الكتابة والقراءة / سبعينات القرن (آسيويا/ إفريقيا وعالميا )

الكتابة والقراءة / سبعينات القرن (آسيويا/ إفريقيا وعالميا ) حدبث مع عيسى الحلو /أجراه محمد نجيب محمد على  ×جوائز الرواية /كتابات الربيع العربي. ×الفكر التقليدي والحداثوي /إبداعا ونقدا . ×إبداع الحياة بين القديم والجديد . ×الثورة السياسية /صناعة السؤال وصناعة الإجابة . ×صفقة العصر وسؤال التطبيع .

الكتابة والقراءة / سبعينات القرن (آسيويا/ إفريقيا وعالميا )

الكتابة والقراءة / سبعينات القرن (آسيويا/ إفريقيا وعالميا )

حدبث مع عيسى الحلو /أجراه محمد نجيب محمد على 

×جوائز الرواية /كتابات الربيع العربي.

×الفكر التقليدي والحداثوي /إبداعا ونقدا .

×إبداع الحياة بين القديم والجديد .

×الثورة السياسية /صناعة السؤال وصناعة الإجابة .

×صفقة العصر وسؤال التطبيع .

 

 

 

 


الحديث مع عيسى الحلو له متعة مختلفة لأنك تجلس مع مجموعة من المبدعين وليس مبدع واحد ، فهو قاص وروائي وناقد بجانب إشرافه على الملفات الثقافية على مدى ستين عاماوقد وجدت أعماله الإبداعية خاصة فى مجال الرواية العديد من الدراسات النقدية والجامعية إذ يعد أحد الكتاب الكبار فى هذا المجال وله العديد من الإصدارات أولها ( ريش الببغاء )التي صدرت عام 1967 وآخرها روايته ( نسيان ما لم حدث ) والتي صدرت عن دار مدارك قبل أيام بالخرطوم  .
وبينهما حوالى السبعة إصدرات بين القصة القصيرة والرواية , طالت جلستنا على مدى أكثر من يوم وحول أكثر من قضية حول الراهن والتجربة والكتابة والفلسفة والسياسة وهو موسوعة فى كل مجال يتناول كل مسألة بترتيب ووعي عميق وذاكرة لا تجفل خيولها .. هو حوار المتعة والمعرفة ..كل إجابة منه تطرح سؤالا وكل سؤال يقود إلى إجابة ..وكانت هذه الحصيلة .

 

 

 

 

_  (نسيان ما لم يحدث ) روايتك الجديدة نريد أن تحدثنا عن مشروعك الإبداعي؟. 

مشروعي الإبداعي تحول بعد أن اشتغلت بالصحافة الثقافية وذلك فى أوائل السبعينات. قدرت بشكل موضوعي قدراتي فى العمل بحيث يكون إنتاجي مفيدا للساحة الثقافية بمجملها، فكان على أن أرتب حالى فى أن تكون مسئوليتي الأولى هي مسئولية العمل الصحافي الثقافي. أما صفتي الأخرى بوصفي منتجا ثقافيا فهذه لا تحظى بالمكانة الأولى ولكي أكون منصفا لذاتي الكاتبة ولذاتي الإعلامية فضلت أن أكون هاويا وليس كاتبا محترفا، فكنت أقدم من وقت لآخر من خلال عملى الصحفي كمشرف صحفي عن الملف الثقافي الإسبوعي فى الأيام وقتذاك فى أوائل مطلع السبعينات بعض النصوص ، وقد جودت عملي الصحافي وقللت من إهتمامي بالعمل الإبداعي فكنت أكتب رواية واحدة طوال السنة وأكتب مجموعة قصصية طوال السنة أما جهدي الأعظم كان موجها لمسئوليتي الاساسية وبالفعل كان ملحق الآداب والفنون فى جريدة الايام طوال 12 سنة جهدا قدره القراء والكتاب المبدعون واكتفيت بهذا الشرف ومازلت أتعامل مع كتاباتي الخاصة بروح الهاوي غير المحترف وهذا هو السبب فى رأيي واصراري على أن أكتب نصا مختلفا أمارس فيه حريتي فى الكتابة دون أن أخشي ذاك النوع من النقد القاسي، حتى الآن طوال السنوات  الماضية أعتبر نفسي كاتبا مبتدئا لا يدير رأسي الثناء ولا يحبطني الهجوم النقدي فبمثل ما أعطي نفسي حرية أن أكتب ما أشاء وكيف ما أشاء، فكنت عاقلا بما يكفي فأعطيت القاريء حقه لأن يقبل نصي أو يرفضه وفى ظني أن الكتابة هي أصلا حوار متبادل بين حرية القاريء وحرية الكاتب فكلاهما له القبول أو الرفض ولهذا أنا لا أضع هما كبيرا فى متابعة آراء القراء وأثمنها بما يشبع غروري الذاتي لأني لا أصاب بالإحباط مطلقا وذلك حتى تشيع فكرة الحرية كتابة وقراءة ،مما يطور الفعل الكتابي فى الوطن بشكل عقلاني ديمقراطي وهذا ما يحفظ لنا نقاء الفكر الإبداعي والسياسي داخل مناخ ديمقراطي. فى روايتي الجديدة التي صدرت قبل أيام من دار مدارك وهي بعنوان (نسيان مالم يحدث )هي نفس مساري الذى إبتدأته من كتابي الأول (ريش الببغاء )فى الستينات حيث أعطيت نفسي حرية كبيرة أن أكتب ما أفكر فيه حقا وما أحس به حقا وأنا وسط الآخرين فهي ليست حرية ذاتية مطلقة فالإنسان لا ينال حريته إلا بالحوار الجاد الذى يعترف فيه كل من الأنا والأنت بالآخر وهكذا تتأسس الأفكار الكبيرة والعميقة ولهذا أنا ادعوك لأن تقرأ هذه الرواية التي أعتقد أنني قد بذلت فيها مجهودا، وأترك تثمين هذا الجهد للقراء فقط، ولكنها بالحق تحتاج لقارىء مدرب للنصوص التي تبدأ الكتابة من الصفر تلك التي يسميها رولان بارت(كتابة تحت الصفر او الكتابة البيضاء ) هذا كل ما يمكن أن أقوله بصدد النص الروائي، أما النص النقدى فقد جاء إهتمامي به وإشتغالي فيه لأنني كنت أريد أن أتعرف على قدراتي فى الكتابة، أين نجحت وأين فشلت، وأن أجعل كتاباتي تدخل فى فضاء ومجاورة النصوص التي تعاصر ما أكتبه من نصوص وبذا يتعرف غيرى وانا على العصر الذى نكتبه، أو بالأحرى العصر الذى يكتبنا. ولعلك تندهش عندما تعلم أنني إنتهيت من كتابة نص نقدى لديوان شعر يصدر خلال هذه الأيام للشاعر الياس فتح الرحمن وهو بعنوان (القصائد تقطف فى أوانها) لا تتعجب أن يكتب روائي منشغل بالنص النثري عن نص شعرى كما قلت لك فى بداية حديثي هذا وما جعلني أرتب قدراتي بين الأدب والصحافة هو معرفتي اليقينية أن كل أجناس الإبداع كتابة وموسيقي غناء وتشكيل كلها يربطها خيط واحد مشع ووامض بالرؤيا المتكاملة للحياة وهي قدرة تشترك فيها كل الأجناس الإبداعية بوصفها الرؤية الإنسانية الوجودية لهذا العصر 

 

 

 

- من خلال تجربة عيسى الحلو فى الكتابة الروائية والنقد كيف تقرأ
 الرواية العربية الحديثة فى البلاد العربية المختلفة ؟ 

