مشاء الدروب الطويلة

أعظم شاعر في القرن العشرين  مشاء الدروب الطويلة   ابراهيم علي ابراهيم  aliibrahim1958@msn.com سأمضي الي الدروب ..  في أمسيات الصيف الزرقاء .  تأخذني سنابل القمح  دائسا العشب الدقيق 

مشاء الدروب الطويلة

أعظم شاعر في القرن العشرين 

مشاء الدروب الطويلة  

 
ابراهيم علي ابراهيم 
aliibrahim1958@msn.com

سأمضي الي الدروب .. 
في أمسيات الصيف الزرقاء . 
تأخذني سنابل القمح 
دائسا العشب الدقيق 
ولسوف أحس وأنا أحلم 
بنداوته عند قدمي ..
ولسوف أدع الريح 
تغمر رأسي الحاسر 
لن أتكلم , لن أفكر في شيء .. 
لكن الحب اللامتناهي 
سيصعد الي نفسي ..
وسأمضي بعيدا جدا ,
مثل بوهيمي , عبر الطبيعة..
سعيدا كأنني مع أمرأة .

آرثر رامبو : " من مقطوعة أحساس "

 

‘‘ أليس ثمة معجزة في ظهور رامبو علي هذه الارض ؟ 
فسر عمله كما شئت فسيظل نورا لايشحب 
لآن المستقبل كله له , حتي لو لم يكن لنا .‘‘ 
هنري ميلر 

لم يجمع الناس علي شاعر مثلما اجمعوا علي آرثر رامبو أعظم شعراء العصر وتوج بالفعل شاعرا للقرن العشرين , ومن عجب انه لم يكتب أكثر من ( 46 ) قصيدة - أضافة لمنثوراته العديدة - وقد كتبها خلال
( 13) عاما فقط : ( 1870 - 1883 م ) , ولد آرثر رامبو في 1854م ورحل في 1891م , وأنقطع عن الشعر خلال ثماني سنوات قبل رحيلة .
في طفولته الباكرة كانت أمه راضية عنه لقيامه بواجباته علي أكمل وجه , لكنها لم تكن تري من خلال صفاء عيونه الزرقاء ووراء جبينه البارز تلك القمة الداخلية , والثورة التي تعتمل في صدره والبغض والاحتقار لكل ذلك الواقع المفروض عليه : 

