الثورة وفقدان الهوية

الثورة وفقدان الهوية سيف الدين حسن بابكر ????????????????????????????????????????   “ إبان الحرب الأهلية الإسبانية قام فصيل من القوات الفاشية بمحاصرة موقع للجمهوريين في منطقة جبلية جرداء ... صمد الموقع الجمهوري وظل يُقاتل طويلاً فلم يتزحزح أمام نيران مدفعية الفاشست الذين إستقدموا كل الأسلحة الممكنة بل وحتى سلاح طيرانهم بجانب تعزيزات من سلاح المشاة... وبعد قتال شرس وزخات رصاص من هنا وهناك صمت الموقع الثوري لنفاد ذخيرته ، وتقدم إليه قائد الفصيل الفاشستي ليُفاجأ برجل عجوز وحيد بجانب بندقية قديمة خالية من الرصاص .

الثورة وفقدان الهوية

الثورة وفقدان الهوية

سيف الدين حسن بابكر

“ إبان الحرب الأهلية الإسبانية قام فصيل من القوات الفاشية بمحاصرة موقع للجمهوريين في منطقة جبلية جرداء ... صمد الموقع الجمهوري وظل يُقاتل طويلاً فلم يتزحزح أمام نيران مدفعية الفاشست الذين إستقدموا كل الأسلحة الممكنة بل وحتى سلاح طيرانهم بجانب تعزيزات من سلاح المشاة... وبعد قتال شرس وزخات رصاص من هنا وهناك صمت الموقع الثوري لنفاد ذخيرته ، وتقدم إليه قائد الفصيل الفاشستي ليُفاجأ برجل عجوز وحيد بجانب بندقية قديمة خالية من الرصاص .

العجوز الأسباني كان هادئاً ومبتسماً بينما الضابط الألماني وقد إِحْمّرت وجنتاه ويكاد يتمزق غيظاً فأصدر أمراً بإعدام المقاتل العجوز .
 
 تقدم المقاتل العجوز باسماً وبخطوات ثابتة وواثقة من موقع الإعدام ، لحظتها كاد الضابط الفاشستي أن يجن غيظاً وما كان منه إلا أن سأل المقاتل بارتباك واضطراب قائلاً : 
(لماذا قاتلتنا بكل هذه الشراسة وأنت وحيد وسط هذه الحجارة الصماء .. حقيقة لماذا كنت تقاتل وعن ماذا كنت تدافع ؟ )

كان المقاتل العجوز محتفظاً بإبتسامته وثباته فأخرج قطعة خبز حاف من جيب بنطاله وديوان شعر لشاعر إسبانيا العظيم “لوركا” مبللاً بدمه.. ورد عليه قائلاً :-
 (كنت أقاتل وأدافع من أجل هذا .. ولو أعطيتموني فسحة أخرى من الوقت ومجموعة رصاص لما ترددت من قتالكم مرة أخرى دفاعاً عنهما) .

قام لحظتها بخلع  “البوريه” من رأسه إحتراماً للموت وفتح أزرار قميصه بصدرٍ عار مستقبلاً زخات الرصاص من الجائر المأجور .. وصمت لحظتها إلا أن قصته تسربت مُبشِّرة بمولد الجمهورية وإن تأخر مولدها لسنوات عقب ذلك .

أوردت “الحدوتة” إياها في صدر مقالي وبخاطري سؤال واحد :

 (عن ماذا ندافع ولأجل من؟)

هذا السؤال العاجل والمُلِح يجعلني أرتد 150 عاماً للوراء ولفرنسا تحديداً بعد مرور كل هذه الأعوام الطوال على قيام أول تجربة لثورة ديمقراطية شعبية حقيقية في التاريخ .. وهي ثورة مارس 1871 في باريس والتي تكونت على أثرها “كوميونة باريس” ...

إن حكم الكوميونة لم يدم سوى إثنين وسبعين يوماً ... إلا أنها كانت أياماً ذات أهمية بالغة في تطور التاريخ الإنساني وذلك لقيام أول حكم لدكتاتورية الكادحين في التاريخ ... 

وفي الوقت الحالي فإن تجربة الكوميونة تعد زاداً وإرثاً تاريخياً لا يمكن تجاوزه لكل حركات النضال الشعبي التي تسعى لإقتلاع نُظم القهر والإستبداد في بلادها ،،،

 وتجيء ثورة ديسمبر 2018م كتجربة ماثلة أمام أعيننا لما ذهبنا إليه بأنها ثورة شعبية قادتها كل فصائل الشعب السوداني لإرساء نسقاً جديداً في الحياة متمثلاً في شعارات الثورة الثلاثة :

 حرية، سلام، عدالة.

إن الأخطار التي أحاطت بكميونة باريس وأدت إلى فشلها هي عدم تفكيرها بداية في حماية نفسها والدفاع عنها ... وهاهم ثوار السودان يسيرون على نفس النمطية التي أجهضت الكميونة والمتمثل في عدم وضع آليات واضحة لحماية الثورة والدفاع عنها .... هذا كان أولاً  ..

 أما ثانياً فهو عدم مواجهة الثورة المضادة بالحزم الثوري وتقزيمها ووضعها في مكانها الطبيعي كفيروس يجب أن يُحاصر ويُعزَل .


ثالثاً - إبتعاد تجمع المهنيين عن الفصائل الحقيقية التي إستجابت لندائهم في بدايات الثورة والتضحيات الجسام التي قدمتها والدماء الغزيرة التي أُريقت دفاعاً عن الثورة وشعاراتها ...

رابعاً- ضعف الإدراك السياسي لجل التنفيذيين الذين دفع بهم تجمع قوى الحرية والتغيير للصفوف الأمامية ، الشيء الذي جاز أن نطلق عليهم ساسة سُذج أصحاب مواقف مائعة وغامضة ، مُربكة ومرتبكة .

بكل أسف إن الثورة تفقد هويتها لعدم التناسب بين الأهداف الكبيرة التي ثارت الجماهير من أجل تحقيقها وبين الوسائل التي يستخدمها القادة من أجل تحقيق تلك الأهداف ، والشيء الذي يجعلنا نتساءل :

 ( الثورة تدافع عن ماذا ولأجل من ؟)