في يوم الشعر العالمى.

في يوم الشعر العالمى  وتريات إسماعيل صاحب الربابة..  الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد  يثير سؤال غياب الشعر عن موقع صدارة الأدب،دائما الشجون  نسبة  لتفرد الشعر في الحياة،  ودوره في تهيئة الإنسان لمواجهة معوقات تحيط به، ويصبح  أكثر شفافية ومحبة وتلقائية.  وهناك من يرى الشعر انحسر عن الشارع، بفضل عاديات الزمن، وهي كثيرة وجهيرة وتمارس التسكع داخل الذوات، تقودها سلطات متعددة ومتفردة، وصاحبة قدرة كبيرة في فن تغيير ذائقة الإنسان.  وإشاعة مرض فقدان الحس الجمالي في تنشئة الفرد والمجموعة.ولكن لازال هناك من يكتب الشعر ويتذوقه ويحلم..  معتصم الازيرق، شاعر سوداني يعبش في

في يوم الشعر العالمى.

في يوم الشعر العالمى. 
وتريات إسماعيل صاحب الربابة.. 
الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد 


يثير سؤال غياب الشعر عن موقع صدارة الأدب،دائما الشجون  نسبة  لتفرد الشعر في الحياة،  ودوره في تهيئة الإنسان لمواجهة معوقات تحيط به، ويصبح  أكثر شفافية ومحبة وتلقائية.  وهناك من يرى الشعر انحسر عن الشارع، بفضل عاديات الزمن، وهي كثيرة وجهيرة وتمارس التسكع داخل الذوات، تقودها سلطات متعددة ومتفردة، وصاحبة قدرة كبيرة في فن تغيير ذائقة الإنسان.  وإشاعة مرض فقدان الحس الجمالي في تنشئة الفرد والمجموعة.ولكن لازال هناك من يكتب الشعر ويتذوقه ويحلم..  معتصم الازيرق، شاعر سوداني يعبش في المهجر منذ سنوات، حاصل على ماجستير في الأدب العربى الحديث من جامعة القاهرة الأم، وتخرج من قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة القاهرة فرع الخرطوم. تلقي دراسات موسيقية بمعهد الدراسات الأدبية التابع لجامعة لندن. حصل على درجة الماجستير في الموسيقى بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن.و ديوان وتريات إسماعيل صاحب الربابة، عدد صفحاته188. صدرعن دار عزة للنشر بالخرطوم. ولكن من هو إسماعيل صاحب الربابة، الذي اختاره،  الازيرق، الشاعر والموسيقى، عنوانا لمجموعته الشعرية. هو إسماعيل مكي الدقلاشي، قبره يزار، من شيوخ التصوف في الدولة السنارية في السودان "1504م- 1821"وسقطت الدولة السنارية أو السلطنة الزرقاء، على يد قوات الألباني محمد علي باشا. وإسماعيل صاحب الربابة، متجذرة قصصه في الذاكرة الشعبية، وله في  المقامات، مقام جذب أسطوري شعبي . ، وفي كتاب طبقات ود ضيف، اقدم أثر مكتوب في العصر الحديث في السودان، لإسماعيل مقال ومجال وحكى. من هذه الشخصية الصوفية المجذوبة  "وجدا،" يطل  بنفحات طرب ووجد وشوق واوتار،  معتصم الازيرق، وبيده شعلة الذوق والتذوق والإيثار في مكان القلب الطبيعي والروح، في رياض المعنى والمبني في الصورة والأسئلة عن معنى كل معنى، عن معاني المعاني، عن الغامض والواضح،. عن التوازن في أزمنة الحريق والسؤال.  ديوان، اسماعيل صاحب الربابة، يخوض معارك لاتعد ولاتحصى للانفكاك من غواية السياسة، في مبحث علمها الإيديولوجي عن أقرب الطرق إلي عقل ووجدان الناس، لتلتقط سلطة السياسة، إشارة دالة على عمق تأثير الشعر في الناس، وإذا ارتضى الشعر في تطوافه نحو المعنى، الجلوس بعيدا، فإن الشاعر المبدع معتصم الازيرق، في هذه القصائد  يهزم مقولة غياب الشعر عن المشهد.  والشعر بناء للوعي في مخاطبة الذات والخروج إلى باحات الحرية، دون حصار لرغبة في الوصول إلى تخوم بعيدة للتعبير عن مكنونات النفس ومعرفة الوجود. 
الرمز 
