قصة فيلم

قصة فيلم بقلم : الزين حجّاز ستموت في العشرين (You Will Die At Twenty) تدورقصة الفيلم حول طفل عاش في قرية سودانية فقيرة تحت وطأة نبوءة أحد رجال الطرق الصوفية في القرية

قصة فيلم

قصة فيلم

بقلم : الزين حجّاز

ستموت في العشرين (You Will Die At Twenty)

 

تدورقصة الفيلم  حول طفل عاش في قرية سودانية فقيرة تحت وطأة نبوءة أحد رجال الطرق الصوفية في القرية بأنه سيموت في عقده الثاني وبالتالي تأتي كل المشاهد اللاحقة منطوية على هذا الانتظار المرعب، القلق والخوف والترقب والحذروالتحول من كائن بشري إلى ملاك لا يريد أن يقابل الموت وهو مثقل بالدنيا لكنه في الوقت نفسه يظهر مصور سينمائي في حياته محاولا انتشاله من عزلة قاتلة إلى الحياة والأمل .

 

 

ولد (مزمّل) لأبوين يعيشان في قرية أبوحراز الفقيرة بولاية الجزيرة التي يميل سكانها إلى الدروشة والتصوّف. بعد ولادته ذهب به والداه إلى شيخ القرية الصوفي لمباركته فصدمهما بنبوءة أن طفلهما سوف يكبر ولكنه سيموت عندما يبلغ العشرين من عمره . كل من حوليه بمن فيهم نفسه كانوا يؤمنون بأنه سوف يموت في العشرين . تعامل الجميع معه بناءً على هذه النبوءة حتى أنه عانى من تنمّر أبناء القرية ممن هم في جيله بسببها فأطلقوا عليه لقب " ابن الموت " وحاولوا التسبّب في إيذائه وكأنهم يريدون استعجال تحقق النبوءة .  والد (مزمّل) استسلم لما سمعه من شيخ القرية كما لو أنه حقيقة و وجد نفسه عاجزا عن فعل أي شيء لإيقاف نبوءة الموت لولده فهرب إلى أديس أبابا بذريعة البحث عن عمل هناك . بعد أن صقعتها نبوءة الشيخ وهروب زوجها ارتدت والدته (سكينة) ثيابا باللون الأسود وعاشت بقية حياتها في حالة حداد على ولدها الذي عاش معها بحياة متعطّلة لكنها جاهدت على حمايته من المجتمع وأقرانه الذي ينظرون اليه كطفل ميت . والدته لم ترغب حتى في تسجيله في المدارس المحلية لأنها كانت تعتقد أنه لاجدوى من الدراسة للحصول على وظيفة لن يحتاجها أبدا لأنه  سيموت قبلها . مرّت شهور و سنوات من دون أن يحدث شيء مهم لا في حياتها ولا في حياته. خرج (مزمّل) من تلك العزلة وذهب إلى (الخلوة) تحت اصرار شيخ القرية  حيث تعلّم القرآن والتقى بالفقيه الروحي يعالجه وهو حبيس الجدران يواجه مصيره المشؤوم والثقل الهائل لتقاليد القرية الدينية . (مزمّل) أحبّ الشابة (نعيمة) لكنها تزوّجت غيره بعد أن عجزت عن إقناعه بأن ينسى تلك النبوءة ويعيش طبيعيا . أصبحت  حياته بدون معنى أو هدف حياة و كان كل ما يشغله هو انتظار أن تحين ساعة موته . لكن كل بِركة راكدة تنتظر ما قد يثير فيها بعض الحركة . تلك القرية المستميتة في هدوئها والراسخة في معتقداتها  بعد سنوات طويلة عاد اليها المسن (سليمان) المصور السينمائي والرجل الوحيد في القرية الذي كان يعيش خارجا عن تقاليدها وعالمها . هو ابن القرية الذي رفض ما تحمله القرية من منظور للحياة وسافر بعيدا ليكتشف الحياة والمدن البعيدة وعاش في صحبة الموسيقى والغناء والسينما. إن كان دين القرية وديدنها هو الانتظار فإن دين (سليمان) وديدنه هو اغتراف الحياة  سفرا و متعة وأفلاما وفنا . أصبح (سليمان) العالم الوحيد للشاب (مزمّل) وحاول جاهدا إقناعه بنسيان تلك  النبوءة والانغماس في الحياة . أصبح  أبا وعرابا له و أصبح بالنسبة له يمثل التمرّد الذي لم يعشه من قبل ونسائم الحرية التي لم يتنسمها قط . إن كان (مزمّل) لم يتساءل يوما عن قدره ولم يساوره قط شك في النبوءة فقد أصبح (سليمان) هو من يدفعه للتساؤل . ولكن لماذا عاد (سليمان) إلى القرية بعد كل تلك الأعوام ؟ هل عاد حنينا أم عاد انهزاما  أم عاد راغبا في أن يلقي بذرة تمرده ورغبته في أن يكتشف الحياة في تربة تستجيب لتلك البذرة أم عاد بحثا عن إبن وجده في (مزمل ) ؟ . وماذا عن (مزمّل) وما الذي جذبه إلى (سليمان) ؟ هل أغواه سرده لحكايات عن حيوات أخرى بعيدة أم أغوته الصور والسينما والأفلام التي كان يشاهدها معه ؟ .             مات (سليمان)  قبل أن يبلغ (مزمّل) العشرين من عمره  بوقت  قليل جدا و رجع والده من الغربة وتجرأ (مزمل) لأول مرة وصرخ في وجهه ليخبره بأنه يعتبر أن والده الحقيقي هو (سليمان) الذي ساعده في الخروج من أزمته و ليس هو الذي هرب إلى أديس أبابا .

