"قلت أرحل" بريئة من السياسة.. وهي الآن شعار الربيع العربي

الشاعر التيجاني سعيد ل"كليك توبرس "    "قلت أرحل" بريئة من السياسة.. وهي الآن شعار الربيع العربي لو تزوج قيس من ليلي لما كتب كل هذا الشعر الجميل حوار محمد نجيب محمد علي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يعتبر التجاني سعيد أحد اشهر الشعراء المجددين في كتابة الاغنية المعاصرة ،تغني له الفنان الراحل محمد وردي باغنية (من غير ميعاد ،وقلت ارحل

الشاعر التيجاني سعيد ل"كليك توبرس "   

 

"قلت أرحل" بريئة من السياسة.. وهي الآن شعار الربيع العربي

 

لو تزوج قيس من ليلي لما كتب كل هذا الشعر الجميل

 

حوار محمد نجيب محمد علي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعتبر التجاني سعيد أحد اشهر الشعراء المجددين في كتابة الاغنية المعاصرة ،تغني له الفنان الراحل محمد وردي باغنية (من غير ميعاد ،وقلت ارحل )واللتين قال عنهما الاستاذ معاويه حسن يسن أنهما غيرتا تاريخ الأغنية السودانية ،والجدير بالذكر أن التجاني قد هجر كتابة الأغنية بعدهما ...التقيت به وكان بيننا بعض من الحوار  .

 

 

التيجاني سعيد رغم انتمائه للوسط الثقافي والفني إلا أنه يتجنب هذا الوسط كثيراً.. لماذا؟

- هذا صحيح.. أنا لا أتجنب هذا الوسط لعيوب فيه، ولكنني أتجنبه لأنه يحتاج إلى تكلفة نفسية عالية من المجاملة والمداهنة، وإظهار خلاف ما أبطن تجاه أشخاص ليس من المصلحة إظهار ذلك لهم..

ونحن عندما كنا صغاراً، كنا نرى ان لكل وسط رموزاً منغمسين فيه إلى الحد الذي جعل من هذا الوسط وطناً لهم، ولكن جيلي لم يرض ذلك، فكنا نسهم فيه بأعمالنا الفنية من بعيد، دون التوغل فيه.. هذا حالي وحال أقراني من المبدعين الآخرين.. مثل عمر الطيب الدوش رحمة الله عليه، ومحجوب شريف ومبارك بشير وغيرهم..

أنت تفضل الذاكرة القديمة على ما سواها، تعتني بكتب التراث دون الكتب المعاصرة؟

- كل شئ من الماضي جميل، حتى الطفولة البائسة جميلة، وكل ما هو حاضر قبيح ومذموم، وقد فطر الانسان على الركون إلى الماضي لأنه قريب العهد بالميلاد، وبالتالي هو قريب العهد بالله..

هنالك من يرفض واقعه فيهرب إلى الماضي ليتفاداه، الأمر ليس بهذا الشكل، ففي المسألة بعد فلسفي عميق، ولا تنسى أن هذا الحاضر الذي أزمه لك سيكون يوماً من الأيام ماضياً وسأشتاق إليه..

دعني أسألك عن مهمة الكتابة؟!

- أجمل ما قرأت بهذا الصدد قول الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار، وهي كاتبة وجودية معروفة، فهي تقدم إجابة على هذا السؤال بقولها: "الكتابة تعني ان شيئاً ما في الحياة قد إختل، والشرط الأول  للكتابة هو أن يعجز الواقع من ان يمضي من تلقاء نفسه"..

هذا كلام جميل جداً، وصحيح جداً.. فالحياة إذا استقامت لدى الفنان لما كتب سطراً واحداً ولكنه يكتب عند إختلال الحياة ليجعل من الكتابة تعويضاً عن الفاقدو، ألا ترى ان الشاعر إذا أحب فتاة فأحبته وتزوجها وعاشا كما يريدان لم يتمكن هذا الشاعر من كتابة شئ.. لأنه لا يحتاج إلى التعبير أصلاً، أما إذا حدث العكس للشاعر انطلقت شاعريته تعبيراً عن الحرمان والحياة العاطفية البائسة، لقد أدرك هذا الأمر شعراء قدماء من العصر الأموي.. لقد كانوا يعرفون أنهم لو كتبوا شعراً في محبوباتهم حرموا من الزواج منهم، كما حدث لمجنون ليلى، ومع ذلك فقد تغزل في محبوبته ليجعل من رفض أهلها له حافزاً لكتابة الشعر، فتصور معى أن والد ليلى إذا كان زوجها له هل كان لقيس القدرة علي كتابة هذا الشعر الذي قدمه للانسانية، لقد كتب الشاعر محمد المكي ابراهيم قصيدته الجميلة إهانات شخصية لقيس بن الملوح، والقصيدة جميلة السبك والصياغة، لكني أرى ان ود المكي لم يفهم منطلقات قيس فحاسبه لمجرد الظاهر فليراجع هذا الأمر..!! »

قلت أرحل« قادتك يوماً إلى التحقيق في مكاتب الأمن- ما القصة؟

- كتبت هذه القصيدة من منطلق عاطفي بحت.. وليس للسياسة دخل في تكوين هذه القصيدة، ولكن وردي حولها بذكاء شديد إلى قصيدة رمزية صادم بها نظام النميري - لم أكن منتبهاً إلى أن هذه القصيدة تحمل في طياتها بذور الرمزية.. لكنني بعد أداء وردي لها ارتعبت.. فالقصيدة قصيدتي.. لكن ما يردده وردي شيئاً آخر.. ولقد لاحظ والدي -رحمه الله- هذا الأمر عندما استمع للقصيدة عند وردي فقال لي »استعد للدخول للسجن معه«.. وبالفعل استجوبني الأمن في ذلك الزمان.. ولكنهم حينما اكتشفوا أنني برئ من السياسة براءة الذئب من دم ابن يعقوب أطلقوا سراحي..

يا أخي الوطن في حدقات العيون... لكن هذه القصيدة عاطفية مائة بالمائة.. وكما يقولون يغني المغني وكل على هواه.. رعى الله ذلك الزمان الجميل الذي كتبت فيه هذه القصيدة، التي أصبح اسمها شعارا يرفعه الثوار في كل مكان ضد حكامهم في الوطن العربي، والسلام على ملهمات ذلك الزمان أينما كانوا وأينما حلوا.. وموعدنا الجنة ان شاء الله..

وبعد غياب وردي كيف ترى مستقبل الأغنية في السودان؟

- أجمع السودانيون على أن وردي عبقري من عباقرة الفن ولقد أعطى لوطنه ما لا مزيد عليه من الإبداع، فجمل لهم الحياة على مدى نصف قرن، لقد كان وردي موهوباً إلى درجة التخمة، ولا شك أن وفاته ووفاة أقرانه من المبدعين الآخرين كعثمان حسين وسيد خليفة وغيرهم ترك الساحة خاوية ينعق فيها البوم.. أنا لا أتكهن بما سيكون في المستقبل ولكني استبعد ان يأتي الزمان بمثل هؤلاء، قد يكون قولي هذا نابعاً من اختلاف رؤية الأجيال بعضها لبعض..

ومن الطريق أن أحكي لك هنا.. أنني رأيت وردي في المنام بعد وفاته خمس مرات، قرأ لي في إحداها نشيداً وطنياً استيقظت وأنا أردد بعض كلماته.. وأنا الآن في حيرة من الذي كتب له هذا النشيد؟!.. أسأل الله ان يتجاوز عنه ويدخله الجنة باذنه تعالي