فليئجروني أخيرا 
هذا القبر المطلي بالكلس 
مع خطوط البلاط النافرة 
بعيدا جدا تحت الأرض
اٍني أتكيء علي الطاولة 
المصباح يضيء بقوة ساطعة 
هذه الجرائد التي بلغ السخف
حد اْعادة قراءتها 
هذه الكتب العديمة الفائدة 
علي مسافة ضخمة فوق غرفة أستقبالي
تحت الارض تقوم البيوت 
تتجمع الضبابات 
الوحل : هو أحمر أو أسود 
مدينة هائلة .. ليل نهار 
....
في ساعات المرارة أتصور 
كرات من الياقوت الازرق 
من المعدن 
إني سيد الصمت ,
لماذا ياتري قد يمتقع 
ظل منفذ عند طرف القبة . 
* في سيرة حياته الباكرة , كان هروبه للشرق .. الشرق الذي كان يجسد في مخيلته الخلاص من الحياة في الغرب التي وصفها بالجحيم , لكنه خذل في الشرق الفقير الحار : يقول في أحدي رسائله لأمه : " اٍنه لايتصور حياة أشد فظاعة من الحياة التي عاشها في الشرق , أي في البلاد التي عاش فيها : عدن .. الصومال .. وغيرها.. , وكأنه يعمد لتصفية حياته مع الحياة .. عبر اٍزلال النفس ... فهو الشاعر الذي يطمح للخلاص .. والحرية .. وللحياة الحقة .. التي يري إنها تتجسد في التحرر من كل القيود التي تحول  دون عيشه في قلب الشعر وروحه .. 
يقول في رسالته : " عدن فوهة بركان .. بركان خامد .. أنك لاترين الحمم والرمل في كل مكان حيث لا ينبت أضأل نبت .. أنه المكان الأكثر ضجرا في العالم ".. !!
عاش هناك قرابة عشر سنوات .. ينطلق من عدن الي العديد من البلدان الأفريقيه .. ثم يعود اليها .. وأن كانت المراجع التي أستقينا منها هذه المادة وعلي قدر قراءتنا له لم نستبين كنه هذه البلدان الافريقية التي زارها .. اٍلا ان قصاصة صحفية وقعت في أيدينا يعود تاريخها للسبعينات حيث كتب الصحفي المصري أنيس منصور عن عبور آرثور رامبو لجنوب مصر والسودان وقد أغدق علي ( عيون المرأة السودانية) بمدحها حينما قال مقطع من قصيدة له :
لقد خلق الله الانسان قبل بقية الحيوانات 
وخلق العيون قبل بقية الاعضاء 
وخلق عيون المرأة السودانية قبل كل العيون .
و تطرق أيضا في عموده لقول جوستاف شاعر فرنسا حينما رأي فتاة من صعيد مصر وقال في مدح عيونها :" ربما جاءت أمها من السودان " .
يعود رامبو من عوالمه الافريقية التي يمضي فيها أوقات تطول وتطول .. ثم يعود متخفيا .... , حيث أتسمت رحلاته بالغموض دائما ولم يفصح عنها إلا لماما , شأن رحلاته في مقتبل حياته وتوقد جذوة الشعر في كيانه , حينما كان يعبر مارسيليا الي باريس يأكل العشب .. ويهزيء وينشد الشعر .. الذي لايعرف الطريق إلي الورق والتسجيل .. متحدا مع الارض والذات والطبيعة :
".. إني القديس في حالة صلاة علي الشرفة
كما ترعي الحيوانات الساعة حتي بحر فلسطين
اٍني العالم في مقعده القائم ..
الأغصان .. والمطر تتقاذف علي نافذة المكتب 
اٍني مشاء الدروب الطويلة 
عبر الغابات القزمية 
ضوضاء الترهات تغمر خطاي 
اٍني أري طويلا غسيل الغروب الكئيب الذهبي 
سأكون تماما الطفل المهجور علي رصيف الميناء 
المتقدم في البحر العالي 
الخادم الصغير متابع الممشي 
الذي تمس جبهته السماء .." 
في سيرة الصبا : الهروب الدائم من نهر آل ميز قريته .. إلي شارفيل .. ليبحثوا عنه ... ليعود .. ليهرب الي بلجيكا .. عام 1871باع  ساعته الفضية وفر الي باريس ثانية .. ليتشرد تحت المطر والثلج .. دون مأوي .. يتسكع مرتعشا من البرد والجوع .. أمام واجهات المكتبات .. ليدخلها أحيانا ,, ليسرق بعض الكتب أحيانا .. يسد رمقه  من الاطعمة المطروحة صباحا علي عتبات المنازل .. ينام تحت نهر السين .. أو في جوف القوارب المهجورة .. , ثم يعود الي ألاردين سيرا علي الاقدام .. عابرا المزارع التي كان يحاصرها الالمان ... 
ظل رامبو خلال الاعوام 1872 - 1873م .. يهرب الي لندن فيعيدونه ثم يهرب ثانية .. حتي ساءت صحته :
ان حاجته الملحة الي تدمير الذات المتأصلة فيه ناجمة عن حاجته الملحة الي الطهارة , ورغبته الصادقة في الصفاء والتي ليست سوي تعطشه الدائم الي المصادر الاولي الي مناخ بكر نقي وفردوس من الحقيقة والجمال ... 
" أمام الثلج .. كائن عظيم الجمال 
مديد القامة .. صفير الموت ..
ودوائر من الموسيقي 
تدفع هذا الجسد المعبود 
إلي الصعود والاتساع
والإرتجاف كأنه الشبح 
في الجسد البديع 
يتشظي جراح قرمزية 
وسوداء تدكن الوان الحياة الخاصة 
وترقص تنبعث من حول الرؤيا ساحة الخلق
تتصاعد الرعشات وتهدر 
ويحمل مزاق هذه الأثار المضطرم 
مع الصفير المميت .. والموسيقي المبحوح ..
التي يرمي بها العالم ..
......
أيها الوجه الرمادي ياشعار وفرة الشعر 
ياذراعي الكريستالي ..
أيها المدفع الذي ينبغي ان أنقض عليه
في معترك الاشجار والهواء الحفيف .." 
" من قصيدة الكائن الكلي "
انه يعبر عن أرادة الموت ويسعي للتخلص من عرض هذه الدنيا .. ويتطهر من أدرانها .. اٍنه يحن إلي ملجء أمين كرحم الأم ليختبيء وينعزل فيه .. اٍنه يتوق إلي حفرة عميقة .. عميقة في الارض .. تخفيه وتبقيه بعيدا عن هذه السخافات  والابتزال والسطحية .. واللجؤ لعالم الوهم والمغامرة والتحرر من إيقاع الزمن البطيء .

مراجع :
1- رامبو بالاحمر - عصام محفوظ - دار الفارابي - بيروت . لبنان .
2- رامبو شاعر الصبا والحداثة - صياح الجهم - وزارة الثقافة . دمشق .
3- رامبو - سمير شاهين - المؤسسة العربية للدراسات والنشر  .
[3:24 PM, 2/14/2020] M.nageb: