عمتي بت ست النفر         قصة                شامة ميرغني

عمتي بت ست النفر          قصة                 شامة ميرغني

عمتي بت ست النفر

        قصة

               شامة ميرغني

 

قضيت معها اربعة اعوام  من عمر زواجنا الذي تجاوز الان عشر سنوات.

كنت احبها كأمي او أكثر قليلا . بيضاء مشت شفرة الموس الحادة على خدودها باستحياء،فبدت شلوخها الطولية  خفيفة كدرب ريشة مشت على ورقة مصقولة،لا علاقة بين بشرتها الناعمة  وشعرها المجعد الذي غزاه الشيب باكرا

طويلة هي كالامل وقامتها منتصبة تتحدى عوامل الزمن. انها عمتي الوحيدة، التي كانت تحمل لنا الحلوى ممزوجة بالحنان والدفء

كانت عمتي في زيارتها المتكررة ،تذرف الدمع غزيرا على ابي الذي رحل باكرا وتركنا زغب الحواصل بلا عائل ،فنشأنا في بيت جدي لأمي

كنت اشعر بالخصوصية  عندما تأتي عمتي وتأخذني في حجرها واندس في حضنها الذي اجد فيه رائحة ابي فأنام وهي تمسح على شعري  بيدها اللطيفة فانام.

كانت تدس بعض النقود في يدي  وتهمس في اذني

(دسيها ما تخلي زول يشيل منك) اغلب ظني انها كانت تفعل نفس الشيء اخوتي.

لكني كنت الاكثر التصاقا بها اتشبث بثيابها واملأ الدنيا صراخا حين تغادرنا  فتذرف عمتي  الدموع وتودعني وهي تعدني بزيارة قريبة.

كانت المسافة بين بيتها وبيت جدي سيارة تسلمها لمرسى وكانت عمتي تخشى ركوب النهر . كات ابنها عمر ،يقطع هذا النهر يوميا لنتقابل كنا نتبادل حبا يتدثر بعباءة القرابة ويتخفى بها!

كان ينتظرني عند باب المدرسة دون ان يثير اي ريبة في حقيقة اهتمامه بي. اعتاد الناساهتمامه ورعايته لي منذ كنت طفلة.

كان يحميني من نظرات الشباب ومعاكساتهم بنظراته الزاجرة وعضلاته المفتولة.

عرفني الحب منذ الطفولة ،تبادلنا الخطابات الغرامية وسرقنا لحظاتنا الخاصة دون رقيب ردحا من الزمن، ثم توجنا حبنا بالزواج بهدوء، سعدت بي عمتي كثيرا وسعدت بوجودي معهم وعشت في بيتها هانئة لا يعكر صفو حياتي شيء  غير دكتاتوريتها  ورأيها الاحادي

الذي لا يحتمل الخطأ او يقبل النقاش !

تعودت طاعتها وملاطفتها كنت (رغم احتجاج عمر ) البي طلباتها عن حب اكنه لها منء الطفولة وكانت هي تتمادى في دلالها وبسط سلطانها. فعندما انجبت ابنتي الاولى لم تسعد الدنيا فرحتها  كانت تزغرد وتوزع الحلوى والتمر على الاطفال، وكنت سعيد انتقي الاسماء الجميلة لطفلتي ،لكنني فوجئت باصرارها ان تختار هي اسم المولودة  وتصر ان تسميها على اسم امها (ست النفر !!)  رفض عمر واحتد ،فلجأت الي  ولم اشاء ان اجهض فرحتها فوافقت ووسط دهشة الجميع  اسميت طفلتي (ست النفر) لكني (لا اخفيكم سرا) فقد اخترت لها اسما أخر اعجب عمر وسجلها به  فصار اسمها في الاوراق الثبوتية ( شهادة الميلاد) (هبة عمر)

وظلت عمتي تناديها ( ست النفر) وتدللها (نفورة واحيانا ستو !)

حاول عمر ان يحررني من سيطرة عمتي دون جدوى ،فقد تكرر الموقف عندما انجبت طفلنا الثاني  واختار له اسم (فضل الله) على اسم والدها وكان لها ما ارادت فانا احبها و لا احب ابدا ان تغضب مني ،فانا ابنتها البارة ،التي تمشط لها شعرها،وترتب لها ثيابها  ،وتهتم  بمواعيد قهوتها وتعد لها الوجبات التي تحبها

كنت افعل كل  شيء  يسعدها عن حب حقيقي ،كان يزعجها ان ازور شقيقاتي او اقضي يوما في بيت جدي  فتنازلت عن هذا الحق!

تفهمت امي موقفي ،احتجت اختي  الكبيرة احتجاجا اوصلنا درجة الخصومة سخروا مني وانهموني بالسلبية والخنوع ولم ابالي ،فكا همي ان تكون عمتي راضية  عني، ولما كنت عمتي ترحب بامي واخواتي وتسعد بزيارتهم لنا ، صارت اسرتي تأتي لزيارتنا دون ان يتوقعوا  زيارتنا لهم ،الا في الاعياد في  العيد تحملني عمتي الحلوى والكعك الذي نعده بمقادير وفيرة و بعض الهدايا لامي وتسمح لي ان امضي نهار اليوم الثاني والثالث من كل عام  معهم ، وما يهدأ الليل وتخف ارجل المارة  حتى تبأاخواتي في الثرثرة والانتقاد  ووصفي بالشخصية الضعيفة والمسكنة ونعت عمتي بالمرأة المتسلطة ،فاتخاصم معهن  واقسم الا  اعود لزيارتهن مرة اخرى فيضربن كفا بكف ويكفن عن النقاش .

تمادت عمتي ذات مرة عندما كنت مع اسرتي  وهي تستعد لزواج اختي ،

تمارضت عمتي وقررت ان تسافر العاصمة للعلاج  واصرت على ذلك رغم اقتراب موعد الزواج،وكان لها ما ارادت ،وسافرت معها مقهورة ،اذ لم يكن مناسبا ان اتركها تسافر وحدها، وهي التي تردد دائما (انا الله ما رزقني ببنت لكن بت عبد الوهاب اخوي احسن من مية بنت)

تملكني الغيظ عندما حاول عمر ان يثنيني عن فكرة السفر  معهم  فأخذت تردد بصوت واهن :-

- لو رقدوني في المستشفى  البشوفني منو يا ولدي؟

سافرت معها وبداخلي غضب مكتوم  تحول الي غيظ والم عندما تعافت عمتي ونحن ما زلنا في الطريق واخذت تفاصل الباعة المتجولين وتشتري الهدايا لاحفادها

احسست بالغبن لانها حرمتني من حضور  زواج اختي وتصاعدت كل اقوال شقيقاتي الي ذهني

بقيت عمتي اسبوعين تراجع الاطباء وتتجول  في الاسواق وتزور صديقاتها.

عدنا وقد انتهت مراسيم الزواج  انفض سامر الفرح وانتقلت شقيقتي الى بيت زوجها.

كنت اتأمل الصور التذكارية التي تجمع افراد اسرتي واتحسر

شاهدت شريط الفيديو وشقيقتي بفستان الزفاف وحولها شقيقاتي وانا الوحيدة الغائبة واخذت ابكي ولم تكترث عمتي او تطيب خاطري بكلمة

عندما انتدب عمر للعمل بواحدة من دول الخليج  عمت الفرحة الاسرة ،وكانت عمتي اسعد الناس لكنها عندما بدأت استعد للسفر مع عمر وغضبت غضبا شديدا ،واقسمت الا اسافر مع زوجي وفشلت دموعي وكل محاولات زوجي في اقناعها وعرض عليها ابناؤها ان يأتوا بزوجاتهم واولادهم ويعيشوا معها

لكنها رفضت رفضا باتا  وتعالت الاصوات واتهموها بالسيطرة والتسلط فأدعت المرض وعصبت رأسها بعصابة ورفضت الاكل!

فتنازلت عن السفر  اكراما لها وفضت للاشتباك اقترحت على زوجي ان تسافر هي اولا  لأداء فريضة الحج ثم نفكر  في امر سفرنا بروية اكثر.

سافر عمر وعشت بعده في وحشة وفراغ عاطفي رهيب

وعرفت لاول مرة في عمري معنى  القلق والارق والخوف من الزمن والناس!!

مضت الايام وسافرت عمتي وأدت فرضها وعادت تحمل لي من الهدايا ما لم يخطر لي على بال.

بدأت استعد للسفر فشنت علي حملة قاسية ونعتتني باني من بنات(اخر الزمن اللاتي يركضن خلف ازواجهن ولا يبالين لكبيرات السن ) وقالت ينبغي علي ان اقدر موقفها فانا الوحيدة المجبورة والملزمة بملازمتها  دون سائر اولادها واحفادها وزوجات اولادها لاني(  ابنة عبدالوهاب اخيها )

لم اكترث خذه المرة وسافرت وهناك عرفت معنى الحياة الزوجية ومعنى ان تكون المرأة ملكة متوجة في بيتها

ثم انجبت رؤى واحسست بطعم الامومة  الحقيقية لاول مرة.

كنت رغمكل ما حدث من عمتي اكن لها قدرا من الحب كاف للصفح والغفران ،وبدأت الذكريات و الشوق يشدني الى امي واخوتي وجيران واليها وهي تحتل المساحة الاكبر في وجداني.

عندما عدنا بعد عامين  كان بيتنا قد اكتمل  بدأ نا في تأثيثه فتدخلت عمتيوحاولت ان تمنع عمروتقنعه بعدم التأثيث  وعندما حان وقت السفر اقسمت الا نسافر انا واحفادها مع عمر واخذت تبكي! وافق عمر تحت ضغط دموعها معها الى حين فتح المدارس ،وافقت على مضض،ومضى شهر واخر وحانموعدبدء الدراسة،وعمتيلا ترضى وعمر يتهمني باني  سمحت لها وعودتها ان تتحكم في حياتنا . بدأت عمتي تدعي المرض مرة اخرى وتهدد (بحق الفيتو) واهلان (عدم العفو عن عمر مدى الحياة )وتحتج :-عمر لو ولدي ما بيسوق مرتوا ويخليني وحيدة!!

بت في حيرة كيف تكون وحيدة وحولها اولادها الثلاثةوهم اكبر من عمر

كنت اتساءل ماذا افعل؟ وتتهمني شقيقاتي بالبلاهة والعبط!

كنت اعلم ان عمتي تتغشى الشيوخ والدجالين اذا اشكل عليها امر،لكن لم يدر بخلدييوما ان تسعى عمتي لمنعي من السفر بمثل هذه الاساليبالسخيفة... كنت في ذلك اليوم بقرب  دار شيخ مشهور في قريتنا اكن اسير محتمية بالجدار من حرارة الشمس،فاذا بصوت عمتي يشي بنفسه:-

- ارجوك يا شيخ احمد تكتف لي بت عبدالوهاب اخوي وتخليها تنسى السفر نهائي وتخليه تحرسني وتقعد جنبي زي  الكديسة!!

وتنجم عمر ولدي وتخليهو تاني ما يجيب سيرة السفر!!

جلدني صوتها واسرعت مبتعدة حتى لا اسمع المزيد ! هل يعقل هذا؟ لماذا يا عمتي!هل هذا جزاء٨ حبي لك؟

عدت الي البيت ..  .وعادت عمتي ومكر الثعلب  في عينيها اخذت اطفالي وغادرت بيتها في صمت وفي الطريق ذهبت الى الشيخ واعلمته بأني  سمعت كل ما قالته عمتي ولست خائفة من اعماله  خرجت وتركته يتساءل:-منو انت ؟بت منو انت؟ بفيت في بيت جدي حتى  اليوم الثاني وانافي طريق للسفر دون علمها ذهبت لوداعها عقدت الدهشة لسانها  عندما رأت حقائب سفري انا واولادي في السيارة فاخذت تبكي وتولول وتنعي نفسها دون ان يلامس شيء مما تقول

احساسي الذي تبلد. ودعتها بلا دموع

سافرت ولم اعد اذكرها، مكثنا خمس سنوات ولم افكر في العودة

كنت كلما تذكرت السودان ...تذكرت تسلط عمتي وتوبيخ اسرتي  واتهامات زوجي بانني وانني.......

قررت ان ابقى بعيدة وتفرغت لتربية اطفالي ورعاية زوجي  ومحوت الجميع من ذاكرتي.

حتى جاءنا خبر مرضها قبل اربعة اشهر .

طلبت من عمر ان يذهب وحده لزيارتها !! ثم (لم يطاوعني قلبي) وعاودني الحنين اليها والى اسرتي

وهناك. ....... هالني ما ال اليه حال عمتي من الكبر والهزال وانفطر قلبي ولم اعد اذكر الا حضنها الدافي والحلوى التي كانت تحملها الينا وانا طفلة فاخذت ابكي .

وبقيت بالقرب منها البي رغباتها.... امارضها .. ...ولا افارقها ابدا

 وصارحت زوجي بعدم رغبتي في السفر وتركها وهي بهذه الحال ، تأثر عمر وطلب مني ان ادرس القرار جيدا فاطفالنا وتعليمهم يجب الا نغفله .قلت له  لن اتركها

لكنه وقبل انتهاء اجازتنا بعدة ايام كانت تنتقل للدار الباقية في هدوء ؛فاضت روحها وهي في حضني  كأنها طفلة .

رحلت وبقي صوتها الواهن يتردد في اذني:-

- اعفي مني يابتي انا تعبتك معاي . انا دايما حاسة بيك انت اكتر من بنت .

 

اليوم وقد اعددنا العدة للسفر بقلب منكسر ،اجتمع اولادها وقرروا فتح وصيتها..... فوجدوا انها اوصت لي باغلى ما كانت  تملك (حليها واساورها) فبكيت كما لم ابكي من قبل،ادركت مدى حبها واعزازها .....وندمت على كل لحظة ابتعدت فيها عنها.....انا التي كانت الحياة امامي وهي التي كانت تخطو نحو نهاية العمر!!!

ماذا كان يضيرني لو غفرت لها انانية حبها لي وعاودت زيارتها ماذا كان يضيرني لو عاودت زيارتها وبقيت قربها ادفيء قلبها وارعى شيخوختها وهي المحرومة من خلفةالبنات ...... ليتني  فعلت.

        تمت

             جدةفي٢٠٠٦