كانت مصر فى طليعة التقدم الثقافي والحضاري منذ عهود بعيدة نفخ فيها الروح محمد على باشا فكانت هذه أول مراحل النهوض ،وكانت قبل هذه الفترة الإشعاعات الثقافية الظاهرة أيام حملة نابليون، ومنذ ذاك الوقت أصبحت مصر قادرة على التوحيد مابين الثقافة الحداثوية والثقافة التقليدية إلى جانب أنها كانت من أهم أنصار الدولة الإسلامية فى عصورها الأموية والعباسية ،ولهذا كان خطابها الأدبي على درجة من التجويد والإتقان. فيما بعد تخطت السرد الحكائي الذى أسسته كتابات الف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وأدب المقامات ، ثم جاء الخطاب السردي الحكائي فيما يسمي بالنصوص السردية حتى وصلت إلى رواية زينب عند حسنين هيكل وهكذا أخذ التطور السردي الروائي في التطور بما يعرف بالسرد الروائي كما يحدده النقد الروائي المعاصر، ثم جاء نجيب محفوظ وكانت القفزة الكبري في مسار الرواية العربية المعاصرة .وسر تفوق ريادة نجيب محفوظ  أنه خلص السرد الروائي العربي فى هذا الوقت من مرجعية النص الروائي الشفاهي الشعبوي وذهب به إلى النص الروائي المكتوب . وبذا وضع حدا للتداخل مابين (الكلام والكتابة) .ثم جاء الطيب صالح وذهب فى نفس الطريق مما جعله يكتسب لقب (عبقري الرواية العربية ). أما الحال فى دول المشرق العربي فقد تمكنت الرواية الفرنسية فى كل من تونس والمغرب والجزائر لاسيما وأن الجزائر كانت قد عرفت الإسباني سيرفانتس صاحب دونكيخوته ،كما عرفت البير كامو الذى عاش فى أزقة الجزائر العاصمة وكتب روايته الشهيرة الطاعون ،ومنذاك الوقت جاء تقوق دول المشرق العربي فى كتابة السرد الروائي. أما الدول العربية الأخرى فكان النهوض الثقافي مرتبطا بالتحولات الحضارية والثقافية بسبب أن الإستعمار قد جثم على صدورها لمدة أطول وأنها لم تجد المناخ الديمقراطي فى الحوار ما بين الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة ولم ينفتح لها الأفق إلا بعد أن نالت الإستقلال السياسي وتخلصت من القيود الثقيلة ولكنها كانت على درجة من الحضارة التي لا تكفي لتحرير آدابها وفنونها وخطابها السياسي الحر الذى يمكنها من الإبداع فى شتى المجالات ثم دارت دورات كاملة من التقلبات السياسية والحضارية والاقتصادية التي غيرت من المشهد الثقافي في كافة أنحاء الوطن العربي خاصة بعد تأسيس دولة اسرائيل مما أدى إلى التجاذبات بين شتى تيارات الطمع الإستعماري في ذاك الوقت مما عطل المشروع الثقافي التنموي فى عالمنا العربي الأفريقي والآسيوي وجاءت حركات التحرير الوطني المعاصرة، فجاء عبد الناصر بخطابه القومي وجاء نكروما وجاء جواهر لانهرو في الهند وسيكارنو في اندونيسيا  مما أدى الى ما يسمى بالحياد الإيجابي أبان الحرب الباردة بين الشيوعية والرأسمالية الشيء الذى أدى إلى ظهور السرد الروائي الواقعي الإشتراكي ومما أدي إلى ظهور قصيدة التفعيلة في العراق ومصر ثم فى كل انحاء الوطن العربي.
هذا هو المشهد بعمومه حتى الستينات من هذا القرن ثم تغير هذا المشهد وأصبحت الغلبة لتيارات الإبداع الحديثة فكانت تونس والجزائر والمغرب يباشرون العمل الروائي وفق مناظير النقد الاوروبي بمختلف تياراته الجمالية حتى أن روائيا مثل الفرنسي (جوستاف فلوفير) يقول أن الرواية هي فن الشكل كما يقول ميخائيل باختين من  الشكلانيين الروس أن مهمة الخطاب الشعري هو توصيل الجمال ومهمة الخطاب النثري هو توصيل المضمون فأصبحنا أمام موقفين متعارضين ومازال هذان الموقفان يتفاعلان في الساحة السردية والشعرية ولعل أكثر نصين يعبران عن هذا التعارض قصيدة آسيا وأفريقيا للسوداني تاج السر الحسن أيام مؤتمر باندونق ثم قصيدة الجندول لعلى محمود طه ولكن الآن تدفقت من كل أنحاء العالم مناهج نقدية جديدة تعبر عن رؤى مختلفة وتطمح فى التجديد في شكل ثورة كاملة، وأذكر أنه فى 1965عقد مؤتمر روائي عالمي ضم روائييي العالم من آسيا وافريقيا واوروبا والأمريكتين في عاصمة كوبا هافانا أيام كاسترو ومن أهم المشاركين كان جان بول سارتر والشاعر الروسي الشاب افتشنكو والروائي الايطالي البرت مورافيا ويوسف ادريس وكانوا يناقشون أزمة الرواية الاوربية ودخولها فى عنق الزجاجة وأن السبب فى ذلك يعود كما فسروا هذا المأزق أنه جاء بسبب زوال سلطة الطبقة الوسطى فى اوروبا وأن الحل يكمن في بلدان العالم الثالث لتطوير السرد الروائي ومن الغريب انه فى ذات الوقت اكتشفت امريكا اللاتينية الواقعية السحرية كمذهب سردي روائي وكان على رأس هذه الواقعية السحرية اللاتينية الروائي استورياس وبورخيس وماركيز وفيما بعد داخل نطاق هذه الثورة ضد الرواية التقليدية عالميا ظهرت الدعوة فى فرنسا لكتابة رواية جديدة ضد روايات بلزاك وروايات استاند ال والاسكندر دو ماس وفلوبير وسموا هذه الرواية الجديدة التي يبشرون بها بالرواية المضادة أو الرواية الواقعية الجديدة او اللارواية ومن كتاب هذا التيار الن روب جرييه وناتالى ساروت ومارقريت دوراس، وهي رواية ضد الوصف وتخلو من البطل كانما يريدون أن يقولوا أن الإنسان قد فقد سيطرته على العالم وهناك تيارات أخرى ظهرت عند الزنوج الامريكان كرواية الفردوس لتنسي ميرسون كما ظهر كتاب شباب من الامريكان الذىن أسمتهم جيرتروداستاين منهم همنجواي واسكوت فتز جرالد .وهكذا يمور العالم باتجاهات روائية متعددة كل ذلك وهناك الرواية المستقرة التقليدية التي تنتمي للقرن ال19 الميلادي ومنها الكتاب الروس الكلاسيكيون بسترناك وشيلخوف ودستوفسكي وتولستوي وتورجنيز وقوقول وفي اوروبا الشرقية كان هنالك كافكا وموزيل وبلوخ   كل هذه الاتجاهات أصبحت هي ميراث السرد الروائي فنحن أمام موقفين فى الخيار أما أن نختار الموقف التقليدي او الموقف التجديدي الحداثوي هذا على مستوي التجريب كما فعل يوسف شاهين فى السينما وعبد الوهاب فى الموسيقي ولكن إلى جانب هذا الخيار الذى يمثل طموح الفنانين المجددين إلا أن هنالك واقعا عربيا افريقيا اسيويا يفرض قضايا الحياة الاجتماعية والسياسية الثقافية الجمالية ويعبر عن الثقافة القومية في بعدها الإنساني العالمي وهذا ما ظهر جليا في ثورات الربيع العربي والتي مازالت تجدد نفسها في ثورة ديسمبر فى السودان وفي العراق. وفى الحوار السياسي الديمقراطي فى مجلس النوا ب فى  تونس وضبط الحرية المطلقة للغنوشي والإنتخابات البرلمانية فى الكويت ومحاولة مصالحة دول الخليج وفك حصار قطر ومطالبة الاتحاد الاوروبي بمطالبة مصر بالتريث فى حقوق الإنسان ونيل السودان حريته من الحبس داخل ما يسمى بالارهاب وتفكيك الدولة العميقة فى مؤسسات مرتبطة بالقوانين والحريات العامة 

 

 

 

_  ماذا عن الرواية الجديدة فى عالمنا العربي؟

الرواية العربية الجديدة تجد فضاءا واسعا فى دول المشرق العربي وذلك للصلة القوية بين أدب الرواية الفرنسية وعلاقتها المتينة تاريخيا بدول المغرب العربي حيث نفوذ الثقافة الفرنسية منذ الاستعمار الفرنسي لهذه الدول وسيادة اللغة الفرنسية بين الكتاب والقراء وهذا ما سهل انتشار هذه الرواية الجديدة التي يكتبها روائيو تونس والمغرب والجزائر حيث اصبحت هنالك زائقة قرائية قوية لهذا الابداع الجديد حيث كان الجمهور العربي فى هذه الدول يستقبل هذا النوع من الرواية بحماس كبير مما جعله لايقبل على الرواية التقليدية اذكر انه فى دورات سابقة لجائزة الطيب صالح قرأت رواية من الجزائر وهي رواية جيدة للغاية بعنوان مذكرات معتوه وكانت الاولى وهنالك كاتبة من الاردن نالت   قد نالت الجائزة  الجائزة الاولى أيضا  وهي سميحة جريس  وهنالك الجائزة الثانية التي حاز عليها الكاتب السوداني عمر احمد فضل الله وهنالك روايات عديدة فازت فى الدورات السابقة من تونس والمغرب والجزائر ايضا ومن حسن حظي انني قد اطلعت عليها من الهدايا التي كانت تصلنا من 
امانة الجائزة لمطبوعات هذه الروايات التي كانت تطبعها دار نشر مدارك ومن قراءتي لهذه الاعمال الجديدة ومن اطلاعي على الرواية فى المشرق العربي فى عهودها القديمة التي تمثل الرواية التقليدية وفى اطلاعي لكتابات الروائي العراقي عبد المجيد الربيعي التي كان يدرس فبها كتابات المغرب العربي الروائية ومن اطلاعي على روايات الكاتب الكبير التونسى محمود المسعدي  فى روايتيه (السد)

 

 


و(حدث ابوهريرة قال) تجد ان الرواية الجديدة ذهبت الى افاق بعيدة من حيث التقنية السردية التي تعتمد على البطل المأزوم المشحون بالحزن والاحباط وامتداد الطرق لتطلعه لحيالة افضل مع عرض للمشاكل الاجتماعية والفساد السياسي والاقتصادي وفشل الدولة فى القيام بواجباتها نحو المواطنين وهذا ما كانت تعبر عنه كل الروايات التي صدرت ابان الربيع العربي، فكانت هنالك رواية تمهد للربيع العربي وأخري بعد الربيع العربي توصف المناخات التي أدت لثورات هذا الربيع وكذلك تجد فى الجزائر أن هنالك الروايات الجديدة التي تعبر عن إنسان  الصحراء الجزائرية وإنسان السواحل فى وهران وهي رواية مشدودة ومتوترة بين قطبي القديم والحديث وهي تنتصر للحداثة فى كل مرافق الحياة السياسية وتطالب بدمقراطية كاملة والتخلص من القيادة الفردية والمحسوبية الادارية والسياسية والفساد الاقتصادي هنالك الكاتب الجزائري الضخم واسيني الاعرج الذى يعالج الرواية وفق مناظير المستقبل ووفق تقنيات الشكل الروائي الجديد ويتابع القضايا العربية فى جذورها وأزمتها المعاصرة ويرجع أحيانا للتاريخ ليقارن بين صورتي الماضي والحاضر، الجزائر لها تراث روائي ضخم يتجلى في إرث الدكتورة الجزائرية اسيا الجبار التي ترجمت إلى لغات عديدة وهنالك جيل فى المغرب يواكب هذا الجيل ويذهب نفس المذهب التجديدى الطاهر بن جلون كما الطاهر ود طار فى الجزائر ولكن التجلى الحقيقي الذى تتمظهر فيه كتابات المشرق العربي هي تلك الكتابات التي عبرت عن الربيع العربي قبله وبعده تلك التي مهدت إليه وتلك التي وصفته فكانت الرواية العربية الجديدة هي ثورة فى الشكل وثورة فى المضمون ثورة تريد أن تضبط مسار الديمقراطية السياسية وتربطها بحرية التفكير وحوار الأنا والاخر ومن ثم أصبحت هذه الرواية التي يكتبها المشرق العربي هي إضاءات تضىء كل المنطقة العربية وتلقي الضوء بكثافة على الصعوبات الحضارية التي تواجه الشرق الأوسط ثم هناك كتابات مضيئة جدا فى الكويت والبحرين وهناك جهود الجوائز الروائية فى كتارا والبوكر والعويس ونجيب محفوظ وهي تشجع على كتابة  الرواية الجديدة التي رفعت لواءها ثورات الربيع العربي .  


