] - معجم الوسيط، معجم الرائد.

[3] - سمر روحي الفيصل: مصطلحات نقد الرّواية: الشارقة، دائرة الثقافة والإعلام، 2016م، ص138- 143.

[4] - ثيليا فرنانديت بريتو/ ترجمة نادية جمال الدين: شعرية الرّواية التاريخية بوصفها جنساً أدبياً (دراسة): مجلة فصول، المجلد 25، العدد 98، 2017م، ص139.

[5] - هيثم حسين: الرّواية والحياة: الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام: العدد 41، مارس 2013م، ص13- 14.

[6] - نفسه، ص14- 15.

[7] نفسه، ص15- 16.

[8] - مشتاق عباس معن: الأدب والتاريخ: إعادة كِتَابة التاريخ علاقة تاريخ العالم المعين بموفولوجيا العالم المحكي وأثرهما في لغة السرد- قراءات في سرد طه حامد الشبيب (دراسة): الشارقة: دائرة الإعلام والثقافة، منشورة ضمن سلسلة، 2005م، ص184- 185م.

[9] - خاليد فؤاد طحطح: تحولات الكِتَابة التاريخية: الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، العدد 43، أبريل 2013م، ص172.

[10] - محمد برادة: الرّواية العربية ورهان التجديد، كِتَاب دبي الثقافي، مايو 2011، ص15- 16، نقل بتصرف.

[11] - صبري حافظ، مرجع سابق، ص195. نقل بتصرف.

[12] - الموقع WWW.meebey.org- literature- سلام عبود.

[13] - نفسه - سلام عبود.

[14] - نفسه- سلام عبود.

[15] -نفسه - سلام عبود.

[16] - الزيني بركات (رواية)، مرجع سابق، ص6.

[17] - إبراهيم خليل: في نظرية الأدب وعلم النَّص: بحوث وقراءات : الدار العربية للعلوم، 2010م، ص121- 122.

[18] - شعيب حليفي: هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل: رؤية للنشر والتوزيع، 2015م، ص172-.

[19] - نفسه/ ص172.

[20] - نفسه، ص174.

[21] - محمد برادة: الرّواية العربية بين المحلية والعالمية: الرّواية العربية: الكونية أفقاً (ورقة)، قدّمت في مهرجان القرين الثقافي الحادي عشر،11- 13 ديسمبر، 2008م، الكويت، ص20.