تقول الدكتورة اسماء خوالدية في كتابها"الرمز الصوفي بين إلا غراب بداهة وإلا غراب قصدا" "إن أصل الرمز الكلام الخفي الذي لايكاد يفهم ثم أستعمل حتي صار الإشارة بمعنى الإحالة والعلامة، غير أن الرمز لبس له ماللعلامة من اعتباطية التعالق بين التعبير والمعنى وبهذا فإنه تماثلي -وفق عبارة  (ايكو) بكيفية غير كافية إذ ثمة عدم تناسب بين الرامز والمرموز، فالرامز يعبر عن ميزة من ميزات المرموز ولكنه يتضمن تحديدات أخري لاعلاقة لها بما يحيل الشكل، وسبب هذا التناسب كان الرامز غامضا بصفة جوهرية "1. فإذا اضفنا الي ذلك "فالرمز إذن في معناه البياني الضيق نوع من الكتابة أو الاستعارة او التشبيه غير المباشر، ومايقابل ذلك من الصور أو التعابير التي ينوب فيها المجاز عن الحقيقة "2.. كان لإسماعيل صاحب الربابة، لياليه، يناجي فيها ويغرق في الكون وتأويل الطبيعة، يصل إلى النشوة، رمزية للخروج من ضيق الحياة إلى براح الروح الصافية المطمئنة، الراجعة إلى ربها وهي بين الأحياء. يقول الازيرق : في قصيدة "سيرة ذاتية لمدن العشق الضائعة "استهلال. 
لم أعرفها إلا قليلا، 
لم أكن أعرف أني.. لم أكن أعشقها 
مثلما كانت تفتش في خلايا العشق عني
أترى كانت سرابا.. ضاع مابيني وبينب، 
أم ترى كانت سحابا.. أمطر الأحلام 
وانساب على مراي من العشق.. ومني
وخب بين اليدين؟ 
ولماذا ماازال أرهف السمع إلى وقع خطاها
في بدايات رحيلي
ونهايات مراياها 
فلا أرصد من خطواتها.. إلا صهيلا
لم أكن أفهمها.. إلا قليلا 
فلماذا أرهف السمع إلى موج حناياها.. ونجواها... طويلا؟ 
هذا عاشق، ( هده )الشوق والعشق، فأخذ يبحث عن الأثر الباقي من ماديات تدل على وجود الغائبين. وجد شفيف لصاحب ربابة تعزف اللحن الحزين"اترى كانت سرابا" ام مطر أحلام حيث لاماء إلا ماء السراب "امطر الأحلام وانساب على مرأي من العشق ومني وخبأبين اليدين"
غاب هذا الجمال وانزوي في الذاكرة واللوم على العاشق في سلواه "لم أكن أفهمها إلا قليلا" لتكتمل الصورة في براحات الغباب، ثم تعود في الذاكرة إلى جزئيات صغيرة مبعثرة، كل ما أراد العاشق في سيرة مدن العشق استعادة الصورة فإن المساحة تضيق وتضج بالذاكرة "ولماذا ما أزال أرهف السمع إلى وقع خطاها " هذا السؤال الحزين نجد إجابته "هل أسميها غيابا.. ورحيلا. ام اسميها غبارا. .. وخيولا
أم أسميها بقايا من ظلال ضائعات 
وحضورا مستحيلا"
هذه الأنثى المدينة، لاتبارح خيال الشاعر،" آه منها.. لاتدعني، لم تكن أول  وآخر ما استوطن قلبي من مدن"ولكن كل المدن الأخرى تغيب إلا هي "غير أني لم اكن اقصدها.. حينما اقصدها إلا قليلا. "
قصيدة "وتريات إسماعيل صاحب الربابة"
"في أوج الجذبة كان ينام ويصحو، 
يتوسد انغام ربابته
يبكي.... ويطير على أجنحة الأوتار، 
يعانق امرأة ليس يراها احد إلاه
تخلق من امشاج الضوء المجهول بعينيه
وبين يدي مولاه
في أوج الجذبة كان يغني:
"السراي.. السراي"
يقول الدكتور عبدالغفار مكاوي في كتابه"ثورة الشعر من بودلير إلى العصر الحاضر" "نتميز هذه الحركة "الرمزية "في القرن التاسع عشر بطابع صوفي عام، يتجلى في الاحتجاج على النزعة العلمية والوضعية والنزعات النفعية والتجارية وتيار الواقعية الأدبية التي بدأت تسيطر على روح العصر، كما تتميز بالبحث عن"الحقيقة "بعد أن تزعزع الإيمان التقليدي بالدين والتراث والانطلاق من العالم "الصغير الضيق الممل"3
"قذفت بي الأقدار إلى هذي الأرض وتاهت بي عيناي
لماذا اصنع يامولاي على هذي الأرض بعيني وقيثارة حبي"
في الجذبة كان يغنى، السراي، السراي. يستدعى لغة الوسيلة، يستعذب النداء ويغيب في وجده"كان ينام ويصحو "يبكي ويطير على اجنحة الأوتار "وتقول أسماء خوالدية"أما إبن رشيق صاحب"العمدة "فقد ربط مفهوم الإشارة بالايجاز وذلك في قوله"وهي في كل نوع من الكلام سمة دالة، واختصار وتلويح يعرف مجملا ومعناه بعيد عن ظاهر لفظه "كما ذكر أن الإشارة أنواع من بينها الرمز، والسر في ذلك أن إبن رشيق، لايرى الرمز مرادفا للإشارة الحسية كما هو الغالب على ماورد في المعاجم وإنما يرى أن أصله الكلام الخفي الذي لايكاد يفهم، وأنه أستعمل حتي صار الإشارة أو نوعا منها، وهو الإشارة بالشفتين على رأي "الفراء". ومن أجل جعل الرمز الأدبي نوعا من أنواع الإشارة الأدبية لامرادفا لها ملاحظا جانب الخفاء والغموض في ذلك "4. يسطع صوت الربابة، في لغة الوجد -الخفاء بنور التجلي، في كل أبيات هذه القصيدة، مساحات الرمز "الربابة" وصاحبها والشعر وبحثه عن الأنموذج والمثال في صحراء الحياة، 