-كيف ترى جوائز الرواية العربية جائزة الطيب صالح زين وعبد الكريم ميرغني وجائزة كتارا وجائزة العويس ونجيب محفوظ والبوكر؟ 

فى تقديرى لكي تحصل الرواية العربية فى الدول العربية المختلفة على هويتها وشخصيتها العامة إلى جانب تميزها النوعي بإعتبار أنها تنتمي لوضعها الثنائي الجغرافى والحضارى بين العربية الاسلامية والافريقية والاسيوية فمن الأفضل تكوين مجلس إسنشارى ثقافي نقدي يمثل التوجهات الخاصة لكل من هذه الأقاليم فى إطار التكامل الثلاثي العربي الافريقي الاسيوي وذلك ربما يؤدى إلى وحدة بين هذه الجهات الثلاث كما حدث فى مؤتمر باندونق الذى عقد فى اندونيسيا وضم زعامات أجنبية وافريقية واسيوية وعربيةفهذا التنسيق بين جوائز الرواية فى هذا العالم العربي الافريقي الاسيوي يؤدي إلى تطوير الرواية حيث الكتابة التقنية والشكلانية الجمالية وتجويد الصنعة وإيجاد أسواق كبيرة تستوعب هذه الطاقة الابداعية النوعية وأن تشرك معها فى المسابقات الرواية العالمية بكافة اقاليمها الثقافية الجغرافية بحيث تكون خطا ثقافيا وفكريا وسياسيا للحوار مع الجائزة العالمية التي تمثل الثقافة الأنجلوسكسونية والتي عرفت بجائزة نوبل ولهذا من الأجدر أن يشارك فيها كبار كتاب الرواية فى هذا العالم العربي والافريقي والاسيوي فى مقابل الروايات التي تاتي من العالم الأنجلوسكسوني اوروبا والامريكتين واستراليا أما على النطاق الداخلى فعلى كل من شركة زين ومركز عبد الكريم ميرغني أن يجتهدا إجتهادا كبيرا فى تقديم الأجيال الروائية الجديدة إلى جانب كبار الروائيين السودانيين كمشاركين بإنتاجهم الروائي 
واستقطاب كبار النقاد السودانيين بنسبة التلتين فى لجنة التحكيم حتى يقوى ويتطور الخط السردى الروائي السوداني ويكون تيارا مميزا بين تيارات الرواية العالمية وأن تكون هنالك ندوات تمثل برامج شهرية فى كل مدن السودان ومدن العاصمة الثلاث وأن تخصص صحافة ثقافية إعلانية للتبشير وتعميق هذه الفكرة داخل المجتمع السوداني ككل مما يساعد فى تحويل الفكر الإبداعي السردي والنقدي وأن ينقل الكتابة الفكرية والجمالية من الشفاهية إلى التدوين ثم الدخول فى المرحلة الأخيرة من هذا المشروع التأكيد على بناء منصات للحوار الفكري الديمقراطي ومساعدة الكيانات الفكرية والإبداعية بإنتاج هذه البرامج وتفعيلها داخل المؤسسات الثقافية المدنية كإتحاد الكتاب وإتحاد الروائيين وإتحاد الموسيقيين والمغنيين السودانيين والمنتديات الثقافية داخل المؤسسات الأكاديمية معهد الموسيقي والمسرح اداب جامعة الحرطوم اداب جامعة السودان اداب جامعة النيلين اداب جامعة الازهرى وهكذا واستقطاب النقاد السودانيين الأكاديمين فى المهجر والإستعانة بهم 
أما الجوائز العربية كتارا ونجيب محفوظ والبوكر والعويس بإستثناء جائزة محفوظ فى الجامعة الامريكية فكلها تذهب فى الإرتباط الاقتصادى بين أسواق الكتاب ورأسمال التصنيع بمشاركة مؤسسات النشر ماعدا جائزة كتارا التي هى تحت رعاية الدولة هذه الاستراتيجية الخليجية فى صناعة الكتاب الروائي لا تضع استراتيجية نقدية فكرية وجمالية محددة مما يجعل فن السرد حرا يتجه حيثما يشاء ولكى ننهض بالرواية فى النهاية لابد لنا من إتخاذ سياسات الدولة الشمولية التى توجه الإنتاج الفكرى والإبداعي للنهوض بالمجتمع شريطة أن نضع حرية التعبير أمام أعيننا فالحرية الفكرية لا تتنافى مع الإبداع الجمالى 

-ماهي العوامل الإجرائية التي يمكن أن تنهض بالرواية العربية ؟

الإجراءات المطلوبة هي أولا حرية التعبير وعدم فرض رقابة سياسية على النصوص وثانيا تنوع المناهج النقدية عند مراعاة أعضاء لجنة التحكيم الشيء الذى يخلق حيوية فى مناظير التقويم والوصول إلى ماهو أفضل وثالثا إشراك الروائيين الكبار فى المسابقة الخاصة بهم من خلال ترشيح الموسسات الثقافية الشيء الذى يعطي قيمة مضاعفة للجائزة ثم صدور مجلة هى عبارة عن دورية سنوية لنشر حيثيات الحكم على النصوص الفائزة ونشر أفضل البحوث التي قدمت للنقاش وإختيار رئيس للجنة المحكمين لمخاطبة جلسات النقاش فى الدورة وإضاءة النقاش حول كيفية إصدار الحكم بإختيار النصوص الفائزة 
حيثيات إختيار هذه النصوص وإيجاد قناة صحفية تستطيع توصيل نشاطات الجائزة وإضاءتها بالنسبة للجمهور 

- ماذا عن جائزة نوبل وتأثيرها عالميا ؟
جائزة نوبل ذات شهرة عريضة وعميقة على نطاق العالم أجمع وذلك يرجع إلى قوة تأسيسها استراتيجيا ماليا وثقافيا وسياسيا من إيجابياتها أنها كانت تقدم أجمل النصوص الروائية وأعمقها مضامينا إنسانية بأشكال جمالية سردية شديدة الإتقان الجمالى والفني قدمت الكثير من الروائع ساذكر لك بعضا من إنجازاتها الرائعة دكتور زيفاجو ليوريس باسترناك ونهر الدون الهادى شيليخوف 
وقدمت تشرق العجوزوالبحر  لهمنجواى وزوربا اليونانى كزنتزاكس وأولاد حارتنا نجيب محفوظ والفردوس تنسي ميرسون ولكنها كانت تعمل أثناء الحرب الباردة فى الصراع الماركسي الرأسمالى مما جعل موسكو تمنع كتابها من إستلام هذه الجائزة لأنها كانت تختار نصوصا معادية للدولة فهى أصلا كانت قد أنشأت لأجل تثبيت فكرة السلام فى العالم وهى ترى وفقا للاستراتيجية الغربية الراسمالبة أن السلام يعني محاربة الفكر الماركسي لهذا رفضها بعض الكتاب اليساريين من الغرب نفسه كالفرنسي جان بول سارتر فى روايته الغثيان كما رفضها براند شو الانجليزى وقال أنها تاتي في غير موعدها لأنه تخطى مرحلة الحاجة إليها بسبب تقدمه فى السن ولكنها هى جائزة حسنة الإعداد بوصفها مؤسسة تنضبط بقواعد وأصول فكرية راسخة وذلك رغم أن تكون توجهاتها غير مقبولة خاصة أيام صراع القطبين فى الحرب العالمية الثانية الحرب الباردة 

-هل هناك تيارات نقدية فاعلة في الحياة الثقافية العربية
 ؟
هنالك نقاد كبار لهم تجربة وخبرة عميقة فى التعامل مع النص الإبداعي  وهم أصحاب ذخيرة ثقافية عالية ذات منهج اكاديمي صارم وأصحاب نزاهة أخلاقية عميقة بالإضافة إلى حس جمالى مدرب بالإضافة أيضا إلى تعدد فى المناهج وفى الأفكار والأيدلوجيات التي تمثل النقد الإبداعي المعاصر هذا التنوع فى المدارس والإتجاهات بجانب الخبرة الأكاديمية والإجرائية يدفع بالنصوص المبدعة إلى النضوج والكمال ومن هؤلاء نقاد أصحاب أحجام عملاقة الدكتور  صلاح فضل والدكتور جابر عصفور والدكتور الجزائرى (احسان خمري  )  وكاتب المرايا المحدبة والمرايا المقعرة الدكتور (عبد العزيز حمودة  )و عبدالملك تطوان نسبة للنقاد الأجانب من المهم جدا قراءة الشكلانييين الروس (باختين ) ومن المهم الرجوع إلى جورج لوكاش فى عصر صعود نهوض الرواية وإلى التشيكي تودروف  فى كتابه نقد النقد ورولا بارت فى كتابه الكتابة تحت الصفر

- ما هي نواقص النقد العربي الآن وماهو المرجو من منابر الثقافة العربية في القاهرة والجزائر والخرطوم وتونس والمغرب ؟.