 

 

(ستموت في العشرين) فيلم درامي سوداني تمّ انتاجه عام 2019  مقتبسا من مجموعة قصص (النوم عند قدمي الجبل) للكاتب السوداني (حمور زيادة)  الفائز بجائزة نجيب محفوظ الأدبية و هو من اخراج (أمجد أبو العلا) و بطولة (مصطفى شحاتة) في دور (مزمّل) و (محمود السراج)  في دور (ابراهيم) الى جانب ( إسلام مبارك) و (و (بونا خالد) و( آمال مصطفى) و(طلال عفيفي) .

استغرقت مراحل التصوير نحو شهرين في مناطق وسط السودان المفعمة بالطابع الفلكلوري والأجواء الصوفية والقباب الخضراء والبيئة المحلية التي ميزت المشاهد المرئية والروحية معا حيث تم تصويرها بتحكم كبير ولقطات بسيطة لكنها مؤلفة بشكل بديع .

 

 

فاز الفيلم بجائزة  " أسد المستقبل " في مهرجان فينيسيا السينمائي الدورة السادسة و السبعين حيث خطف الأضواء وأثار دهشة الحضورالذي تابع العرض  لكونه الفيلم الأفريقي الأكثر تاثيرا في المهرجان وبهذا يصبح أول فيلم سوداني يفوز بهذه الجائزة . وكان الفيلم قد حصل  على أكثر من جائزة دولية آخرها جائزة مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة لأفضل فيلم روائي طويل ولاقى استحسانا كبيرا من مشاهديه .

قال أحد النقّاد : " للحق الفيلم ممتع جدا على المستوى البصري إذ حملت الكاميرا الثقل الكبير في نجاحه إضافة إلى شعرية رؤية المخرج في انتقاء أماكن التصوير وزوايا اللقطات السينمائية غير أن الفيلم لم يستطع أن يقدّم للمشاهد أية رؤية لا قديمة ولا جديدة عن فكرة الموت والزمن والعلاقة بينهما أو فكرة الموروث الشعبي وعلاقته بصيرورة حياة الأفراد. النبوءة والموت هما المحوران الأساسيان في الفيلم غيرأن الفيلم سار بعيدا عنهما " .

 

 

كاتب صحفي سوداني مشهور  نظر الى الفيلم  بصورة مزعجة واعتبره محاولة لتسويق أطروحة علمانية في مواجهة الدين وكتب مقالا في صحيفته مستعرضا مشاهد شيخ القرية الذي قال عن الطفل المولود بأنه سيموت بعد عشرين سنة حيث ظلّ الطفل في شبابه متدينا وهاربا من سوء المصير والخوف جعله يشعر بأنه مطارد والمطاردة جعلته يكره ما يطارده  وهو الدين و بذلك تحوّل ضد الإسلام  . اعتبر هذا الكاتب الذي ينتمي إلى نظام الإنقاذ البائد أن الإسلام في الفيلم صنعه و أتى به مؤلف قصة الفيلم وهو ليس الإسلام الذي أتي به النبي محمد و بدى من القصة أنه إسلام به من الثقوب والخراب مما يجعل كل أحد يكرهه.  ردّ عليه (حمور زيادة) مؤلف القصة : " ستموت مشقوقا بمغسة حرية التعبير والفن .. أصبر بس ".

عقب تسلمه الجائزة على مسرح مهرجان فينيسيا قال مخرج الفيلم : " أشعر بالفخر والسرور لأني كنت أشاهد هذا المهرجان في التلفزيون لنحو 20 عاماً ولم أكن أعرف أنني سأقف هنا يوما ما ولأنني من بلاد كانت ترزح تحت نظام لا يدعم السينما .. وأقول (كانت) لأن بلادي قد شهدت أخيرا ثورة طردت هذا النظام " .