"يارب المشرق والمغرب، 
في وله التوق إليك تخطفني الإشراق وعذبني نزقي
وتسامت بي الأقدار على أبواب المشرق والمغرب 
فرنوت لوجهك من شرفات الغربة والأحزان 
هل تشرق في المغرب 
ام تغرب في المشرق
أم تتوحد بالضدين ومافوق الضدين
وتتكاثر في الأكوان 
هل تشرق في أحشاء الغيب
وتننكر في حيوات الإنسان "
من شرفات الغربة والأحزان، تنطلق أسئلة الشاعر، في عوالم الاشراق ولغة الإشارة "هل تشرق في المغرب أم تغرب في المشرق-هل تشرق في أحشاء الغيب" وتدور بالشاعر صياغته لأسئلة ترسل المعنى وترسم في منطق مطابقة بعقلية يقين ثابت، ثم يعيد صورا لهذا المجذوب تتطابق مع غربته واحزانه، لكنها لاتقف في دائرة التيه ولكن  الوجد الشفيفة، روح تجترج للإنسان طريق "وتتنكر في حيوات الإنسان " وتسدل  على النداءات الستار،.  "في أوج الجذبة كان يناجي الأقدار، 
يا إسماعيل فداك الله
تشتعل كأنك موج النار
وتشع كأنك أنوار القنديل، 
في ظلمة ليلك أشعل نيران القرآن 
واترع اقداح الإنجيل 
يا إسماعيل تزوج مطر الليل
يا إسماعيل تعهد لخطاك النيل،"
يستظل سماء القصيدة بالسلوك العرفاني، في النداء وبناء عوالم السر والخفاء، في البحث عن الحقيقة، 
"يا اسماعيل لقد (صدقت الرؤيا)
ايقظت عيون القلب 
واضرمت جنون القيثار النائم
أفما تفتأ ظمآن.. وسهوآن.. وهائم، 
أفما زلت تهاجر في هجرة هاجر
مابين صفاك ومرواك.. وماتروى
أفمن ذاك الوقت 
فقدت الوطن 
فقدت الاغفاءة.. والمأوى "
.  الرمز إسماعيل هنا يمثل الشاعر، مهاجر للبحث عن هجرة في  واديها الحقيقة والمأوى "في هجرة هاجر" ولهذه الهجرة شاعر يماثل إسماعيل في فقدان الوطن، من مرفأ إلى مرفأ، وفقدان الوطن، وهناك مأوى وأحزان ومفارقة المنام، والرؤيا تكتمل باكتمال الهجرة وفقدان الوطن. هذه القصيدة في أبياتها  تتجزأ، إلى ملحمة صدق، واقفة وحدها في ميدان فسيح من وجد وعشق وبكاء على الطلول، مناجاة الوطن، الأرض، الإنسان. 
"مثلك.. بذكاء القلب
بدمع العين يطير.! 
وطني لايشبه وطني، 
بدني لايشبه بدني
إني أبد ياطائر
في أبد التغيير "
أنشد الشاعر للتغيير حين كتب هذه القصيدة في مدينة لندن-مارس/2001م إنشاد العاشق لوطنه وكان سماع الشارع للنشيد في 19/ديسمبر 2018م واكتمال هلال الثورة. 
"وفي سر الأسرار، 
في الوجه الآخر للأشياء 
مجذوب ابدا نحو النور أنا
ونحو تراتيل الشهداء 
شهداء الحق على ساحات القلب
على ساحة نمرود
وأنا ملك ملوك الجذب 
صريع القيثار.! "
وحفل ديوان معتصم الازيرق"وتريات إسماعيل صاحب الربابة" بقصائد حملت عناوينها رمزيات لها  ألوان بتعدد الأسماء، نذكر منها، الرسم ينبئ عن جمال الرسم، ايقاعات، ابدا لم أحبك مثل هذا الحب، رحلة الوصول، طفل الرؤيا، تداعيات في ليل المنفى، نبوءة، تأتي مواهب حين لا تأتي، 

 

من طقوس البدايات، أنا وظلي، ملحمة النيل، اليمن السعيد، سيمفونية الميلاد. معتصم الازيرق، شاعر جميل الحروف وصاحب بصمة خاصة في كتابة الشعر. 
المراجع 
1-2كتاب الرمز الصوفي بين الاغراب بداهة والاغراب  قصدا- اسماء خوالدية-ضفاف -منشورات الاختلاف  الرباط المغرب طبعة أولي 2014
3/ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر. دكتور عبدالغفار مكاوي -الهيئة العامة للكتاب -مكتبة الأسرة 2013
4/مصدر سابق.