أول هذه النواقص أن النقد  لم يستطع إكتشاف الكتابة الجديدة والمبدعين الجدد وما أضيف فى هذا الصدد وما أكتشفت من أسماء مبدعة جديدة قليلة جدا يبدو أن قدرات الدولة العربية من إعطاء فرص للمبدعين الجدد داخل مؤسسات الدولة هي فرص قليلة جدا وربما تعتذر الدولة لأن هذا النوع من العمل لايجد مستهلكا وذلك لغياب الإستنارة بين القوى المستهلكة للثقافة الرفيعة لأن الثقافة فى وطننا العربي عمل رفاهي ترفيهي منه ما  يتجه  للنخبة فقط أما أغلبه فهو يتجه إلى الترفيه الشعبي ولذا نقول ان 90 فى المائة هو نوع من الثقافة الإستهلاكية السهلة الاستيعاب والقادرة على الترفيه وقطع أوقات الفراغ للطبقة الشعبوية غير الفاعلة المصنعة والمستهلكة للثقافة الرفيعة وهذا ماتجده فى أغلب فضائيات العالم العربي برامج ترفيهية بلا فكرة وبلا هدف وبلا توجه فكري وحضارى رفيع إنها أمية شاملة وشديدة البهرجة وهذا ما تجده فى صناعة الكتاب أيضا فكل وسائل التوصيل الثقافي موجه لخدمة قطع أوقات الفراغ والتسلية وحتى وزارات الثقافة شغلها الشاغل خدمة إعلام المواطنين بما فعلته الدولة أو الإعتذار عن ما لم تفعله وهذا هو البوار الواضح جدا فى القنوات الفضائية ما عدا تلفزيون الجزيرة الذى يهتم بقضايا عربية بالغة الأهمية وبقضايا عالمية مؤثرة وذلك عن طريق صورة وصوت مدربة على الأداء الجيد والتوصيل الأنيق الجميل قناة الجزيرة تتفوق على جميع المحطات المحلية والعالمية ولكن يعيبها أحيانا تحيزها ويفقدها موضوعيتها فى بعض الأحيان وميلها الشديد لإتجاه فكرى واحد رغم أن مشاهديها هم تقريبا من إتجاهات مختلفة وأذواق مختلفة ولكنها أداة رغم كل هذا عميقة التوصيل فمن هنا أنا أحييها وأرجو أن تتوازن فى عرض الرأي والرأي الآخر 


- مادور الأدب العربي الجديد كما إقترحته ثورات الربيع العربي؟

الأدب الجديد كما تقترحه ثورات الربيع العربي هو بالضبط ما كنت أقوله لك قبل قليل الربيع العربي يريد تفعيلا جديدا للحيوية القومية والوطنية لما يحقق أحلام الشعب فلا يكفي وجود الخبز  فقط ولا الدواء فقط ولا الترفيه فقط ولكن دولة المساواة فى الرفاهية ورغد العيش وأن لايكون هنالك محروما قط وأن ينال كل أبناء الشعب التعليم وحق العمل فى الإبتكار والتجديد وبناء الدولة الحديثة ولا يكون ذلك إلا فى مجتمع ديمقراطي تتعدد فيه منصات التعبير عن الرأي والرأي الآخر 
بإختصار الربيع العربي يريد الخبز والحرية والأمان والمساواة وإحترام الأنا للآخر وصفاء الأخلاق ونظافتها وإعداد المواطن الصالح لدولة صالحة .

 

 

 

 


- وسط كل هذا ماهو الدور الإيجابي الذى قام به الكاتب العربي بما فيهم أنت في تغيير هذا المشهد وتفعيله سياسيا وثقافيا وسياسيا بغرض تغييره وصناعته من جديد وهل تري إمكانية ثورة قادمة شعبيا ونخبويا لإقتلاع الفساد من جذوره ؟.

أرى أن المستقبل هو للجديد الذى يقتلع جذورا ميتة ويزرع بذورا يانعة فهناك فى عالمنا العربي قاموا بهذا الدور وخصبوا جذور الحياة وجعلوا النماء يزدهر فهم أجيال وأجيال أشير لك عن المبدعين الكبار فى زماننا العربي والسوداني فى السودان هناك الدكتور حيدر ابراهيم والدكتور عبد الله على ابراهيم والأستاذ كمال الجزولى وهناك نقاد الأدب الدكتور عبد الماجد عبد الرحمن والدكتور هاشم ميرغني والدكتور مصطفي الصاوي ومهدي بشرى ومجذوب عيدروس وأحمد الصادق وفى التشكيل هناللك الدكتور حسن موسي وفى الموسيقي أنس العاقب وهناك عربيا درويش وعبد الصبور وأمل دنقل ومحمد بنيس وعلى شمس الدين وادونيس وهناك الروائي الجميل بشرى الفاضل والروائي المكافح بركة ساكن وأمير تاج السر والحسن البكرى ومن العرب واسيني الاعرج وسمير قسيمي هم كثيرون جدا يستحقون لوحة شرف كاملة لكل المبدعين العرب فى كل الأزمنة والأمكنة أما المستقبل فهنالك شعراء مجددون منهم محفوظ بشرى ومحجوب كبلو والياس ونجيب وبابكر الوسيلة ونجاة محمد عثمان وعبد القادر الكتيابي وعالم عباس ،هناك رأي سائد يمثل موقفا صلبا ضد الجمود والتصلب والجفاف الذى ساد ينابيع الإبداع الفكري والحضاري والسياسي في العالم العربي وفي العالم عموما حتي كدنا نحن في العالم العربي نفقد وطنا عزيزا فلسطين يمثل شرف الامة العربية إلى جانب فقدان الديمقراطية شعبيا ونخبويا فكيف لنا الخروج من هذا المازق واسيني وامير تاج السر اكدا انهما لن يكتبا حرفا الا بعد ان يمتلكا البديل النظري لهذا الواقع المتردي 

- أين موقع الجيل القديم جيلكم والأجيال الطالعة الجديدة من خلال قراءتك لهذا الواقع المتجاذب بفعل قوي القديم وقوي الجديد ثم أين ديسمبر السودانية تلك الاغنية الثورية التي أنشدها جيل التلاتين من العمر؟

الإشكال الإجرائي فى الكتابة حينما تجد نفسها موضوعة بين القديم والجديد فالكاتب الروائي عليه أن يكتب زمانه فهو ليس مطالبا بكتابة القديم فهو مسئول عن عصره وليس مسئولا عن المستقبل رغم أن كل نص معاصر يحمل شيئا من الماضي وشيئا من المستقبل لأن وجدان الكاتب هو عبارة عن ذكرياته وراهنه وآماله المستقبلية، الكتابة فى الراهن هي جميع كل الأسئلة فتجربة الكاتب الجديد أو المعاصر تستمد خبرتها التقنية وميراثها الثقافي من التراث القومي والتراث العالمي داخل هذه الدائرة على الكاتب أن يكتب وهو منطلق نحو الأمام وملتفتا الى الوراءلكي يستطيع أن يستوعب حاضره وراهنه وبهذا فهو ليس ملزما بتقليد الماضي بل هو مطالب بإبداع الحاضر ولهذا أنا أنصح الكتاب الجدد أن اصالتهم الإبداعية مرتهنة بإكتشافهم للواقع الحاضر الذى يعيشون داخله عليهم أن يكونوا مغامرين فى شجاعة شريطة أن يمتلكوا الأدوات اللازمة لإبداع النص الجديد وفق هذا الزمن الجديد وهذا لا يعني الإنقطاع عن التراث الثقافي القومي والعالمي فمسار التاريخ لا ينفصل عن الماضي بالكامل
فى رأيي الخاص جدا أن ديسمبر أكدت بما صنعته من إبداع هو متحقق الشروط التاريخية الكاملة ومن هنا جاءت حقيقة هذا الإبداع وواقعيته التي تمثل مصداقيته الثورية . كانت الثورات السابقة وتخصيصا ثورة اكتوبر التي أعتبرها نموذجا للفعل الثوري الثقافي والسياسي أنها جاءت بشكل إبداعي خاص يمثل زمانها والمطلوب على مستوى الإفتراض المثالي أن تحقق كل ثورة ذاتها وظروفها الثقافية والسياسية وفق زمانها الثقافي التاريخي إذ أن لحظة هذه الثورة هي لحظة خاصة تصورالتركيب الفكري والجمالي الذى يؤرخ لهذه الفترة، إن النقد الفني والأدبي والفكري والسياسي الذى قرأ إبداع ديسمبر 
قرأها على ضوء إبداعات ثورة اكتوبر كنموذج يحتذى هذا النقد يطالب بتكرار لحظة تاريخية لها شروطها الخاصة كزمن تاريخي إنتهى والآن ديسمبر أمام لحظة تاريخية ذات تركيب مختلف وتعقيدات مختلفة فى زمن عصري ثقافي وسياسي مختلف ولهذا لابد من أن يختلف المزاج الجمالى ما بين الأمس والآن ولهذا تجد أن ابداعات ديسمبر أكثر عفوية ثورية إنها لحظة جديدة ذات براءة جمالية خاصة وهذا شيء طبيعي ومن الخطأ قياس الكمال بمعيارى القديم والجديد 

- كيف تقرأ ما يقدمه كتابنا السودانيون في خارج الوطن نقادا وشعراء وروائييين ومفكرين ودورهم فى صنع مشهد ثقافي سوداني سياسي حضاري سودانيا عربيا افريقيا إنسانيا عالميا وذلك لأننا بصدد ثورة حقيقية شاملة وكاملة ؟

أعتقد أن الدور الفعلي والواقعي الذى يقومون به الآن هو أنهم يكتبون نصا من خلال منصات إبداعية عالمية وهذا يعني أنهم يكتسبون خبرات وقدرات إبداعية إجرائية مأخوذة من خبرة علمية تقنية جماليا وحرفيا مما يفيد ويقوي النص فى البلدان النامية عربيا وافريقيا واسيويا إن النهضة الروائية التى شملت امريكا اللاتينية كانت بسبب إتصال الروائيين فى امريكا اللاتينية بكتاب اوروبا الغربية ماركيز نزح إلى باريس لفترة وكذلك فعل بورخيس واسترياس وإستمدو الكثير من الحرفية الشعرية والروائية وهو ذات الشىء الذى فعله كتاب الولايات الامريكيبة المتحدة حينما إلتحقوا فى باريس بمنتدى الأمريكية جيرترود اشتاين وهم من الكتاب الشباب ت إس اليوت ازرباوند فكس جرالد  وهمنجواى فاستطاعوا أن يرفدوا الشعر الوطني فى كل من الامريكيتين بروافد التجديد والتقنيات المتقدمة فى الكتابة الجديدة ولهذا أتوقع بالضرورة أن تفيد هذه التجربة التي يقوم بها بركة ساكن وهو الآن يحضر مجموعة قصصية لعدد من كتاب السودان مما يشيع بعضا من الحوار المتوقع بين هنا وهناك وكذلك يفعل امير تاج السر وعماد البليك ونفيسة زين العابدين وبشرى الفاضل ويحي فضل الله في كندا والبرنس فى كندا فهذا من النشاطات التي تؤثر فى الكتابة الإبداعية السودانية المعاصرة كما أثرت فى الخمسينات كتابات فيتورى وتاج السر وفارس وجيلي فى ربط قصيدة التفعيلة العربية كتجديد فى الشعر وصلت أصداؤه الشكلانية الحرفية إلى الخرطوم ومثل هذا الفعل الثقافي يفتح آفاقا للحوار الثقافي السوداني القومي مع الحوار الثقافي العالمي  كنا فى الأسئلة الثقافية الماضية ندير حوارا مع الإخوة العرب في العواصم الثقافية المتعددة فعلينا أن نفتح نفس القنوات مرة أخري وأن نفتح قنوات جديدة مع كتاب افريقيا لأن ركائز ثقافتنا السودانية تقوم على الإفريقية والعربية والإنفتاح على ثقافات العالم عموما ومن الملاحظ هنا حسب ما جاءت أسئلتك المحيطة فى هذه القضية أن هنالك انقطاع فى الوصال والاتصال بإبداع ببعض الدول العربية الأخرى كدول الخليج مثلا البحرين وعمان والاردن والكويت أما لبنان ومصر والجزائر والمغرب فإن ثقافتهم تصلنا فى الخرطوم لنشاط منافذهم الثقافية 

-  لماذا  تبني مواسساتنا الثقافية والفكرية والسياسية على أسئلة إفتراضية قصيرة المدي تشتعل فجاة ثم تنطفي فجاة؟


دولنا العربية المعاصرة تفشل دائما فى صناعة السؤال الحقيقي ومن ثم فهي بفعل سوء النية وتماثلا مع التناقضات المتحزبة بين الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة فهي بالضرورة تصنع إجابات للاسئلة ناقصة وضعيفة ومضللة وهذا ما تجده حتى فى الازمنة الديمقراطية فكثير من أحزابنا السودانية الديمقراطية مثلا تفككت وتحولت إلى روافد داخل هذه الاحزاب مما أضعف الاحزاب الكبرى وفتح بابا للانقلابات العسكرية الممتتالية بين الفينة والفينة ومما أشاع دكتوتاريات فى كثير من بلدان الشرق الأوسط دكتوتريات ذات أوجه مكشوفة أو مغطاة بطبقة كثيفة من ( الميك اب ) الديمقراطي والشعبي حتى قضية فلسطين التى نعزي الصعوبات التى تواجهها للخيانات السياسية القومية هي بسبب الفشل الذاتي السياسي والحضارى داخل الدول العربية ذاتها فما يخون القضية الفلسطينية سياسيا هو هذا الترهل والضعف السياسي غير القادر على حل المشكلات الحضارية الثقافية والسياسية داخل الدول العربية نفسها فكيف للضعيف أن ينجد جارا أو صديقا ضعيفا 

- هنالك ظواهر ثقافية متعددة تظهر فى هذه الاوانة وهي ضعيفة الشكل والمحتوي وذات خطاب متلجلج وهي لا تعرف طريقها ولا تعرف أهدافها تنطلق فى عالم افتراضي غامض وهلامي  وغير محدد الملامح ومتضخم الذوات بشكل إسطوري بلاهدف سوى نرجسية عالية ومتطلبات للشهرة غير المستحقة
هل هذا من مظاهر الفراغ الثقافي ؟بسبب ضعف القدرة الفكرية والفنية وبسبب بعد الكفاءات الإبداعية والفنية لفقر الساحة ولتقدم المبدعين الكبار في السن كابلى مثلا حيدر ابراهيم مثلا كمال الجزولي مثلا محمد المكي ابراهيم مثلا ابراهيم اسحق مثلا؟ 

كل هذا الذى ذكرته أنت هو يمثل الأسباب التي كونت هذه الظاهرة إلا أنها أسباب تفصيلية أما السبب الأعم هو بطش الدولة الدكتاتورية التي كممت الأفواه وحبست حرية الإبداع وجففت ينابيع الحوار التعددي فهاجر كثير من المبدعين إلى دول المهجر والآخرون هجروا فعل التعبير الفكري والسياسي والفني فشاع هذا البوار وأصبح الفضاء واسعا لكل من هب ودب وإختفت المواهب الكبيرة من هذا المهرجان البهلواني لاسيما إنه فى الأساس لم تتأسس صناعة ثقافية جادة لعدم توفر شروط الصناعة الثقافية رأس المال والمصانع ومعدات هذه المصانع الالية والبشرية وغياب الاستراتيجيات الفاعلة لتاسيس هذه الصناعة وإنفراد الصناعة الثقافية العربية والأجنبية بسوق إنتاج السلع الثقافية المجلة والصحيفة والدراما التلفزيونية والدراما السينمائية والمسرح الدرامي والغنائي الإستعراضي وتدهور فن الغناء والموسيقي بسبب ضعف روؤس الأموال مما أضعف قدرات  التلقى الإبداعي مما أضعف ايضا الاستهلاك الثقافي فاختلت إمكانات توازن الإنتاج الثقافي ما بين رأس المال والفائض الربحي مما أدى إلى ضعف خبرات وكفاءة المستهلك الشيء الذى أدى إلى رواج السلع الثقافية التي بلاقيمة فكرية وجمالية  فى كل الأجناس الإبداعية ولعلك تلاحظ وفرة ورواج الانتاج الثقافي الاستهلاكي فى القنوات الفضائية سودانيا وعربيا وشيوع ثقافة التسلية وقطع أوقات الفراغ مما أدى إلى هذه الثرثرة المزعجة والقليلة القيمة وفق المقياس الفكرى والجمالى الاصيل والاكاديمي العلمي ولهذا هذا هو المشهد كما وصفته أنت إنها إذا أزمة فقدان المتلقى الكفء 


 - لماذا راجت الرواية على الشعرواختفى  المسرح واختفت القصة القصيرة ؟

راجت الرواية لأنها أصبحت فى تقديري الذى جعلني أسميها بالفن الثامن على قرار ماسميت به السينما بالفن السابع سميت السينما بالفن السابع لأنها استعانت بالأجناس الفنية الستة الأخري وهي فن التصوير الفوتغرافى وفن المعمار فى بناء الديكورات وفن الموسيقي في الموسيقي التصويرية وفن الحوار من المسرحية وفن الحكاية الدرامية من الأدب وفن حركة الجسد من المسرح الدرامي ومن الاستعراض الراقص ولهذا أسميت الرواية بالفن الثامن لأنها تأخذ الحكاية الدرامية من الأدب وتأخذ التصوير الفتوغرافى وتركيب الكادر المشهدي من التشكيل والحوار من المسرح والإضاءة والإظلام من توزيع الإضاءة فى اللوحة التشكيلية والوحدة الدرامية من الإيقاع  الموسيقي ووحدة العمل الدرامي من الهارمونى الموسيقي و الوصف من اللغة والإستعانة بعلم النفس فى تركيب الشخصية الدرامية وإستعارة الوحد البلوفونية من الموسيقي أيضا حيث وحدة تركيب المشاهد كأجزاء توصل إلى وحدة العمل الروائي ولهذا فإن الرواية تستعين بالأجناس الإبداعية المجاورة فتعدد عناصر هذه اللغة التي نجدها فى الرواية تستقطب عددا كبيرا من القراء، أما المسألة الجوهرية هنا هي أن ذلك إتفاقا سريا خفيا بين مؤلف الرواية وقارؤها هذا الإتفاق السرى تقول بنوده إن الروائي يقدم فى الرواية مخاطر عديدة للقارىء على شريطة أن القارى هنا يحيا هذه المخاطر دون أن يصاب بشىء من الضرر  فها هي عربة تصطدم ويكون المتفرج مشاركا بخياله دون أن يصاب بشىء فهو يدخل الرواية مشاهد خطيرة لا يصيبه منها ضررفالمتفرج هنا يخوض هذه التجارب الخطيرة ويحدث له تطهير من المشاعر السلبية كالخوف أو الحزن أو التشاؤم أو عد الثقة فى الحياة فهو يعيش مخاطر الحياة مجانا فى مقابل بسيط جدا هو أن يصدق هذا الإستلهام ( الوهم )الذى يقدمه له المؤلف هذا هو السبب الاساسي فى الاقبال على الرواية وتفوقها فى السيطرة على الخيال العام 


 - ماذا عن الفكر السياسي والاجتماعي فى الراهن الثقافي؟ 
لابد من إستخدام المناهج العلمية الاكاديمية المتخصصة فى العلوم المختلفة والظواهر الاجتماعية والسياسية المراد بحثها وذلك بالجدية اللازمة والنزاهة الأخلاقية التى تحددها المناهج البحثية هذى من خلال منطق اللغة العلمية الموضوعية التي تبعد عن الذاتية والأهواء الشخصية والمنافع والمصالح الشخصية حتى يصل البحث الى حقائقه العلمية الثابتة فى البناء لمشاريع التقدم الحضاري والثقافي والسياسي والذى ينفذ عمليا خلال فترات زمانية محددة بغرض النهوض التنموي والحضارى وتقوية النسيج الاجتماعي فى بناء دولة ناجحة فى ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة وفى ظل وباء الكرونا وإبعاد اشباه هذه الاخطار 
وبالطبع إن هذا لا يتم إلا فى ظل مشروع دولة ديمقراطية تقوم على العلم وحرية التفكير وجهود البحث العلمي أما النقد الفكري عموما بما فيه الفكر السياسي والفكر الابداعي الفني الجمالي لابد له من إنضباط المنهج البحثي الإجتماعي الجمالي حيث يعالج الظواهر الواقعية فى المجتمع فى الفترة الراهنة والفترة القادمة وكل هذه المشاريع التنموية الثقافية والحضارية لابد لها من مؤسسات على رأسها كفاءات اكاديمية متخصصة ومجالس إدارة نزيهة واسعة الأفق السياسي والثقافي ولها رؤية ثاقبة للدولة المستقبلية الكاملة والمرتبطة بطموحات شعبها وهذا لا يكون إلا بتكافؤ القدرتين القدرة التنظيمية والقدرة التطبيقية وإتاحت منصات لحرية النقد ومراقبة تطور هذه المشاريع 
- هل تري أن هنالك جهة يمكن أن تشارك بكفاءة لإ نجاح مثل هذه المشاريع ؟ 

بالطبع أن هذه المشاريع تحتاج إلى التوعية الجماهيرية حتى تتبني الجماهير هذه المشاريع وذلك لا يكون إلا عبر وسائل الاتصال الإعلامي لهذا أن المشاريع هذه برمتها لا يمكن أن تتحقق بشكل عملى وسليم إلا بجعل الجمهور جزءا منها أن يتبناها ،وأن يراقب خطواتها فى النمو، وأن يوقف تراجعها إلى الوراء بالنزاهة الفكرية والأخلاقية  والمسئولية الكاملة فالمسئولية هنا مناصفة مابين الجمهور والدولة بحيث لانجد فى الطرقات جماهيرا تنادي باسقاط الحكومة فكلنا سائل ومسئول وهكذا 

-  سوق الكتاب العربي بين المراكز الثقافية ودول
الهامش الثقافي ؟ 

إن توزيع الإنتاج الثقافي ( إبداعيا وفكريا )غير عادل إذ تقوم بصناعة الكتاب فى عالمنا العربي الدول ذات دور النشر الكبرى التي تتوفر لديها كل مقومات الإنتاج الصناعي حيث تمتلك أحدث المطابع وأحدث تقنيات صناعة الكتاب من تصوير وإخراج وترويج إلي جانب أن هذه العواصم الصناعية الثقافية هي التي تمتلك أسواق الكتاب فى جميع أنحاء العالم العربي نفوذا أو إقتصادا هذا إلى جانب أن أكبر النقاد من ذوى النفوذ الفكري والجمالي النقدي هم متمركزون في العواصم الثقافية الكبرى الجزائر القاهرة الرباط مراكش وبعض دول الخليج ذات الأسواق الكبيرة ورأس المال المممول ومعارض الكتاب المبهرة والجاذبة وهنالك حرية التعبير التي كانت تمتاز بها بيروت التي كانت تسمى (بسويسرا العرب) إذ كانت تعتمد إعتمادا كليا فى صناعة الكتاب على كل الشروط التي ذكرناها إلى جانب حرية التعبير وعدم الرقابة السياسية ثم ضف إلى ذلك أن النفوذ الثقافي التي تمارسه الثقافة العربية المعاصرة يسيطر على دول الهامش الثقافي العربي السودان الصومال مورتانيا والدول الفقيرة عموما ولكن أن تلاحظ أن إتحادات الكتاب العرب التي تختار فى كل مدة زمنية تحتكرزعامتها الإدارية  العواصم الثقافية الكبرى على التوالى فهنالك دول المركز وهنالك دول الهامش وكل المشهورين من الكتاب العرب الذي يكون عليهم إقبال هم من كتاب العواصم الثقافية الكبرى فهم الأكثر إنتشارا والأضخم توزيعا أما كتاب الهامش الثقافي العربي فهم الأقل إنتشارا والأقل توزيعا بسبب أن كل السلطة فى رأس المال وفى الصناعة وفي التنسيق مرتبطة بكتاب هذه العواصم ولك هذه الشواهد إن الطيب صالح لو لم يكتب عنه رجاء النقاش أو لم يترجمه ديفيد جونسون أأكد لك أنه كان سيكون مجهولا حتي الآن ولك أن تتصور أن ضخامة الكاتب المصرى طوال الأزمنة السابقة لا تقوم على موهبته فقط رغم إعترافنا بهذه الموهبة الكبيرة ولكن هناك ظروف محيطة ،قوة الدولة ونفوذها فى العالم العربي مما يؤدي إلى سيطرتها على الأسواق وبسبب الشهرة الإسطورية لكتابها وحتي نحن فى السودامن مثلا فإن كتابنا الذين هاجروا وأصبحوا يشاركون فى منصات الكتابة العالمية لهم شهرة داوية امير تاج السر فى الخليج بركة ساكن فى النمسا وطارق الطيب وبشرى الفاضل فى كندا وعماد البليك فى مسقط  وحسن البكرى فى الخليج 


- دور معهد الثقافة العربية في باريس فى تنشيط الكتاب العربي فى اوروبا؟

معهد الدراسات العربية فى باريس هو منبر مهم جدا فى توصيل الثقافة العربية من خلال أهم معبر ثقافي عالمي هو اوروبا الغربية ،وقد بدأ هذا المعهد جهوده التوثيقية والبحثية إلى توصيل الثقافة العربية المعاصرة إلى العالم وبذلك يحاول أن يربط بين الثقافة العربية المعاصرة والعربية التي يمثلها التراث العربي إلى العالم كافة وهو يقوم الآن ومنذ عشرات السنين السابقة بتقديم مخطوطات نصوص فى الشعر وفى الرواية وفى النقد وفى الموسيقى وفى كل الأجناس الإبداعية العربية وقد قدم عددا كبيرا من الكتاب فى سوريا وفى المشرق العربي وفى العراق وآخر عمل قام به هو أنه أعطي مترجم رواية السوداني بركة ساكن ( الجنقو مسامير الارض ) جائزة الترجمة الأولى وهو يدأب بقوة وبعمق وإحاطة كاملة للنصوص العربية الإبداعية والبحثية والعلمية وهو مجهود يعم ويشمل كل الإبداع العربي فى هذا المحيط الواسع والملاحظ إنه ينوع فى أنواع الثقافة العربية المعاصرة من حيث المضامين والقضايا وطرائق الإبداع مما يمثل عملا محيطا بمضامين هذه الثقافة العربية المعاصرة ولقضاياها وحراكها الحضارى السياسي الفكري والجمالى وفى الآونة الأخيرة إستطاع الروائي بركة ساكن أن يحرر مجموعة قصصية سودانية يشارك فيها عدد من الكتاب السودانيين ويترجمها المعهد ويوزعها معهد الدراسات العربية والجدير بالذكر أن هناللك مؤسسة ثقافية فى ولاية اريزونا الامريكية تابعة لشركة نشر انجليزية فى لندن كانت قبل ثلاث سنوات قد إختارت مجموعة قصصية سودانية لمختارات من الكتاب السودانيين وكانت بعنوان (حكايات من الخرطوم ) وهي المجموعة التي اختارت منها جائزة كين  قصة بشرى الفاضل (البنت التي طارت عصافيرها) ولهذا انني اتوقع أن وجود هؤلاء الكتاب السودانيين المهاجرين هم من سيوصلون الأدب السوداني إلى أنحاء متفرقة فى العالم 
- إنعدام المنصات السياسية الديمقراطية هل أثر  على حرية الإبداع الفكري والأدبي والفني عموما فى واقعنا الثقافي العربي المعاصر ؟ 
عدم وجود حرية التعبير جعل الثقافة تتجمد ولا تنطلق بحرية للامام، وأصبح كل من يخالفك الرأي هو خصم لدود ولعلنا نذكر الكثير من الإعتداءات على المفكرين والمبدعين فى عالمنا العربي منذ عهد طويل إلى الآن فمزاجنا الثقافي العربي لا يقبل الاختلاف فهو يريد المبايعة والمطاوعة والخنوع وكان هذا سببا كافيا لخمول الإبداع الفكري والفني. إن الفن والفكر لا ينموان إلا فى بيئة محاطة بالفضاء الديمقراطي الواسع ويبدو أن كثيرا من العباقرة والمبدعين قدموا أرواحهم شهادة لحرية الفكر والإبداع وكما قال الشاعر السوداني صلاح احمد 
وقد أعطي سقراط الكأس وهي منية شفتي محب يشتهي التقبيلا ،وهكذا ذهب محمود محمد طه ،وذهب عبد الخالق محجوب، وذهب على عبد اللطيف، والقرشي، إن ضحايا تكميم الأفواه كثيرون في التاريخ القديم والتاريخ الحديث ،أنظر فى أيامنا هذه معركة الديمقراطية الشرسة بين الرجعية والتقدمية والإشتراكية والرأسمالية في معركة إنتخابات الرئاسة الأمريكية كيف كانت ستكون مهزلة تهدر فيها الرموز الديمقراطية وتفوز أشباح الإستبداد والفساد السياسي والمالي هكذا سقط ترامب لتحيا شعوب العالم الحر


- هل تري أن تبديل مواقف المثقف العربي ما بين اليسار واليمين سببا فى إضطراب الفكر السياسي العربي المعاصر الآن؟


أنا أعتقد أن أى مفكر لا يؤمن بما يفكر فيه أى أنه لا يؤمن بقضيته فهو لا يخسر لحسابه الخاص فقط، ولكنه يخسر على المستوى العام إذ أنه يجعل ميزان القيمة الأخلاقية المبدئية متذبذبا وغير ثابت مما يشيع الفساد فى فضاء القيم كلها فلابد من الإيمان بالقضية المهم فى الموضوع هو الثبات والإلتزام الأخلاقى بالروابط التي تربطني بالآخر فوجود الأنا هو إعتراف بوجود الأنت أو بوجود ال هو فبدون هذا الإلتزام السياسي الفكرى الأخلاقي ينعدم وجود الأنا الذى لا يتأكد إلا عبر الروابط الإنسانية الإجتماعية، فعندما أقول أنا موجود هذا يعني أنني وسط الجماعة ملتزم بهم كما هم ملتزمون بي وأذكر أن عابد الجابري فى كتابه المثقف العربي يقول (أنه لا يفضل المثقف الذى يتخلى عن التزامه السابق ليلتزم التزاما جديدا) أنا لا أتفق معه لأنه بهذه الطريقة يحول الإلتزام الفكرى إلى التزام عاطفى زائل وقابل للتقلب والتحول. مشكلتنا فى العالم العربي فكريا أنه من السهل علينا أن نلتزم عاطفيا لأن الإختيار هنا يتطابق مع عواطفنا وهو فعل سهل أما تطابق الفكر مع الفكر والإلتزام بهذا التطابق هو عمل صعب لأنه يمثل صراعا قاسيا بين الفكر والعاطفة وهذه هي مصيبتنا فى شرقنا العربي ومن العوامل التي تعوق تقدمنا الحضاري 
 

- ما مدي تاثير الصراع الثقافي الدائم بين الثقافة التقليدية والثقافة الحداثوية علي فكرنا فى الشرق العربي؟ 

مشكلة تخلفنا الحضاري كلها فى أننا لم نجد ذلك الرابط الذى يمكن أن يربط ما ضينا بحاضرنا فمازالت ثقافتنا القومية التقليدية فى واد ومحاولة استحداثنا للفكر المعاصر الإنساني مشلولة لأننا لم نستطع العبور ما بين الضفتين، أذكر أن الطيب صالح فى اقصوصته القصيرة (دومة ود حامد) اضطرت القرية أن تقطع الدومة وتجعل مكانها مرسى للباخرة فقال بطل القصة وهو متحسر على ضياع الدومة ( لقينا شي وضاع مننا شى ) فهو يريد أن لا يخسر الدومة ويريد فى نفس الوقت أن يجعل للباخرة مرسى فكانما هو يختار بين نقيضين يعزي نفسه بالمكسب الجديد فقط وهذه نظرة خاطئة فى منهج التفكير علينا أن نفكر فى الطريقة التي توحد بين النقيضين لأن الحياة هي عبارة عن ماضي ومستقبل نحن نختار من الماضى العناصر التي تطور المستقبل فعلينا أن نجد ذلك الخيط الخفي الذى يمكن أن يربط بين التقليدي والحداثي. كل حضارات العالم وثقافاته هي ميلاد جديد للقديم هذه هي المسألة بكل بساطة ولكن تحيزاتنا العاطفية والعقائدية فى أحسن أحوالها تكون هي إختيارات بطل دومة ود حامد ( لقينا شي وضاع مننا شي ) وهذه مشكلتنا فى الشرق العربي الإسلامي عموما 

- هل تعتقد  أن المكانة الإسطورية التي كانت تتمتع بها الديمقراطية الأمريكية يمكن أن تمارس سلطتها الآن بعد أحداث الإنتخابات الأمريكية الرجعية على الديمقراطيات الحديثة النمو فى العالم الآن؟

أتوقع أن شعوب العالم التالت وحتى اوروبا الغربية الحليف الحتمي لأمريكا أصبحت تتخلص من هذا القيد ،حكاية أن شعوب العالم أو الدول الصغيرة ما عادت واقعة تحت إسطورة الدول أو الأقطاب الكبرى بعد زوال الحرب الباردة بين امريكا وروسيا كقطبين كبيرين وبعد محاولات الصين بأن تحل محل روسيا فى حرب باردة أخرى وإن كان هدفها اقتصادي إلا أن الصين لم تنجح لأنها تريد أن تكون شيوعية فى الداحل ورأسمالية فى الخارج أما موسكو فلديها من المشكلات ما يكفي وهكذا وجد العالم الثالث آسيا وافريقيا والأمريكتين بما فيهم اوروبا الغربية خاصة اوروبا التي نفض ترامب يده منها فوجد هذا العالم الثالث أنه معزول ووحيد ويتيما بلا أب فكان عليه أن يواجه مسئولياته وأن يوجد حلوله وأن يبني نفسه كقوة ثالثة فلم يحتاج للديمقراطية الأمريكية والتي لم تكن من الأساس هي ديمقراطية ولا دولة ناضجة دستوريال وإجرائيا فلك أن تتأمل الأزمة أزمة الإنتخابات الأمريكية كيف سقط الجمهوريون فقط أما أكاذيب ترامب خشية وخوفا منه إذا تحققت نبوءته بأن الديمقراطية فى أمريكا هي مجرد أكذوبة لم يعد العالم الآن يؤمن بهذه الإكذوبة الديمقراطية . الديمقراطية الأمريكية ما ثبتها فى العالم كإسطورة هي بنطلونات الجينز والهامبيرقر والبيسي كولا ومارلين مونرو والرئيس جون كنيدي ،إنه مزاج الموضة الأمريكية الذى فرضته ثقافتهم القومية على العالم ودليلي على ما أقول فى نهوض العالم الثالث ومحاولته لبناء ديمقراطية حقيقية هو ما قامت به الكويت لتزليل الخصومة العربية الشرق أوسطية ومحاصرة قطر فمن القريب جدا أن يلتم شمل مجلس الخليج العربي وتتم المصالحة ومعالجات كل ما أعيق من ثوابت داخل المنطقة والذى هو من ثوابت النهوض بإنسان الخليج وبثروات الخليج وبالحفاظ على خريطة الشرق الأوسط العربية الفلسطينية العربية ،لعلنا نشهد أن هنالك مقومات نهضة غير البترول هى أن المواطن العربي فى الخليج هو مواطن الآن أصبح مواطنا عالميا يشارك فى نهضة العالم  اقتصاديا وأشهد أن قطر تلعب دورا ثقافيا ممتازا فى عالمنا العربي فهي مع الديمقراطية وهي صاحبة إعلام مهني متقدم وواسع الافق وإن كنت أعيب عليها أحيانا عاطفيتها وتحيزاتها ولكنها فى العموم هى مع الشعب العربي من المحيط الي الخليج وليست هناك دولة فى العالم بلا نواقص المهم أن لا تكون هذه النواقص بمقياس الأرباح 


 

- ماهي التجاذبات الحضارية والثقافية والسياسية التي يمكن أن تسود الشرق الأوسط الآن بعد تضعضع سمعة أمريكا السياسية فى مشروع صفقة القرن حيث تريد القوى المضادة على جانب المحيط الأطلسي سد هذا الفراغ؟

أصبح هنالك وعي سياسي عام متيقظ جدا لبعض القوى التي تتربص بملء الفراغ الذى يمكن أن يحدث إذا إنسحبت الهيمنة الأمريكية ( الترامبية ) من تغولها فى الشرق الأوسط فهنالك إحتمالات بسبب حماسة تركيا ونزوعها بإحياء الدولة العثمانية مجددا بنشر النفوذ التركى فى شرق المتوسط حتى مياه الخليج العربي وكان التخوف من حماسة إيران بتنفيذ ذات المشروع وبسط نفوذها فى الخليج وزحزحة المملكة العربية السعودية من عرش زعامتها ولكن وجود بايدن وسياساته المتزنة والواقعية وفهمه العميق لمشكلة الشرق الأوسط ترشحه لأن يعيد النظر فى مشروع ترامب ( صفقة القرن ) وإبداله بمشروع إحياء الدولتين مما يبطل فكرة التطبيع السارية المفعول حتى الآن مما يمكن امريكا من حلحلت مشاكلها 1/ الانتكاسة الديمقراطية 2/ مشروعها التجارى الإقتصادي العالمي وابعاد الصين عن هذا المشروع . التخوف من تجسس  بوتين على مؤسساتها السيوبرنوتك ووزاراتها وخزائن أسرار مؤسساتها القومية الحساسة وإنشغالها بفكرة تقليل جيوشها من افغانستان والعراق وإعادة إنضمامها وعودتها لعضوية مؤسسة الصحة العالمية وإلى مجموعة المناخ الباريسية وإعادة ترتيب شئون حلف الناتو وترميم علاقاتها مع اوروبا الغربية والتحالفات القديمة كتلك التي سبقت الحرب العالمية الثانية وإعادة علاقات امريكا مع فكرة الحلم الامريكي بتشجيع الأجانب للهجرة إلى أمريكا بغرض إثراء المهارات الإبداعية فى الصناعة والعمالة اليومية وإنقاذ الخوف من الإنهيار الإقتصادي الذى يمكن أن تسببه الكرونا فأمريكا ستكون مشغولة جدا وداخل هذا الخضم هناك تململ فى امريكا واوروبا الغربية من حرب اليمن وضرورة إيقافها هذا هو الأفق السياسي المحتمل 


- هل يمكن أن تستقطب اسرائيل عواصم عربية أخري الى مشروع صفقة العصر؟

يبدو لى أن هنالك كثير من المفاهيم التقليدية والمصطلحات الكلاسيكية فى الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية البراجماتية هناك شيء خفي ربما هو كل هذه الأسباب التي ذكرتها لك ممما يعدل ويبدل فى المواقف الراهنة 

 
- هل تعتقد أن مجيء الرئيس الامريكي المنتخب الجديد  جوبايدن سيغير ما فعله ترامب فى الشرق الأوسط وهل سيراجع الإتفاق النووي مع ايران وبصورة عامة هل سيراجع العلاقات مع اوروبا وهل ستعود الحرب الباردة الثانية بين القطبين ؟


من خلال قراءة عجلى وعابرة تكاد تكون إنطباعات أكثر منها تأكيدات قاطعة فبناء على ما نشاهده على شاشات الفضائيات العالمية وبعض كتابات المتخصصين فى الشأن السياسي العالمي فإنني أميل  للقول أن الخطوط الأساسية لسياسة ترامب إتجاه موسكو وطهران وإتجاه الشرق الأوسط واسرائيل والعرب لن تتغير فى أهدافها الرئيسية إنما سيكون هنالك بعض التعديلات وترفيعات المشروع الامريكي فى الشرق الأوسط بترقيعه وإصلاحه هنا وهناك وإيجاد شكل للعلاقة التي من الممكن قبولها بالنسبة لقيام الدولتين، أما تغيير شامل كامل وقلب الطاولة على تل ابيب فهذا لا يمكن، أما النزاع مع موسكو فقد بدأ مبكرا منذ حملة إنتخاب ترامب فى رئاسته الأولى وفى ظني أن مسألة طهران وبرنامجها النووي فإن بايدن هو من المخططين الأساسيين للبرنامج كما وضع أيام الرئيس باراك  اوباما . سيبقي على هذا الإتفاق الأول وهذا ماتريده اوروبا أيضا ،وأن ايران لا مانع لديها فى إقرار وتثبيت نفس المشروع الأول كإتفاق نهائي دون حذف أو إضافة وستكون امريكا فى مواجهة مع الصين وموسكو وسوف تكون مشغولة جدا ببذلها الجهود الكبيرة فى الإنهيار الإقتصادي المتوقع وخوفها من الضعف الذى ألم بالديمقراطية الأمريكية بتصرفات ترامب غير المسئولة 


- ماذا تنتظر أنت بوصفك كاتبا دراميا للدراما التي من الممكن أن تظهر لتصور عالمنا العربي القادم؟

ما أتوقعه هو انقلاب كامل فى الكتابة بكل أنواعها ،الأدب والعلوم والفلسفة والموسيقي والتصوير الفتوغرافي والتشكيل والنقد الأدبي والفني عامة وإضافات فى علم النفس وعلم الإجتماع وهو فتوحات لآفاق لم يكتشفها الإبداع الانساني طوال الفترات السابقة فنحن أمام زمن جديد يطرح حقائق جديدة ويتطلب خيالا قويا نافذا ومنبعا صدقني فى أقل من العقدين لا يمكن أن نجد مظهرا من مظاهر الإبداع القديم أننا أمام عالم جديد يتخلق ،والسؤال الآن من هو المفكر والمبدع الذى يمكن أن يبدع هذا العالم الجديد بطيوفه وصوره والوانه وأضوائه وظلاله لوحة بديعة تتفوق على خيال بيكاسو وسلفادور دالى وبراك أهو المبدع القديم الذى تجاوز الصبا ودخل فى الشيخوخة أم هو ذاك الفتي اليافع المتهور الشجاع والمغامر ؟ربما أحدهما لا نستطيع أن نحدد ولكنا نحدد القدرة الحية البصيرة والمبصرة ذات الموهبة الضخمة والتعاطف الإنساني العظيم . فهذا عالم جديد يحتاج لرؤية جديدة قد  تسألني عن النقد الجديد أقول لك نقد يحتاج إلى الرؤية القاطعة النافذة إلى حقائق النصر تلك التي تري الجمال الجديد والفكر الجديد والحياة عندما تجدد نفسها بالكامل .

- لماذا تتعدد الثورات في شكل متتالي في عالمنا العربي وفى فرنسا ثورة واحدة هي الثورة الفرنسية وفي امريكا الثورة الأهلية وفي روسيا ثورات داحل نطاق الحزب الشيوعي الواحد لماذا تتعدد تعدد الثورات فى الاقطار العربية حيث كان الأجدي أن تكون هناك ثورة واحدة ناجزة وكافية ؟

يبدو لى أن تعدد الثورات الشعبية فى السودان وفى البلدان العربية  لأن هذه الثورات لم تستطع أن تصوغ بشكل كامل ونافذ أسئلتها الحقيقية ومن ثم هي لم تتلقى إجابات واضحة وحقيقية لأسئلتها الكثيرة والمتعددة فى الإقتصاد والإجتماع والتعليم والخدمات والتنمية والمشكلات القديمة المتراكمة والتي لم تجد حلولا ثم التعنت الفكرى الذى منع قيام منصات حقيقية جادة فى تأسيس حوار ديمقراطي متعدد مابين الأنا والآخر مما منع تفاعل الكيانات الثقافية المتعددة من الحوار الذى يوصل إلى نتائج التفاعل مابين التنوع والوحدة أما الثورة الفرنسية فقد نجحت فى الوصول إلى إجابات كلية تمثل الأساس للأسئلة التي تمكن من قيام مجتمع متين الركائز، الحرية والإخاء والعدالة حتى أصبحت الديمقراطية الأوروبية والفرنسية خاصة هي الدستور الديمقراطي العالمي وهنا تكون المشكلة فى الدول العربية هي مشكلة الحرية فى التعدد فى الإتجاهات الأيدلوجية وعدم الصلة بين التقاليد الثقافية الكبرى التى تمثل ثوابت  هذه الثقافة وفقدان الرابط بينها وبين ثقافات الحداثة بل هنالك حرب شعواء ما بين الفكر التقليدي والفكر المحدث أنظر إلى تونس التى أشعلت الربيع العربي وأسست بداية ديمقراطية جديدة حديثة كيف هي الآن متنازعة بين الفكر السياسي التقليدي والفكر السياسي الحداثوي وذات الشىء تجده فى الجزائر وإن لم يكن بذات الحدة وأنظر لما يدور فى العراق وأنظر لما يدور فى ليبيا التي تكاد أن تكون دولة فاشلة 

- أخيرا ما رأيك فيما قاله واسيني الأعرج ( إنني تعبت وأريد أن أستريح ).وما قاله أمير تاج السر (إننا نكتب بلا جدوى )؟ أهي نهاية العالم أمام فجيعة الموت المستمر ؟

حقيقة أن إنسان هذا العصر خاصة بعد جانحة كرونا والمواجهات السياسية العنيفة التي من الممكن أن تتحول إلى مواجهات عسكرية دموية وهذا التوتر الشديد والتجاذبات فى أسس الحياة ، فقر ومجاعات جعلت إنسان العصر يفتقد الأمان ويواجه الإضطراب النفسي والفكري ويفقده التوازن المطلوب الذي يمكن قوى الحياة لمواجهة الصعوبات وبناء الحياة والإستقرار والأمن والأمان لإنتزاع حياة جديرة بأن تعاش وهذا بالضبط فقدان الأمن والأمان وعدم الطمأنينة وفقدان الثقة فى الحياة .إن مشكلة الإنسان فلسفيا ووجوديا هي أنه يريد أن يكون خالداوهذا ضد شروط الإنسانية فهو ذاهب إلى الموت لا محالة . المشكلة هنا هي هذا التناقض المريع بين سؤال الموت وسؤال الحياة . الموت من شروطه أن بأخذ الحياة ومن شروط الحياة أن تقاوم الموت . هنا تكمن درامية حياة الإنسان هي هذه المواجهة بين سؤال المعقول واللامعقول الذي يبحث عن رغبة الإنسان فى الخلود ومن ثم هو يريد الغاء الموت من مسار الحياة ، وهذا تجاوز بشري من شروط هذه البشرية التي كان شرطها الأساسي هو عدم دوام الحياة ومواجهة الموت فى أي وقت ولأي سبب فهو حتمية لا بسة أثواب الصدفة ، فالحياة خديعة والموت هو أصل الحياة ، ولكن الإنسان لا يستطيع مواجهة اللامعقول الذي هو المعقول ضرورة وحتما لأنه شرط من شروط بشرية الإنسان .ولهذا من الضروري أن يتعب الكتاب والمفكرون والفلاسفة أمام هذه الأسئلة الصعبة ومن يريدون الراحة . وكما تقول الفلسفة إن الإنسان ينشد الراحة التي هي الموت وأن الموت هو أن يكف الالم والعذابات عن الإمساك بالإنسان جسدا وروحا . وكما يقول الشاعر العربي العظيم المتنبي 

كل مافى الأنفس صعب ......سهل فيها إذا ما هو كانا 

وكما يقول الألماني هيجل ( كل فكرة تحمل فى ثناياها عوامل فنائها )، ونحن الأحياء لا نستطيع عقلنة الموت ومواجهته وجها لوجه إلا بموت الأعزاء الأحباب .أما موتنا الخاص فنحن لا نعقله ونحن أموات ، ولكنه هاجس من هواجسنا فى الحياة . فما هذه الكوارث إلا إمتحانات لهذا السؤال ( لماذا الموت )؟